وقال بعض الحكماء العلماء: ليس الشأن أن تُحِبَّ، إنما الشأن أن تُحَبَّ، والمحبة لا تحصل إلا بالعمل الصالح. وقال بعض السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}. وقال سهل بن عبد الله: علامة حب الله حب القرآن، وعلامة حب القرآن حب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلامة حب النبي -صلى الله عليه وسلم- حب السُّنَّة، وعلامة حب الله وحب القرآن وحب النبي وحب السنة حب الآخرة، وعلامة حب الآخرة أن يحب نفسه، وعلامة حب نفسه أن يبغض الدنيا، وعلامة بغض الدنيا ألا يأخذ منها إلا الزاد والبُلغة. ومن آثار المحبة طلب القرب من المحبوب، والاتصالِ به، واجتناب فراقه. ومن آثارها محبة ما يسره ويرضيه، واجتناب ما يغضبه، فتعليق لزوم اتباع الرسول على محبة الله تعالى؛ لأن الرسول دعا إلى ما يأمر الله به، وإلى إفراد الوجهة إليه، وذلك كمال المحبة. ان كنتم تحبون الله فاتبعوني. أخيراً، فإن من كان محباً لله تعالى لا بد وأن يكون في غاية الحذر مما يوجب سخطه، وإذا قامت الدلالة القاطعة على نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- وجبت متابعته، فإن لم تحصل هذه المتابعة، دلَّ ذلك على أن تلك المحبة ما حصلت. والحب المزعوم إذا لم يكن معه اتباع الرسول فهو حب كاذب؛ لأن المحب لمن يحب مطيع؛ ولأن ارتكاب ما يكرهه المحبوب إغاظة له، وتلبس بعدوه.
قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني
أتوقف عند هذا، أدركنا الوقت، ونُكمل -إن شاء الله- تعالى في الليلة الآتية، أسأل الله أن ينفعنا، وإياكم بما سمعنا، ويجعلنا، وإياكم هداة مهتدين -والله أعلم-. وصلى الله على نبينا محمد، وآله، وصحبه. أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله، برقم (2985).
ان كنتم تحبون ه
فالإخلاص لله في
دينه إنّما يكون بحبّه تعالى. * الحبّ: خضوعٌ والتزام
الحبُّ هو الوسيلة الوحيدة لارتباط كلّ طالبٍ بمطلوبه وكلّ مريدٍ بمراده، وبه ينجذب
المحبُّ إلى محبوبه؛ ليجده ويتمّ به ما للمحبّ من النقص. ولا بشرى للمحبّ أعظم من
أن يبشَّر بأنّ محبوبه يحبُّه. فالعبد المخلص لله بالحبّ لا بغية له إلّا أن يحبَّه
الله سبحانه، كما إنّه يحبّ الله، ويكون الله له كما يكون هو لله عزَّ اسمه، إلّا
أنّ الله سبحانه لا يعدّ في كلامه كلَّ حبّ له حبّاً، فإنّ حبّ الشيء يقتضي حبَّ
جميع ما يتعلّق به، ويوجب الخضوع والتسليم لكلّ ما هو في جانبه، والتدُّين له بدين
التوحيد وطريق الإسلام، على قدر ما يطيقه إدراك الإنسان وشعوره. * الإسلام دعوة وإخلاص
وقد عرّف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم سبيله الذي سلكه بسبيل التوحيد وطريقة
الإخلاص على ما أمره الله سبحانه، بقوله: ﴿ قُلْ
هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي
وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (يوسف: 108) ،
فذكّر أنّ سبيله الدعوة إلى الله على بصيرة، والإخلاص له من غير شرك. إسلام ويب - أسباب النزول - سورة آل عمران - قوله عز وجل " قل إن كنتم تحبون "- الجزء رقم1. فسبيله دعوة
وإخلاص، واتباعه واقتفاء أثره إنّما هو في ذلك، فالإخلاص علامة مَن اتّبعه.
، وفيه أيضًا فائدةٌ لفظية وهي مُراعاةُ الفواصِل يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (1/200)..