تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون
تذييل بالتحذير من مخالفة ما شرع إليه من أحكام الصيام. فالإشارة إلى ما تقدم ، والإخبار عنها بالحدود عين أن المشار إليه هو التحديدات المشتمل عليها الكلام السابق ، وهو في قوله: حتى يتبين لكم الخيط وقوله: إلى الليل وأنتم عاكفون من كل ما فيه تحديد يفضي تجاوزه إلى معصية ، فلا يخطر بالبال دخول أحكام الإباحة في الإشارة مثل: ( أحل لكم) ومثل: فالآن باشروهن. والحدود والحواجز ونهايات الأشياء التي إذا تجاوزها المرء دخل في شيء آخر ، وشبهت الأحكام بالحدود لأن تجاوزها يخرج من حل إلى منع ، وفي الحديث وحد حدودا فلا تعتدوها وستأتي زيادة بيان له في قوله تعالى: تلك حدود الله فلا تعتدوها. تلك حدود الله فلا تقربوها. وقوله: فلا تقربوها نهى عن مقاربتها الموقعة في الخروج منها على طريق الكناية ؛ لأن القرب من الحد يستلزم قصد الخروج غالبا كما قال تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ولهذا قال تعالى في آيات أخرى: تلك حدود الله فلا تعتدوها كما سيأتي هنالك ، وفي معنى الآية حديث من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
محمد داود
فالمحرمات ينبغي الابتعاد عنها وعدم الاقتراب منها أو من أسبابها التي تفضي إليها, "والنهي هنا عن القرب؛ لتكون هناك منطقة أمان؛ فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه, والإنسان لا يملك نفسه في كل وقت; فأحرى به ألا يعرض إرادته للامتحان بالقرب من المحظورات المشتهاة؛ اعتماداً على أنه يمنع نفسه حين يريد، ولأن المجال هنا مجال حدود للملاذ والشهوات كان الأمر: {فَلَا تَقْرَبُوهَا} ".
ولكن إن جاءت بعد النواهي فإنه يقول: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا}، لأن الحق يريد أن يمنع النفس من تأثير المحرَّمات على النفس فتلحُّ عليها أن تفعل، فإن كنت بعيداً عنها فالأفضل أن تظل بعيداً. وانظر جيّداً فيما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ) رواه البخاري ومسلم واللفظ له. ومما يؤكِّد كلام الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى كثير من الآيات الكريمة التي جاءت في سياق النهي جاءت بصياغة لا تقربوا، مثل قوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}، وقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}، وقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً}، وقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِين}. محمد داود. هذا، والله تعالى أعلم.