هذا العنوان محيل على قول عربيّ جار هو: البلاء موكّل بالمنطق، ومعناه البسيط أنّ المنطق أي الكلام هو مجلبة للبلاء، وهو أصل المكائد؛ فكم من حروب ووقائع كانت من جرّاء كلمة. مثل هذا القول إن حُمل على النّصح عنى أنّه على المرء أن يسكت، وأنّ الكلام إن كان من فضّة فالصمت من ذهب، ومن الحمق أن تفرّط في أغلى المعادن وتشتري بها المعدن الأقلّ، معدن لن يورث إلاّ البلاء واللعنة على الناطقين. البلاء موكل بالمنطق - د.خالد العنبري. عنوان مقالنا عكْس للقول الجاري المضمر لأنّه اختصار لفكرة تقول إنّ البلاغة التي هي في التصوّر الكلاسيكي كلام يبطل بالحجة الباطل، ويحقّ بالبرهان الحقّ، لا يمكن أن تكون إلاّ بالكلام. سوف يفاجأ كثير من القرّاء حين يعرفون أنّ المنطق هو الكلام، وليست اللوغوس كما استقرّ في معناه الدالّ على العقلانية والبصيرة. لكنّ هذه المفاجأة لا قيمة لها إن عرف الناس أنّ المنطق أو اللوغوس تعني في أصل وضعها من اللغة اليونانية الكلام أو الخطاب، وأنّ كثيرا من الفلاسفة من أمثال إفلاطون وأرسطو والرواقيّين استعملوه في هذا المعنى، وأنّ ترجمة العرب للوغوس بالمنطق كان توفيقا من الله ورضوانا كبيرا؛ فإذا جمعنا المنطق بمعنييه الأصلي والمنشعب دلّ ذلك على الفرضيّة المعكوسة: إنّه ليس أفضل للمرء من أن يعرض عقله على طرف لسانه.
البلاء موكل بالمنطق - د.خالد العنبري
وفي بقية خبر الأغاني لمعة أخرى تستحقّ الذكر. فلقد سأل القائم على المظالم المتظلم: «فيمَ ظلمتك؟ فقال:ضيعتي الفلانية أخذها وكيلك غصبا بغير ثمن، فإذا وجب خراجها أدّيته باسمي لئلاّ يثبُت لك اسم في ملكها فيبطل ملكي؛ فوكيلُك يأخُذُ غلّتها وأنا أؤدّي خراجَها وهذا ممّا لم يُسمع بمثله في الظلم». قال الناظر في المظالم: هذا قول تحتاج فيه إلى بيّنة وشهود وأشياء؛ فردّ الرّجل بعد أن طلب الأمان: البيّنة هم الشهود وإذا شهدوا فليس يُحتاج معهم إلى شيء.. ايش هذه الأشياء إلاّ الغيّ والتغطرس؟ فضحك وقال: صدقت والبلاء موكّل بالمنطق». (الأغاني، 22/465). البلاء موكل بالمنطق الدرر السنية. كانت البلاغة لحاجة أقوى من حاجة أهل سرقوس في الأسطورة اليونانية لأنّ الغطرسة كانت أكبر ؛ وكانت البلاغة عند المتقاضي موكَّلة بالمنطق، وكان البلاء عند القاضي هو الموكّل به. وانتصر الفصيح المتقاضِي على الفصيح القاضي في جمهورية بلا جمهور وفي نصّ هو خبر انفلت من كتب البلاغيين العرب الذين سكتوا عن فصاحة العدالة أصل كلّ فصاحة. ٭ أستاذ اللسانيات في الجامعة التونسية
• وفي صحيح الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجلٍ يعُودُه، فقال: (لا بأس، طَهورٌ إن شاء الله)، فقال: "كلا، بل حُمَّى تفور، على شيخٍ كبيرٍ، كيما تُزِيرَه القبورَ"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فنعم إذًا) وعند الطبراني وغيره، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أمَّا إذا أبيتَ، فهي كما تقول، وقضاءُ الله كائن))، فأصبح الأعرابي ميتًا. قال الشاعر:- لا تمزحن بما كرهتَ فربما ضرب المُزَاح عليك بالتحقيقِ
وحُكي أن المؤمل بن أميل الشاعر لمَّا قال يوم الحيرة: شفَّ المؤمل يومَ الحيرة النَّظرُ ليتَ المؤملَ لم يُخلَقْ له بصرُ
فعمِيَ، فأتاه آتٍ في منامه، فقال له: "هذا ما طلبتَ"؛ [معجم الأدباء؛ لياقوت الحموي (2/ 626) • وقال مجنون بني عامر في ليلى: فلو كنتُ أعمى أخبِط الأرضَ بالعصا أصمَّ فنادتني أجبتُ المناديا
فعمي وصَمَّ، وذهب بصره وسمعه [الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء؛ لمحمد بن عمران بن موسى المرزباني (ص: 266)]. قال ابن القيم: "رأيتُ أخبارَ كثيرٍ من المُتمنِّين، أصابتهم أمانيُّهم أو بعضها". [تحفة المودود بأحكام المولود (ص: 124)]. وأخرج ابن أبي الدنيا عن إبراهيم النخَعي أنه قال: "إني لأجد نفسي تُحدِّثني بالشيء، فما يمنعني أن أتكلَّمَ به إلا مخافةَ أن أُبتلى به".
فـهي الـنَّفس إنْ لـم تشغـلهـا بـالـحق شغلـتك بالـباطل. وهـو الـقلـب إنْ لـم تسكـنه محـبَّة الله عز وجل، سكَـنتْه محـبةُ الـمخلوقين ولا بـُدَّ. وهـو اللـسان إنْ لـمْ تشغـله بالـذكر، شغـلك باللـغـو وما هـو علـيك ولا بـُدَّ. فـاخْتر لـنَفْسك إحـدى الـخطـتين، وأنـزلـها في إحـدى الـمنزلـتين" [الـوابل الـصيِّب (صـ١٧٦-١٧٧)]. ويقول ابن الجوزي رحمه الله:
ليس الصوم صوم جماعة عن الطعام
وإنما الصوم صوم الجوارح عن الآثام
وصمت اللسان عن فضول الكلام
وغض العين عن النظر إلى الحرام
وكفُّ الكفِّ عن أخذ الخطام
ومنع الأقدام عن قبيح الإقدام. إلى متى ونحن نجهل أو نتجاهل خطورة هذا الأمر؟
إلى متى ونحن نغفل أو نتغافل عن حجم كارثة اللسان؟ إن مال وسلك طريقًا هلك بصاحبه في الدنيا والآخرة. إلى متى سنظل تحت تأثير تلك التجمعات؟ فمهما كانت نيتك، ومهما كان صلاح عملك وسريرتك، فلا بد من وقفة حازمة تقطع بها تلك الأقاويل، ولا تسمح لأحد أن يجذبك إلى الهاوية. مَا هِي الجَوارح ؟. عليك إذًا بصوم الجوارح. فرحم الله ابن القيم رحمة واسعة يوم أن قال في "الجواب الكافي":
"من العجب أن الإنسان يهُونُ عليه التحفُّظُ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والسرقة وشرب الخمر والنظر المحرم وغير ذلك، ويصعُبُ عليه التحفُّظُ من حركة لسانه!
مَا هِي الجَوارح ؟
إن لمسلسل الجوارح ثلاثة أجزاء الجزء الاول هو الجوارح وهو بطولة اسعد فضة وايمن زيدان وصباح عبيد والجزء الثاني هو الكواسر وهو بطولة اسعد فضة ورشيد عساف وسلوم حداد والجزء الثالث هو البواسل وهو بطولة جومانة مراد واسعد فضة ورشيد عساف وهؤلاء الاجزاء للمؤلف هاني السعدي والمخرج نجدة اسماعيل انزور.
فما موصولة وفاء {فكلوا} للتفريع. ويجوز أن يكون عطف جملة على جملة، وتكون (ما) شرطية وجواب الشرط {فكلوا ممّا أمسكن}. وخُصّ بالبيان من بين الطيّبات لأنّ طيبه قد يخفى من جهة خفاء معنى الذكاة في جرح الصيد، لاسيما صيد الجوارح، وهو محلّ التنبيه هنا الخاصّ بصيد الجوارح. وسيُذكر صيد الرماح والقنص في قوله تعالى: {ليبلونّكم الله بشيء من الصيد تنالع أيديكم ورماحكم} [المائدة: 94] والمعنى: وما أمسك عليكم ما علّمتم بقرينة قوله بعدُ {فكلوا مما أمسكن عليكم} لظهور أن ليس المراد إباحة أكل الكلاب والطيور المعلّمة. والجوارح: جمع الجارح، أو الجارحة، جرى على صيغة جمع فاعلة، لأنّ الدوابّ مراعى فيها تأنيث جمعها، كما قالت العرب للسباع: الكواسب، قال لبيد: غُبْس كواسِبُ ما يُمَنّ طعامها ولذلك تُجمعَ جمعَ التأنيث، كما سيأتي {فكلوا ممّا أمسكن عليكم}. {ومكلِّبين} حال من ضمير {علّمتم} مبيّنة لنوع التعليم وهو تعليم المكلِّب، والمكلِّب بكسر اللام بصيغة اسم الفاعل مُعلّم الكلاب، يقال: مكلِّب، ويقال: كَلاَّب. ف {مكلِّبين} وصف مشتقّ من الاسم الجامد اشتقّ من اسم الكلب جريًا على الغالب في صيد الجوارح، ولذلك فوقوعه حالًا من ضمير {علّمتم} ليس مخصّصًا للعموم الذي أفاده قوله: {وما علّمتم} فهذا العموم يشمل غير الكلاب من فُهود وبُزَاة.