إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) وقوله: ( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) يقول: إن الذين ابْتَلَوُا المؤمنين والمؤمنات بالله بتعذيبهم، وإحراقهم بالنار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) حرّقوا المؤمنين والمؤمنات. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة البروج - الآية 10. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا) قَالَ: عَذَّبُوا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) قال: حرّقوهم بالنار. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) يقول: حرّقوهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن ابن أبزى ( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) حرّقوهم.
- القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة البروج - الآية 10
- معنى ان الذين فتنو المؤمنين والمؤمنات
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة البروج - الآية 10
قوله تعالى: إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير
[ ص: 254] قوله تعالى: إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات أي حرقوهم بالنار. والعرب تقول: فتن فلان الدرهم والدينار إذا أدخله الكور لينظر جودته. ودينار مفتون. ويسمى الصائغ الفتان ، وكذلك الشيطان ، وورق فتين ، أي فضة محترقة. ويقال للحرة فتين ، أي كأنها أحرقت حجارتها بالنار ، وذلك لسوادها. ثم لم يتوبوا أي من قبيح صنيعهم مع ما أظهره الله لهذا الملك الجبار الظالم وقومه من الآيات والبينات على يد الغلام. فلهم عذاب جهنم لكفرهم. ولهم عذاب الحريق في الدنيا لإحراقهم المؤمنين بالنار. ان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات. وقد تقدم عن ابن عباس. وقيل: ولهم عذاب الحريق أي ولهم في الآخرة عذاب زائد على عذاب كفرهم بما أحرقوا المؤمنين. وقيل: لهم عذاب ، وعذاب جهنم الحريق. والحريق: اسم من أسماء جهنم; كالسعير. والنار دركات وأنواع ولها أسماء. وكأنهم يعذبون بالزمهرير في جهنم ، ثم يعذبون بعذاب الحريق. فالأول عذاب ببردها ، والثاني عذاب بحرها. إن الذين آمنوا أي هؤلاء الذين كانوا آمنوا بالله; أي صدقوا به وبرسله.
معنى ان الذين فتنو المؤمنين والمؤمنات
[٢٢]
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ... فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ
قال -تعالى-: ( إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ* إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ* وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ* ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ* فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ)، [٢٣] [٢٤] في هذه الآية طمأنة للمؤمنينن وترهيب للكفار، فإن الله -عز وجل- عذابه شديد، يبدأ العذاب على المشركين في الحياة الدنيا، ثم يعيده مرة أخرى في الحياة الآخرة، كذلك هو الغفور الذي يغفر الذنوب، فيستر على العبد ما قد صدر عنه، وهو الّذي يحب عباده الموحّدين، وفي اقتران الودود بالغفور بأنّ الله -تعالى- يغفر لمن تاب ويحبّه، فهو سبحانه، يحب التوّابين. [٢٤] وفي قوله (يبدئ ويعيد)، [٢٥] تفسيران عن السلف؛ وهما: [٢٤]
أنّه يعذّب في الدنيا ويعيد العذاب في الآخرة وهو قول ابن عباس، وهو الراجح. أنّه يبدئ الخلق ثم يعيده، وهو قول الضحّاك. إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم. هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ... بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ
قال -تعالى-: ( هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ)، [٢٦] انتقلت الآيات الكريمة، للحديث عن بعض طغاة الزمن، وهم جنود وملأ فرعون وقوم ثمود، وما كان منهم من أذى كانوا قد أوقعوه على أنبيائهم، وفي ذلك توسية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ بأنّ ما يتعرّض له، قد تعرّض له الأنبياء من قبله.
المسألة الرابعة: في قوله: ( فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق) قولان:
الأول: أن كلا العذابين يحصلان في الآخرة ، إلا أن عذاب جهنم وهو العذاب الحاصل بسبب كفرهم ، وعذاب الحريق هو العذاب الزائد على عذاب الكفر بسبب أنهم أحرقوا المؤمنين ، فيحتمل أن يكون العذاب الأول عذاب برد والثاني عذاب إحراق وأن يكون الأول عذاب إحراق والزائد على الإحراق أيضا إحراق ، إلا أن العذاب الأول كأنه خرج عن أن يسمى إحراقا بالنسبة إلى الثاني ، لأن الثاني قد اجتمع فيه نوعا الإحراق فتكامل جدا فكان الأول ضعيفا ، فلا جرم لم يسم إحراقا. القول الثاني: أن قوله: ( فلهم عذاب جهنم) إشارة إلى عذاب الآخرة: ( ولهم عذاب الحريق) إشارة إلى ما ذكرنا أن أولئك الكفار ارتفعت عليهم نار الأخدود فاحترقوا بها.