وهكذا شَقّوا على أنفسهم بسؤالهم فبدل أن تكون بقرة على الإطلاق أصبح المطلوب بقرة مقيَّدة بسن معينة. ولكنهم مع ذلك لم يبحثوا عن هذه فيذبحوها بل زادوا في الاستفسار فشقّ الله عليهم ( إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا) أي أشدّ ما يكون من الصفرة وأنصعه، ويقال في التوكيد أصفر فاقع. [2] ولكنهم كذلك لم يفعلوا بل عادوا بالسؤال والاستفسار فشقّ الله عليهم في الجواب ( إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا) أي هي بقرة مدللة عند صاحبها لا هي] ذَلُولٌ [ أي لم تذلل للركوب أو حرث الأرض ولا هي ( تَسْقِي) فليست من النواضح التي ينقل عليها الماء لسقي الحرث أي الزرع، ثم هي ( مُسَلَّمَةٌ) أي خالية من العيوب و( لَا شِيَةَ فِيهَا) أي ولا شيء فيها غير الصفرة فهي صفراء كلها حتى قرنها وظلفها. و( شِيَةَ) في الأصل مصدر من: وشاه وشيا وشية أي أصاب لونه الغالب لون آخر. مقتطفات من كتاب التيسير في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته – مجلة الوعي. وهكذا سدت عليهم منافذ السؤال فاضطروا للبحث عن بقرة بهذه الأوصاف فحصلوا عليها بعد جهد جهيد في مدة البحث وغلاء الثمن. ولولا أنهم أُلجئوا لذلك بعد استنفاذ أسئلتهم ما فعلوه فكأنهم كانوا لا يريدون أن يُعرف القاتل لمنزلة له أو نحوها ( فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ).
- الدرس(42) باب قول الله تعالى :{ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى...}.
- مقتطفات من كتاب التيسير في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته – مجلة الوعي
- التحذير من اتباع خطوات الشيطان - ملتقى الخطباء
الدرس(42) باب قول الله تعالى :{ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى...}.
ومن تكملة الآية الكريمة فإنها تدلّ بمفهومها أن الحجارة فيها نفع وخير أكثر من قلوبهم، وهذا يعني أن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة وليس مثلها، وهنا تكون (أو) بمعنى (بل) أي أن الآية ( فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) تعني "فهي كالحجارة بل أشد قسوة"، فقلوبهم أقسى من الحجارة لأن في الحجارة نفعاً وخيراً وقلوبهم ليـس فيهـا شيء من ذلك. الدرس(42) باب قول الله تعالى :{ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى...}.. فبعـض الحجارة يتفجر منه الماء بغزارة وبعضها يخـرج المـاء من شـقـوقه ينابيع، ومنها ما يهبط من خشية الله كما أعلمنا الله سبحانه عن الجبل الذي صـار دكاً إذ تجـلى له ربه ( فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا). ثم يختم الله سبحانه الآيات الكريمة بأن الله سبحانه ليس غافلاً عن أعمالهم فهو سبحانه لهم بالمرصاد حافظ لأعمالهم لا يسهو عنها ولا ينساها بل يجزيهم عليها في الآخرة أو يعاقبهم عليها في الدنيا. وأصل الغفلة عن الشيء تركه على وجه السهو عنه والنسيان له، فأخبرهم سبحانه وتعالى أنه غير غافل عن الأفعال الخبيثة لأولئك القاسية قلوبهم، بل هو سبحانه لها محصٍ ولها حافظ. وبعد، فإن المتدبر لهذه الآيات العظيمة، يتبين له طبع من طبائع اليهود المتأصلة فيهم وهو التلكؤ في تنفيذ ما يطلب منهم والبحث عن التبرير وراء التبرير لإطالة أمد التنفيذ إن لم يتمكنوا من إلغائه، هذه حالهم مع الله خالقهم ومع رسله إليهم وأنبيائه والناس أجمعين.
مقتطفات من كتاب التيسير في أصول التفسير للعالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشته – مجلة الوعي
فالحقوق لا تؤخذ منهم بالحجج والإقناع، ولا في معاهد الدراسات والمفاوضات بل تنتزع انتزاعاً بضربات تنسيهم وساوس الشيطان، وهو العلاج الذي عالجهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة نتيجة خيانتهم ونقضهم للعهود والمواثيق. وهذا هو علاجهم الوحيد في فلسطين وإن غداً لناظره قريب. q
[1] [تفسير الطبري: 1/374]
[2] فاقع توكيد لصفراء وليس خبراً عن اللون، أي (لونها) ليس مرفوعاً على الابتداء، بل (لونها) مرفوع على أنه فاعل (فاقع).
ليلة بدء نزول القرآن على قلب محمد ذلك الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته وفي حياة البشرية جميعاً. العظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ؟)
والنصوص القرآنية التي تذكر هذا الحديث تكاد تزف وتنير... بل هي تفيض بالنور الهادئ الساري الرائق الودود. نور الله المشرق في قرآنه: ( إنا أنزلناه في ليلة القدر) ونور الملائكة والروح وهم في غدوهم ورواحهم طوال الليلة بين الأرض والملأ الأعلى:
( تتنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر) ونور الفجر الذي تعرضه النصوص متناسقاً مع نور الوحي ونور الملائكة، وروح السلام المرفرف على الوجود وعلى الأرواح السارية في هذا الوجود: ( سلام هي حتى مطلع الفجر)
واسمها (ليلة القدر)... قد يكون معناه التقدير والتدبير. وقد يكون معناه القيمة والمقام. وكلاهما يتفق مع ذلك الحدث الكوني العظيم. حدث القرآن والوحي والرسالة. وليس أعظم منه ولا أقوم في أحداث هذا الوجود. والليلة من العظمة بحيث تفوق حقيقتها حدود الإدراك البشري: ( وما أدراك ما ليلة القدر ؟). فهي ليلة عظيمة باختيار الله لها لبدء تنزيل هذا القرآن. وإفاضة هذا النور على الوجود كله، وإسباغ السلام الذي فاض من روح الله على الضمير البشري والحياة الإنسانية وبما تضمنه هذا القرآن من عقيدة وشريعة وآداب.
وبسبب هذه العداوة من الشيطان لآدم وبنيه سعى خلفه ووسوس له بمخالفة أمر الله عز وجل حتى أخرجه من الجنة، قال تعالى: "فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين * وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين" (الأعراف: 20-21). ومن ثم كانت نتيجة معصية آدم للرحمن واتباع وسوسة الشيطان "قال اهبطوا بعضُكم لبعضٍ عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين" (الأعراف: 24). لا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين. ومن مكر الشيطان وخبثه في العداوة للإنسان أنه يتدرج وينوع وسوسته ومكره، ولذلك حذرنا الله تعالى في القرآن الكريم من كيد الشيطان ومكره في أربع آيات، فقال تعالى: "ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين" (البقرة: 168). "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين" (البقرة: 208). "كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين" (الأنعام: 142). "يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر" (النور: 21). ففي الآيتين الأولى والثالثة نجد أن التحذير الإلهى جاء في سياق ذكر الطعام، وللشيطان في وسوسته حول الطعام خطوات متدرجة ومتنوعة، فقد يزين للبعض الإكثار منه ليشغلهم به عن أداء الطاعات مِن الصلوات وغيرها، أو يزيّن لهم أصنافا محرمة منها، كما نشاهد اليوم من انتشار التدخين والأرجيلة وما يرتبط بهما لاحقا من الخمر والمخدرات، فقد ثبت بالدراسات العلمية والأمنية أن التدخين خطوة لازمة لمن وصل للمخدرات والخمر!
التحذير من اتباع خطوات الشيطان - ملتقى الخطباء
أسامة شحادة
إن العلاقة بين الإنسان عموما، والمؤمن خصوصا، والشيطان علاقة عداوة، فالشيطان منذ اللحظة الأولى لخلق الله عز وجل للإنسان عاداه وحسَده وحقد عليه لما رأى تكريم الله له بخلقه بيديه ونفخ الروح فيه وأمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام.
= أو يكون خطابًا لأهل الإيمان بمن قبل محمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء المصدِّقين بهم، وبما جاءوا به من عند الله المنكرين محمدًا ونبوته، فقيل لهم: " ادخلوا في السلم " ، يعني به الإسلام، لا الصُّلح. لأن الله عز وجل إنما أمر عباده بالإيمان به وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به، وإلى الذي دعاهم دون المسالمة والمصالحة. بل نهى نبيه صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال عن دعاء أهل الكفر إلى الصلح (64) فقال: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ [محمد: 35] وإنما أباحَ له صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال إذا دعَوه إلى الصلح ابتداءَ المصالحة، فقال له جل ثناؤه: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا [الأنفال: 61] فأما دعاؤهم إلى الصُّلح ابتداءً، فغير موجود في القرآن، فيجوزُ توجيه قوله: " ادخلوا في السلم " إلى ذلك. التحذير من اتباع خطوات الشيطان - ملتقى الخطباء. * * * قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فأيّ هذين الفريقين دعي إلى الإسلام كافة ؟ قيل قد اختلف في تأويل ذلك. فقال بعضهم: دعي إليه المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به. * * * وقال آخرون: قيل: دُعي إليه المؤمنون بمن قبل محمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء المكذبون بمحمد.