اطمئنّ أنت بخير لأنك مع الله والله معك، اطمئن كل شيء من حولك بخير وليس لك إلا الصبر ووقت الشدة سيزول ويأتيك وقت تكون فيه فرحًا جداً ومبتسمًا، وكلك أمل وشوق بأن قادمك أفضل من الذي فات عليك وبأنك أنت في حماية الله ورعايته وهو معك. لا تهتم لتوافه الأمور بل ارتقِ عن كل من آذاك واعبر بكل ثقة وأمان والله معك بكل أوقاتك. شهدت بأن وعد الله حق - عبد الله بن رواحة - الديوان. يا ربِّ أنت تعوّضني وأنت تأتي بكل رزقي وكل شيء مكتوب من نصيبي. معك الله بكل خير وشر، معك الله بكل نبضة بقلبك، معك الله بكل وقت وحين، معك الله واطمئن، معك الله فأنت صابر وخير من صبر، معك الله في البؤس والنعمة، معك الله في عنفوان الصبا، معك الله حين يشيب الرأس ويتعب الجسد، معك الله في سمعك في صبرك وفي بصيرتك، معك الله لا تقلق.
- فاصبر ان وعد الله حق واستغفر لذنبك
فاصبر ان وعد الله حق واستغفر لذنبك
وهذا من تمام الحزم والحذر، فإنها لو أبصرته، وجاءت إليهم قاصدة، لظنوا بها أنها هي التي ألقته، فربما عزموا على ذبحه، عقوبة لأهله. ومن لطف اللّه بموسى وأمه، أن منعه من قبول ثدي امرأة، فأخرجوه إلى السوق رحمة به، ولعل أحدا يطلبه، فجاءت أخته، وهو بتلك الحال { فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} وهذا جُلُّ غرضهم، فإنهم أحبوه حبا شديدا، وقد منعه اللّه من المراضع فخافوا أن يموت، فلما قالت لهم أخته تلك المقالة، المشتملة على الترغيب، في أهل هذا البيت، بتمام حفظه وكفالته والنصح له، بادروا إلى إجابتها، فأعلمتهم ودلتهم على أهل هذا البيت.
{ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} أي: لا يخلو، إما أن يكون بمنزلة الخدم، الذين يسعون في نفعنا وخدمتنا، أو نرقيه منزلة أعلى من ذلك، نجعله ولدا لنا، ونكرمه، ونجله. فقدَّر اللّه تعالى، أنه نفع امرأة فرعون، التي قالت تلك المقالة، فإنه لما صار قرة عين لها، وأحبته حبا شديدا، فلم يزل لها بمنزلة الولد الشفيق حتى كبر ونبأه اللّه وأرسله، فبادرت إلى الإسلام والإيمان به، رضي اللّه عنها وأرضاها. { وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} ما جرى به القلم، ومضى به القدر ، من وصوله إلى ما وصل إليه، وهذا من لطفه تعالى، فإنهم لو شعروا، لكان لهم وله، شأن آخر. وعد الله حق. ولما فقدت موسى أمه، حزنت حزنا شديدا، وأصبح فؤادها فارغا من القلق الذي أزعجها، على مقتضى الحالة البشرية، مع أن اللّه تعالى نهاها عن الحزن والخوف، ووعدها برده. { إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} أي: بما في قلبها { لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} فثبتناها، فصبرت، ولم تبد به. { لِتَكُونَ} بذلك الصبر والثبات { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فإن العبد إذا أصابته مصيبة فصبر وثبت، ازداد بذلك إيمانه، ودل ذلك، على أن استمرار الجزع مع العبد، دليل على ضعف إيمانه. { وَقَالَتِ} أم موسى { لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} أي: اذهبي { فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} أي: أبصرته على وجه، كأنها مارة لا قصد لها فيه.