واختلفت القراء في قراءة قوله ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما) فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة والبصرة ، وبعض قراء الكوفيين ( إما يبلغن) على التوحيد على توجيه ذلك إلى أحدهما لأن أحدهما واحد ، فوحدوا ( يبلغن) لتوحيده ، وجعلوا قوله ( أو كلاهما) معطوفا على الأحد. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين ( إما يبلغان) على التثنية وكسر النون وتشديدها ، وقالوا: قد ذكر الوالدان قبل ، وقوله ( يبلغان) خبر عنهما بعد ما قدم أسماءهما ، قالوا: والفعل إذا جاء بعد الاسم كان الكلام أن يكون فيه دليل على أنه خبر عن اثنين [ ص: 415] أو جماعة. قالوا: والدليل على أنه خبر عن اثنين في الفعل المستقبل الألف والنون. ولا تقل لهما أف. قالوا: وقوله ( أحدهما أو كلاهما) كلام مستأنف ، كما قيل ( فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم) وكقوله ( وأسروا النجوى) ثم ابتدأ فقال ( الذين ظلموا). وأولى القراءتين بالصواب عندي في ذلك ، قراءة من قرأه ( إما يبلغن) على التوحيد على أنه خبر عن أحدهما ، لأن الخبر عن الأمر بالإحسان في الوالدين ، قد تناهى عند قوله ( وبالوالدين إحسانا) ثم ابتدأ قوله ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما). وقوله ( فلا تقل لهما أف) يقول: فلا تؤفف من شيء تراه من أحدهما أو منهما مما يتأذى به الناس ، ولكن اصبر على ذلك منهما ، واحتسب في الأجر صبرك عليه منهما ، كما صبرا عليك في صغرك.
ولا تقل لهما اف بالانجليزية
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال: ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) قال: أمر ألا تعبدوا إلا إياه ، وفي حرف ابن مسعود: ( وصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه)
حدثنا أبو كريب ، قال: ثنا يحيى بن عيسى ، قال: ثنا نصير بن أبي الأشعث ، قال: ثني ابن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبيه ، قال: أعطاني ابن عباس مصحفا ، فقال: هذا على قراءة أبي بن كعب ، قال أبو كريب: قال [ ص: 414] يحيى: رأيت المصحف عند نصير فيه: ( ووصى ربك) يعني: وقضى ربك. حدثنا القاسم ، قال: ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) قال: وأوصى ربك. حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) قال: أمر ألا تعبدوا إلا إياه. حدثني الحرث ، قال: ثنا القاسم ، قال: ثنا هشيم ، عن أبي إسحاق الكوفي ، عن الضحاك بن مزاحم ، أنه قرأها ( ووصى ربك) وقال: إنهم ألصقوا الواو بالصاد فصارت قافا. وقوله ( وبالوالدين إحسانا) يقول: وأمركم بالوالدين إحسانا أن تحسنوا إليهما وتبروهما. بر الوالدين. – قال تعالى{فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما}. ومعنى الكلام: وأمركم أن تحسنوا إلى الوالدين ، فلما حذفت " أن " تعلق القضاء بالإحسان ، كما يقال في الكلام: آمرك به خيرا ، وأوصيك به خيرا ، بمعنى: آمرك أن تفعل به خيرا ، ثم تحذف " أن " فيتعلق الأمر والوصية بالخبر ، كما قال الشاعر: عجبت من دهماء إذ تشكونا ومن أبي دهماء إذ يوصينا خيرا بها كأننا جافونا
وعمل يوصينا في الخير.
لا تقل لهما اف ولا تنهرهما
2- كونه من أحب الأعمال إلى الله: عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعودرضي الله عنه قال: سألت النبيصلى الله عليه وسلم أي العمل أحبإلى الله؟ قال:الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال:بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال:الجهاد في سبيل الله. متفق عليه. 3- إن بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله عز وجل: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أقبل رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبايعك على الهجرةوالجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى، فقالصلى الله عليه وسلم:هل من والديك أحد حي؟قال: نعم بل كلاهما. قال:فتبتغيالأجر من الله تعالى؟ قال: نعم. ولا تقل لهما اف بالانجليزية. قال: فارجع فأحسن صحبتهما. متفق عليهوهذا لفظ مسلم وفي رواية لهما:جاء رجل فاستأذنه في الجهاد، فقال: أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد. 4- رضا الرب في رضا الوالدين: عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عنالنبيصلى الله عليه وسلمقال:رضا الرب في رضا الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدينرواه الترمذي وصححه إبن حبان والحاكم. 5- في البر منجاة من مصائب الدنيا بل هو سبب تفريج الكروب وذهاب الهم والحزنكما ورد في شأن نجاة أصحاب الغار، وكان أحدهم باراً بوالديه يقدمهما على زوجتهوأولاده.
ولا تقل لهما اف ولا تنهرهما
والأمر الإلهي بالإحسان إلى الوالدين يشمل كل ما يدخل على نفسيهما البهجة والسرور من مظاهر التقدير والإجلال والإكبار، اعترافا بأفضالهما، ومحاولة لرد شيء من رعايتهما وتربيتهما لأبنائهما في الصغر. لا تقل لهما اف ولا تنهرهما. وهذا الأمر الإلهي المؤكد هو قضاء واجب النفاذ دون أدني تردد أو مواربة، وهو سلوك يضع الأبناء علي قاعدة عريضة من مكارم الأخلاق ، من زاغ عنها خسر الدنيا والآخرة ولذلك قال تعالى: { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانً}. وتخص هاتان الآيتان الكريمتان الوالدين بهذا الإحسان في حالة كبر السن، وضعف البدن والحواس، وهي حالة تستوجب المزيد من رعاية الأبناء ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى: { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} أي: لا تستثقل شيئًا من أمرهما أو تضيق صدرًا به، ولا تغلظ لهما في قول أو فعل أو إشارة، لهما لأن (التأفف) هو إبداء شيء من الضيق أو الضجر مهما قل. والأمر الإلهي هنا للأبناء ألا يظهروا لوالديهم أي تعبير عن الضيق بهما أو عن عدم الرضا على تصرفاتهما مهما قل التعبير عن ذلك لأن حساسية الوالدين عند كبر سنهما تكون بالغة حد التأثر بأقل إشارة تحمل الإحساس بتبرم الأبناء من تصرفاتهما.
اية ولا تقل لهما اف ولا تنهرهما
ولكنَّ الفأر هناك يا أمِّي، ولن أستطيع الدُّخول إلى غرفتي قبْل قتله، (قال مشغول بصوتٍ خافِت مؤدَّب)! تدبَّر أمورَك أنا مشغولة، لا أستطيع أن أُساعِدَك. خرج الولد مشغول حزينًا وخائفًا في نفس الآن من الفأر الَّذي يتجوَّل بكلِّ حرّيَّة في غرفته. وببهو البيْت قريبًا من النَّافذة رأى القط لؤلؤ يَمسح زغبَه، ويقفز كلَّ مرَّة في اتِّجاه الطيور التي تحطُّ على إفريز النافذة. وجدتُها، وجدتها، قال الولد مشغول منشرحًا. وعلى التَّوِّ نادى القط لؤلؤ، فأتاه راكضًا، فحمَله إلى غرفتِه ووضعَه في حذر ورهْبة قريبًا من دولاب الملابس، حيثُ من الممكن أن يكون الفأْر مختبئًا، وخرج راكضًا من الغرفة إلى المطبخ وعلى وجهه علامات الارتِياح. أمي، أمِّي، وجدتُ الحلَّ. تحميل كتاب فلا تقل لهما أف PDF - مكتبة نور. سيتكلَّف لؤلؤ بالمهمَّة، وسيخلِّصُنا جميعًا من هذا الفأر القذِر. التفتتْ أمُّه إليه وأخذتْه من يدِه إلى غرفة الجلوس، وقالت مُخاطبةً إيَّاه وهي تُشير إليه أن يَجلس: اسمع يا بني، لقد سمِعْتُك جيِّدًا وأنت تصرخ، لكنني لم أجبْك تأديبًا لك. أرأيتَ يا مشغول، كيف أزعجك أن لا يجيبك أحد؟! وأنت الَّذي لطالما أجبتَ من يناديك مغضبًا بأنك مشغول، ولطالما أجبْتني بقولتك غير المؤدَّبة: أف، لا تزعجيني، أنا مشغول.
6- مكفر للذنوب. وروى أبو بكر بن حفص أن رجلاً قال: يا رسول الله، إني أصبت ذنباً عظيماً، فهل لي من توبة؟ قال: هل لك من أم؟ قال: لا؛ قال: هل لك من خالة؟ قال: نعم؛ قال:فبرها"، وروي نحوه عن ابن عمر. وقال مكحول: "بر الوالدين كفارة للكبائر، ولا يزال الرجل قادراً على البر ما دام في فصيلته من هو أكبر منه
معنى البرّ ما كان ضدّ العقوق، وقال ابن الأثير:" البِرُّ بالكسر الإحسان، ومنه الحديث في برّ الوالدين، وهو في حقّهما وحقّ الأقربين من الأهل ضدّ العقوق: وهو الإساءة إليهم والتضييع لحقهم "، وبرّ الوالدين يشمل الإحسان إليهما بالقلب، والقول، والفعل تقرّباً إلى الله تعالى. اية ولا تقل لهما اف ولا تنهرهما. ويقابله عقوق الوالدين، ويعني إغضابهما من خلال ترك الإحسان إليهما، وقيل أنّ عقوق الوالدين هو كلّ فعل يتأذَّى منه الوالدان، مع كونه ليس من الأفعال الواجبة
كيف يكون بر الوالدين
من أشكال البرّ بالوالدين في حياتهما، ما يلي: (2)
•طاعة الوالدين والابتعاد عن معصيتهما، وتقديم طاعتهما على طاعة كلّ البشر، إن لم يكن في ذلك معصية لله عزّ وجلّ أو رسوله صلّى الله عليه وسلّم، إلا الزّوجة حيث أنّها تقدّم طاعة زوجها على طاعة والديها. •الإحسان إليهما، وذلك من خلال القول والفعل، وفي أوجه الإحسان كلها.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلًا جاءه فقال: يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك». قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك». قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك». قال: ثم من؟ قال: «ثم أبوك» (متفق عليه)..
يقول ربنا تبارك وتعالى في سورة الإسراء: { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء:23-24]. وتبدأ هاتان الآيتان الكريمتان بالنهي عن الشرك بالله وبالأمر بعبادته وحده. وتوحيد الخالق هو القاعدة الأساسية للدين، ولذلك جاء الأمر به بصيغة القضاء: وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه... بمعنى التوكيد لهذا الأمر الإلهي. وبعد هذه القاعدة الأساسية للعقيدة الإسلامية يأتي مباشرة الأمر الإلهي ببر الوالدين تأكيدًا لحقوقهما على الأبناء (وقد جعلهما الله تعالى سببًا لوجودهم) وتقديرًا لدورهما في رعاية أبنائهما في حداثة أعمارهم، وما أحاطاهما به من حب وحنان وعطف وتحمل لكافة مسؤولياتهم المادية والمعنوية.