مطلع الحي
في مطلع ذلك الحي وفوق سنديانة قديمة تستيقظ العصافير صباحًا لتعزفَ موسيقاها الهادئة، منذرةً ببدء يومٍ جديدٍ مفعمٍ بالنشاط والحيوية، يرافقها صوت الأطفال الذي ينبض بالبراءة النابعة من صدق نواياهم، وصدق كلماتهم البسيطة التي تكاد تفهمها من المرة الأولى، فقد يسقط منها حرف أو حرفان، وفي بعضها قد يجلس حرف مكان الآخر، فكل مكان يرافقهم ينبض بياضًا يشبه بياض قلوبهم. ذلك المكان الذي يرتدي ثوبه الأخضر المعتق على أرصفته المزينة بتلك الأشجار القديمة التي عاشت مع أبناء الحي سنة تلو الأخرى، وبعض من الزهور الفواحة التي تشاركهم أحزانهم قبل أفراحهم بكل ما فيها من تفاصيل، فكبر الزرع مع طبيب الحي الذي تخرج في جامعة المدينة القديمة، ليصبح طبيبًا مشهورًا، وآخر معلم ينشد كل يوم للوطن أنشودة وقصيدة، ومهندس رسم تصميمات عدة لينهض ببلده ويعمرها. ذلك الحي الذي بنيت كل لبنة فيه بجهد أبنائه وهمتهم، فكل لبنة تحكي قصة تعب وفرح وألم وتجاوز الكثير من التفاصيل المهمة لأجل الحصول على لقمة العيش نهارًا، لأجل بضع نقود وضعت جانبًا ليوم رمادي ذي لون قاتم يطرق الحياة في داومتها المعتادة، فقد قال الله تعالى في كتابه العزيز ما يشير إلى طبيعة الكون من لحظة الصحوة صباحًا والانطلاق للعمل.
- أسد الدين شيركوه — Google Arts & Culture
- أسد الدين شيركوه.. موحد مصر والشام | صحيفة الخليج
أسد الدين شيركوه — Google Arts &Amp; Culture
إثر وفاة وزير مصر شيركوه ضغط الزنكيين أمراء الشام على الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله بهدف تعيين صلاح الدين خلفاً لعمه أسد الدين وذلك لما أظهره من حُسن القيادة والتدبير في المعارك، وقد رضخ الخليفة الفاطمي لذلك الطلب وعينه وزيراً لمصر بسبب ضعف الدولة الفاطمية وقوة الدولة الزنكية وشعبية صلاح الدين الكبيرة في البلاد. وقد حيكت الكثير من المؤامرات ضد صلاح الدين بعد أن أصبحت وزارة مصر بيده، أبرزها بدايتاً كانت محاولة أغتياله عقب توليه الوزارة بفترة قصيرة من بعض الأمراء الفاطميين حيث كشف أمرهم و أعدم العقل المدبر لهم الذي كان يشغل منصب مؤتمن الخليفة الفاطمي وصولاً إلى ثورة فوج الجنود الزنوج عليه والتي تمكن من قمعها من ثم الأنتصار على الحملات الصليبيبة لتصبح بذلك مصر تحت سلطانه بشكل كامل. شعر الزنكيون بأن الدولة الفاطمية الشيعية بدأت بالزوال لذلك أمر نور الدين الزنكي صلاح الدين بإقاف الدعاء للخليفة الفاطمي والدعاء للخليفة العباسي المستضيئ بأمر الله وفي شهر ستمبر من العام 1171 دعى شيخ سني من على منبر المسجد الأزهر بالتوفيق للخليفة العباسي لتتبعته بذلك جميع مساجد القاهرة في الوقت الذي كان فيه الخليفة الفاطمي على فراش الموت حيث لم يلبث طويلاً حتى وافته المنية لتسقط بذلك دولة الفاطميين الشيعية بعد حكم دام 262 سنة وبذلك تصبح مصر بالكامل تحت إمرة صلاح الدين والذي أتخذها قاعدة لتوحيد الدويلات الإسلامية في حلب والشام والحجاز.
أسد الدين شيركوه.. موحد مصر والشام | صحيفة الخليج
يعتبر نور الدين زنكى من أشهر القادة فى التاريخ الإسلامى، وقد حكم حلب بعد وفاة والده عماد الدين زنكى، ووسع إمارته بشكل تدريجى، كما حارب الصليبيين حيث خاض أمامهم عدة معارك منها معركة حارم التى وقعت فى 22 رمضان سنة 559 هجرية الموافق 12 أغسطس سنة 1164 ميلادية بين جيش نور الدين زنكى من جهة وتحالف إمارة أنطاكية والإمبراطورية البيزنطية والأرمن، وحقق فيها نور الدين زنكى انتصارًا ساحقًا، وأسر معظم قادة التحالف الصليبى. وجاء فى كتاب "الكامل فى التاريخ" لابن الأثير: "فى هذه السنة، فى شهر رمضان، فتح نور الدين محمود بن زنكى قلعة حارم من الفرنج، وسبب ذلك أن نور الدين لما عاد منهزماً من البقيعة، تحت حصن الأكراد، فرق الأموال والسلاح، وغير ذلك من الآلات، فَعاد العسكر كأنهم لم يصابوا وأخذوا فى الاستعداد للجهاد والأخذ بثأره". وأثناء سيره للمعركة كان نور الدين يلعب لعبة سياسية كبيرة، فالثمرة الناضجة التى ستقلب موازين القوى تماماً فى تلك الحرب هى الدولة الفاطمية فى مصر، ولو استطاع جيش مملكة بيت المقدس هزيمة أسد الدين شيركوه ودخل القاهرة لكانت هزيمةً أشد وقعاً على كل المسلمين، فوقوع مصر تحت السيطرة الصليبية معناها طول مدة الاحتلال الصليبى فى المشرق الإسلامى.
[٢] في أثناء ذلك كان أسد الدين شيركوه المربي الحقيقي، والمعلم الأول، والمكتشف البارع لمواهب ابن أخيه صلاح الدين، فقد رأى بعين خبرته ما يجتمع في ابن أخيه من عقل وحكمة ورثها من أبيه نجم الدين، وشجاعة وفروسية تعلمها من عمه، وزهد وورع تمثله من الأمير نور الدين خصالًا ثلاثًا كفيلًة بترشيح الفتى لقيادة الأمة فيما بعد، فدربه على القتال، وقيادة الجيوش، وأساليب إدارة المعارك دفاعًا وهجومًا، بالإضافة إلى تعليمه أصول السياسة، وفن المناورة والمفاوضة، فكان تعليم صلاح الدين وتدريبه من أهم وأفضل إنجازات أسد الدين شيركوه.