موقف من أعجب المواقف القرآنية، ذلك الذي كان بطله الرجل المؤمن الذي ذُكرت قصته في سورة يس، والذي هو صاحب تلك الكلمة المعنون بها هذا المقال. ولعل أشد ما يثير الدهشة والعجب في تلك القصة وذاك الموقف القرآني الباهر، هو الموطن الذي قيلت فيه تلك الكلمة. فلقد قال الرجل: "يا ليت قومي يعلمون" في دار غير الدار وحال غير الحال. لقد قالها وهو يكاد يدلف إلى الجنة! الا ليت قومي يعلمون فتحي يكن. خرجت منه تلك العبارة بعد أن قتله قومه ونال الشهادة على أيديهم، ورغم ذلك كان همه أن يعلموا! كانت رغبته وما يشغل ذهنه أن يدرك الناس ما عند الله من المغفرة والإكرام. إنه مشهد يجسّد حرصًا غير عادي وتفانيًا منقطع النظير ورغبة عارمة في هداية الخلق وتعريفهم بالحق. على أن الأمر لم يبدأ بهذا المشهد العجيب وتلك اللحظة الأخروية الباهرة، بل إنه كان قد بدأ قبل ذلك. بدأ في وقت لم تكن فيه الحاجة إلى ذلك الرجل ماسَّة، ولم يكن التكليف عليه متعينًا، ذلك أنه كان في مدينته أنبياء. ليس نبيًا واحدًا ولا اثنين، بل كان هنالك ثلاثة أنبياء. وهو رجل عادي من عوام الناس، فماذا عساه أن يزيد عليهم أو يضيف؟ ما الفارق الذي يمكن أن يصنعه في وجود كل هذا العدد من أفاضل الخلق وأحسنهم بيانًا وأبلغهم حجة ومنطقًا؟ وهل بعد تكذيب مدينته لأولئك المعصومين يُنتظر له استجابة أو يُظن به قدرة على التأثير؟!
- يا ليت قومي يعلمون
- القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة يس - الآية 28
- موقع تراثي
- القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة يس - الآية 26
- تفسير قوله تعالى: (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا)
يا ليت قومي يعلمون
تفسير و معنى الآية 26 من سورة يس عدة تفاسير - سورة يس: عدد الآيات 83 - - الصفحة 441 - الجزء 23. ﴿ التفسير الميسر ﴾
قيل له بعد قتله: ادخل الجنة، إكرامًا له. ﴿ تفسير الجلالين ﴾
«قيل» له عند موته «ادخل الجنة» وقيل دخلها حيا «قال يا» حرف تنبيه «ليت قومي يعلمون». ﴿ تفسير السعدي ﴾
ف قِيلَ له في الحال: ادْخُلِ الْجَنَّةَ فقال مخبرا بما وصل إليه من الكرامة على توحيده وإخلاصه، وناصحا لقومه بعد وفاته، كما نصح لهم في حياته: يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي
﴿ تفسير البغوي ﴾
فذلك قوله عز وجل: ( قيل ادخل الجنة) ، فلما أفضى إلى الجنة ( قال يا ليت قومي يعلمون). ﴿ تفسير الوسيط ﴾
ولكن هذه النصائح الغالية الحكيمة من الرجل الصالح لقومه، لم تصادف أذنا واعية بل إن سياق القصة بعد ذلك ليوحى بأن قومه قتلوه، فقد قال- تعالى- بعد أن حكى نصائح هذا الرجل لقومه، قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ.... أى: قالت الملائكة لهذا الرجل الصالح عند موته على سبيل البشارة: ادخل الجنة بسبب إيمانك وعملك الطيب. قال الآلوسى: قوله: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ.. استئناف لبيان ما وقع له بعد قوله ذلك. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة يس - الآية 26. والظاهر أن الأمر المقصود به الإذن له بدخول الجنة حقيقة، وفي ذلك إشارة إلى أن الرجل قد فارق الحياة، فعن ابن مسعود أنه بعد أن قال ما قال قتلوه.. وقيل: الأمر للتبشير لا للإذن بالدخول حقيقة، أى: قالت ملائكة الموت وذلك على سبيل البشارة له بأنه من أهل الجنة- يدخلها إذا دخلها المؤمنون بعد البعث.
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة يس - الآية 28
وجملة { قال يا ليت قومي يعلمون} مستأنفة أيضاً استئنافاً بيانياً لأن السامع يترقب ماذا قال حين غمره الفرح بدخول الجنة. والمعنى: أنه لم يُلهِه دخوله الجنة عن حال قومه ، فتمنى أن يعلموا ماذا لقي من ربه ليعلموا فضيلة الإِيمان فيؤمنوا وما تمنّى هلاكهم ولا الشماتة بهم فكان متّسِماً بكظم الغيظ وبالحلم على أهل الجهل ، وذلك لأن عالم الحقائق لا تتوجه فيه النفس إلا إلى الصلاح المحض ولا قيمة للحظوظ الدنية وسفساف الأمور. وأدخلت الباء على مفعول { يعلمون} لتضمينه معنى: يُخبَرون ، لأنه لا مطمع في أن يحصل لهم علم ذلك بالنظر والاستدلال.
موقع تراثي
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) قال: قيل: قد وجبت له الجنة؛ قال ذاك حين رأى الثواب. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد ( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) قال: وجبت لك الجنة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد ( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) قال: وجبت له الجنة.
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة يس - الآية 26
ولما
عاند قوم نوح نوحاً وعصوه وتمردوا عليه قال – سبحانه – في شأنهم: { وَقِيلَ
يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ
الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ لظَّالِمِينَ} 11. وفي
الختام: فإن قصة قتل مؤمن آل ياسين ينبغي أن يعتبر بها الناس جميعاً، ويوقنوا أن في
اتباع المصلحين الفلاح والنجاة، وأن في مخالفتهم الهلاك والبوار والعَطَب. اللّهم
ارزقنا الاهتداء بهدي المرسلين، وأعذنا من صفات الكافرين والمكذبين، وآخر دعوانا أن
الحمد لله رب العالمين. 1
يس (13-29). 2
التغابن (6). 3
المؤمنون (34). 4
العنكبوت (52). 5
يس (26-27). 6
آل عمران (169). 7
يس (23-24). 8
9
يس (28-29). 10
آل عمران (112). 11
هود (44).
۞ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ (28) القول في تأويل قوله تعالى: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28) يقول تعالى ذكره: وما أنـزلنا على قوم هذا المؤمن الذي قتله قومه لدعائه إياهم إلى الله ونصيحته لهم ( مِنْ بَعْدِهِ) يعني: من بعد مهلكه ( مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ). واختلف أهل التأويل في معنى الجند الذي أخبر الله أنه لم ينـزل إلى قوم هذا المؤمن بعد قتلهموه فقال بعضهم: عُنِي بذلك أنه لم ينـزل الله بعد ذلك إليهم رسالة، ولا بعث إليهم نبيًّا. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ) قال: رسالة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حَكَّام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بَزَّة عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَمَا أَنـزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنـزلِينَ) قال: فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله ( إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ).
ابو معاذ المسلم
06-11-2020 11:27 PM
في نور آية كريمة.. "يريد الله أن يخفف عنكم"
أمير سعيد
" يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا "
آية عظيمة، توضح حكمة الشرائع ومراد الله سبحانه وتعالى منها، وهو التخفيف عن عباده المؤمنين، تيسير الطريق لهم، معانقة الفطرة والسير معها في طريق واحد لا يعتلجان فيه أو يتعاكسان.. جاء الإسلام بالحنيفية السمحة فنظم الدين والدنيا معاً في مسار معبد رفيق، يتسق مع الفطرة فلا نكد ولا شقاق وانفصام. يُلتزم هذا الطريق فلا غبن ولا ظلم ولا هضم. ما جعل الله فيه من حرج، إنما الحرج على من يتنفس من غير هوائه ويستنشق ما سواه؛ فيضيق صدره كأنما يصعد في السماء. يروى عن ابن عباس رضي الله عنهما - بسند فيه انقطاع – "ثمان آيات في سورة النساء هن خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت هذه الثلاث " يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ.... وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا "، وإن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه، وإن الله لا يغفر أن يشرك به، وإن الله لا يظلم مثقال ذرة ومن يعمل سوءا يجز به، وما يفعل الله بعذابكم".
تفسير قوله تعالى: (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا)
نواصل، اليوم، سلسلة "آية و5 تفسيرات" التى بدأناها منذ أول رمضان، ونتوقف اليوم عند آية من الجزء الخامس، هى الآية رقم 28 فى سورة النساء، والتى يقول فيها الله سبحانه وتعالى "يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا". تفسير الطبرى
قال أبو جعفر: يعنى جل ثناؤه بقوله: "يريد الله أن يخفف عنكم"، يريد الله أن يُيسر عليكم، بإذنه لكم فى نكاح الفتيات المؤمنات إذا لم تستطيعوا طولا لحرة "وخلق الإنسان ضعيفًا"، يقول: يسَّر ذلك عليكم إذا كنتم غيرَ مستطيعى الطوْل للحرائر، لأنكم خُلِقتم ضعفاء عجزةً عن ترك جماع النساء، قليلى الصبر عنه، فأذن لكم فى نكاح فتياتكم المؤمنات عند خوفكم العَنَت على أنفسكم، ولم تجدُوا طولا لحرة، لئلا تزنوا، لقلّة صبركم على ترك جماع النساء. تفسير البغوى
(يريد الله أن يخفف عنكم) يسهل عليكم فى أحكام الشرع، وقد سهل كما قال جل ذكره: "ويضع عنهم إصرهم" (الأعراف - 157) وقال النبى صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالحنيفية السمحة السهلة"، (وخلق الإنسان ضعيفا) قال طاوس والكلبى وغيرهما فى أمر النساء: لا يصبر عنهن، وقال ابن كيسان: ( وخلق الإنسان ضعيفا) يستميله هواه وشهوته، وقال الحسن: هو أنه خلق من ماء مهين، بيانه قوله تعالى: "الله الذى خلقكم من ضعف" ( الروم - 54).
(ويُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ) أي: ويريد أتباع الشهوات عموماً من أهل الكفر والفسوق والفجور والعصيان. • قال القرطبي: اختلف في تعيين المتَّبِعين للشهوات؛ فقال مجاهد: هم الزناة. وقال السّدِّي: هم اليهود والنصارى. وقالت فرقة: هم اليهود خاصّةً؛ لأنهم أرادوا أن يتبعهم المسلمون في نكاح الأخوات من الأب. وقال ابن زيد: ذلك على العموم، وهو الأصح. (تفسير القرطبي). • والشهوات جمع شهوة، وهي ما يغلب على النفس محبته وهواه، والشهوة قد تكون شهوة فرج وبطن تدفع الإنسان إلى استباحة ما حرم الله من الفروج والمآكل، وقد تكون شهوة فكر وقلب تحمل المرء على رد الحق وقبول الباطل. (أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) أي: أن تنحرفوا عما يريد الله لكم من الاستقامة على هدى الله وسلوك طريق الحق، وتسلكوا طريق الباطل. (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) أي: يريد الله أن يخفف عنكم وييسر عليكم فيما شرعه لكم في أوامره ونواهيه • التخفيف ضد التشديد والتثقيل، وقد خفف الله عن هذه الأمة فقال تعالى (يرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وقال تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وقال تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا).