كيف يوثق بنقل الأخبار والتواريخ إذا لم يكن الصدق أحد الأسس الحضارية التي يقوم عليها بناء المجتمع؟! كيف يوثق بالوعود والعهود ما لم يكن الصدق أحد أسس التعامل بين الناس؟! كيف يوثق بالدعاوى والشهادات ودلائل الإثبات القولية ما لم يكن الصدق أحد أسس التعامل بين الناس؟! ).
ان الصدق يهدي البر
نسألُ اللهَ أن يجعلنا مِنَ المتقينَ الصادقين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فيا أيها المؤمنون، اعلموا رحِمكم الله أنَّ الصِّدق ليس في الأقوالِ فحسب، بل في القول والعمل والنية، والصِّدقُ ليسَ مع الناسِ فحسب، بل الصدقُ مع اللهِ تعالى، ومع النفسِ ومعَ الناس، ويكونُ المسلمُ صادقًا معَ ربِّهِ تعالى إذا حقَّقَ الصدقَ في جوانبَ ثلاثة: الإيمانِ والاعتقادِ الحسَن، والطاعاتِ، والأخلاقِ، فيُحَقِّقَ هذهِ الجوانبَ على الوجهِ الذي يريدُهُ اللهُ تعالى. وليسَ كلُّ مَن عَمِلَ طاعةً يكونُ صادقًا، إلا إذا كانَ ظاهرُهُ وباطنُهُ على الوجهِ الذي يحبُّهُ اللهُ تعالى، والصادقُ معَ ربهِ تعالى يبلغُ بِصدقِ نِيَّتِهِ ما يَبلُغُ العاملُ إنْ تَعَذَّرَ عليهِ القيامُ بالعَمَل، فعن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ "؛ رواه مسلم.
وقال الفضيل -رحمه الله-: " لم يتزين الناس بشيء أفضل من الصدق وطلب الحلال ". وقال مطر الوراق -رحمه الله-: " خصلتان إذا كانا في عبد كان سائر عمله تبعا لهما؛ حسن الصلاة، وصدق الحديث ". وعن عبد العزيز بن أبي رواد -رحمه الله- قال: " أبرار الآخرة: الحياء والصدق، فمن طلب الآخرة بغيرهما فقد أخطأ الطريق والمطلب ". أيها المسلمون: الصدق سيف الله في أرضه ما وضع على شيء إلا قطعه، والصدق در لا يتركه حر؛ فالزموا الصدق في أحاديثكم وأعمالكم ونواياكم تسعدوا، واحذروا الكذب وحذروا منه تسلموا، واعلموا أنكم بالصدق تبلغون أسمى المقامات وتجنون أطيب الثمرات، وتنالون به محبة رب البريات والفوز بنعيم الجنات. ان الصدق يهدي البر. وصلوا وسلموا على البشير النذير؛ حيث أمركم بذلك العليم الخبير؛ فقال: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]. اللهم اجعلنا من عبادك الصادقين. اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين. اللهم ألف بين قلوب المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق والدين.
و(الحق) في الآية مقابل الكذب. والمعنى: أن وعد الله صادق. ووصفه بالمصدر مبالغة في حقيقته. والمراد به: الوعد بحلول يوم جزاء بعد انقضاء هذه الحياة، كما دل عليه تفريع {فلا تغرنكم الحياة الدنيا} الآية. والمراد بـ (الحياة) ما تشتمل عليه أحوال الحياة الدنيا من لهو وترف، وانتهائها بالموت والعدم؛ ما يسول للناس أن ليس بعد هذه الحياة الدنيا الحياة أخرى. وإسناد (التغرير) إلى (الحياة) ولو مع تقدير المضاف إسناد مجازي؛ لأن الغارَّ للمرء هو نفسه المنخدعة بأحوال الحياة الدنيا، فهو من إسناد الفعل إلى سببه والباعث عليه. و{الغَرور} بفتح الغين: هو الشديد التغرير. والمراد به الشيطان، قال تعالى: {فدلاهما بغرور} (الأعراف: 22). وهو يَغُرُّ الناس بتزيين القبائح لهم، تمويهاً بما يلوح عليها من محاسن، تلائم نفوس الناس. وقد روي عن سعيد بن جبير قوله: غرور الحياة الدنيا أن يشتغل الإنسان بنعيمها ولذاتها عن عمل الآخرة. مقالات اسلامية | فلا تغرنكم الحياة الدنيا. والمروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره أن {الغرور} الشيطان. وقُرئ بضم الغين، ويقال: التغرير، وهو: إيهام النفع والصلاح فيما هو ضر وفساد. وقد تضمنت الآية غرورين: غروراً يغتره المرء من تلقاء نفسه، ويزين لنفسه من المظاهر الفاتنة، التي تلوح له في هذه الدنيا ما يتوهمه خيراً، ولا ينظر في عواقبه، بحيث تخفى مضاره في بادئ الرأي، ولا يظن أنه من الشيطان.
مقالات اسلامية | فلا تغرنكم الحياة الدنيا
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) ثم قال: ( يا أيها الناس إن وعد الله حق) أي: المعاد كائن لا محالة ، ( فلا تغرنكم الحياة الدنيا) أي: العيشة الدنيئة بالنسبة إلى ما أعد الله لأوليائه وأتباع رسله من الخير العظيم فلا تتلهوا عن ذلك الباقي بهذه الزهرة الفانية ، ( ولا يغرنكم بالله الغرور) وهو الشيطان. قاله ابن عباس. يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور. أي: لا يفتننكم الشيطان ويصرفنكم عن اتباع رسل الله وتصديق كلماته فإنه غرار كذاب أفاك. وهذه الآية كالآية التي في آخر لقمان: ( فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) [ لقمان: 33]. قال مالك ، عن زيد بن أسلم: هو الشيطان. كما قال: يقول المؤمنون للمنافقين يوم القيامة حين يضرب ( بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور) [ الحديد: 13 ، 14].
فلا تغرنكم الحياة الدنيا
والغرور هو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى, ويميل إليه الطبع, عن شبة وخدعة من الشيطان
بيان ذم الغرور وحقيقته: اعلم أن قوله تعالى: { ( فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور)} [لقمان:33] وقوله تعالى: { ( ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني)} [الحديد:14] كاف في ذم الغرور. والغرور هو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى, ويميل إليه الطبع, عن شبة وخدعة من الشيطان, فمن اعتقد أنه على خير, إما في العاجل أو في الآجل عن شبهة فاسدة فهو مغرور وأكثر الناس مغرورون وإن اختلفت أصناف غرورهم, واختلفت درجاتهم, حتى كان غرور بعضهم أشد من بعض وأشدها غرور الكفار, وغرور العصاة والفساق غرور العصاة: غرور العصاة من المؤمنين بقولهم: إن الله كريم, وإنا نرجو عفوه, واتكالهم على ذلك, وإهمالهم الأعمال, وتحسين ذلك بتسمية تمنيهم واغترارهم رجاء, وظنهم أن الرجاء محمود في الدين, وأن نعمة الله واسعة. فإن قلت: فأين مظنة الرجاء, وموضعه المحمود ؟ فاعلم أنه محمود في موضعين: أحدهما: في حق العاصي المنهمك إذا خطرت له التوبة, فقال له الشيطان: وأني تقبل توبتك, فيقنط من رحمة الله تعالى, فيجب عند هذا أن يقمع القنوط بالرجاء, ويتذكر قوله تعالى: { ( إن الله يغفر الذنوب جميعاً)} [الزمر:53] وأن الله كريم يقبل التوبة عن عباده, وأن التوبة طاعة تكفر الذنوب, قال الله تعالى: { ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم)} [الزمر:53_54] أمرهم بالإنابة.
يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور
فلا تغرنكم الحياة الدنيا | تلاوة من جامع هيا بنت تركي آل تركي ، القارئ أحمد النفيس - YouTube
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة فاطر - الآية 5
الخطبة الثانية أيها المسلمون:
اتقوا الله واحذروا الدنيا ، فكم من مغرور دنت إليه فرفعته ، ثم استرسل فيها ، فلما اطمأن إليها التفتت إليه فوضعته ، السعيد من وعض بغيره ، أسأله سبحانه أن لا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا إلى النار مصيرنا وأن يرحمنا برحمته فهو أرحم الراحمين. ألا وصلوا على البشير النذير ، والسراج المنير ، فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير ، فقال جل من قائل عليما: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)
التعديل الأخير تم بواسطة الشيخ/عبدالله الواكد; 23-10-2010 الساعة 00:24
22-10-2010 15:20
#2
مراقب المضايف الاسلامية
بارك الله فيك شيخنا الفاضل
ونفع بك الامه
26-10-2010 08:20
#3][ خطــوة أقــداري][ المراقبة العامة
بارك الله فيك وجعله في ميزان حسناتك
كما عهدتموني لم يتغير بي الا التقدم بالعمر
(فلا تغرنكم الحياة الدنيا) تلاوة خاشعة للشيخ ياسر الدوسري حالات واتس قرآن | Sheikh Yasser Al-Dossary - Youtube
الرئيسية
الأكثر مشاهدة
حياتنا
المسكوت عنه
معا نربي أبنائنا
0 مشاهدات
الأقسام
قائمة المستشارين
إذًا هو وعْدٌ حقٌّ، ما على الناس إلا التفكُّر فيه وتبيانه وتحقيقه حتى يتحقَّقَ اليقينُ والطُّمَأنينة والثبات والصِّدْق. فهو خطاب للناس فيه دعوة لمن غرَّتْه الدنيا وشغلته، أو غرَّه الغرور، فجعله يتناسى جانب تبيان حقيقة المصير والمآل والخلق والعمل خيره وشره، والاعتقاد السليم في الإله الحق، فانبنى عملُه على كُفْران ذلك وتجاوزه، فلم يتنبَّه ويَعِ تلك البُشْرى. إن وعد الله حقٌّ، وعْدٌ قد ورد وتجلَّى في رسالة القرآن إلى الناس، ما عليهم إلَّا تحقيقها والتفكُّر فيها، وتدبُّرها ودراستها حتى يتأطَّر بها عملُ الإنسان في هذه الحياة الدنيا، فيكون العمل في الدنيا مرتبطًا ومتواصلًا مع ما بعد فترة الحياة الدنيا، ويصُبُّ في جوهر العقيدة السليمة التي فطر عليها الإنسان في النظر إلى الإله الحق والمصير والجزاء والخلق وفطرة العمل خيره وشره، صدقًا ويقينًا وتبيانًا وحجة تقطع كل شكٍّ وريب.