فادي طفيلي
(إلى ف. أ. خ)
ليل
إنّه ليلٌ ما زال كما هو
منذ زمنٍ طويلٍ
وأعيننا في مكانها. انظرْ بِهما إليهِ
على صفحة كوبِ الشايِّ
يتشبّثُ بسيقان النعناع،
والسُكّرُ الكثيفُ يشدُّه
إلى
الأسفل. الرئيس اليمني العليمي يتلقى اتصالاً من بلينكن: مطلوب زيادة الدعم .. مباشر نت. انظرْ إليه...
ليلٌ واضحُ العينين
الغائرتين،
يذوبُ ولا يبقى له
أثرٌ في القعر
لكنّه سرعان ما يعاود الأنين من عروقِهِ
على امتداد الممرّاتِ التي نخوضها معًا،
فنسمعه ونعاينه معًا
بقلبينا،
في وضح النهار
أو في هوّة الظلامِ،
حيث تنبعُ أحلامنا. ■ ■ ■
محاولة
أحاولُ استعادتَك الآن
ربّما من دونِ نتيجة. أتذْكُرُ حبَنا الدفين للذئاب؟
حبنا اليوميَّ
والسرّيَّ ذاك،
الذي كان يلحّ في أوّل المقاهي
وفي الطريق الليليّ
إلى الجبال؟
وهذَياننا الأشبهَ بالعواءِ
ونحن نُردّدُ؛
"من بْلِس إلى جاندارك،
ومن جاندارك إلى بْلِس"! وأيدينا بقوَّةٍ تصفع الهواء
بلا سببٍ
أو هدف؟
ووقوفَنا عند تقاطعِ
شواء اللحم والأنفاس،
والسيّارةَ عابرةً في الظلام
بوهمِ النفقِ
بين الصنائعِ
ومدخلِ الأشرفيّة؟
ودخولَنا في غمامة
البيوت الهامدة،
حيث الجعيتاوي معتمٌ
ورطبٌ مثل كهفٍ عميق؟
والبائعَ في محلّ الغاتو
يُعدّل لنا قطعتيّ الـ"بابا أُو رُم"
بسكبتين طويلتينِ
من "الرُّم" الأرمنيّ؟
إنّه ليلٌ
ما زال كما هو،
منذ زمن طويل،
وأعيننا في مكانها،
ولا شأن لنا
بذلك أبدًا.
في عيني اليمنى من الورد بستان كلمات
يمن دايز | 1365 قراءة |2022/04/22 00:49 AM
محمد المسعودي
من يطلع على مجموعة «لمختلفين في نعناع النظرة» للشاعر الليبي محمد القذافي مسعود يلفت نظره ميل الشاعر إلى تكثيف النص الشعري، واتخاذ بلاغة التكثيف منطلقا لكتابة نصوصه. وتُسهم هذه البلاغة بقسط وافر في تشكيل الصور الشعرية، ووسمها بميسم خاص، كما أنها تؤدي دورا حيويا في بناء دلالات النصوص وإشاراته الرمزية. ومن ثم ستعمل هذه القراءة على تجلية مدى اشتغال بلاغة التكثيف في بناء النصوص، وإبراز جماليتها، ومدى قدرتها على بناء دلالات النص الشعري وأبعاده الرمزية. في مجموعة نصوص قصيرة يسميها الشاعر «قصائد» نلفي بلاغة التكثيف حاضرة بقوة وتؤدي دورا فعالا في بناء عوالم شعرية متخيلة من خلال صور فنية مختلفة. نجوى فؤاد في «سابع سما»: عملت 13 عملية في عيني وخسرت كل فلوسي - نبأ العرب. يقول محمد القذافي مسعود في أحد هذه النصوص:
«ذات آهـة
أبعد من نجـم
في أقصاي
اشتهيتُ طعم التـراب». يتشكل هذا النص من صورة واحدة تبني رؤيته وتصنع دلالته. يُشخص الشاعر عمق معاناته وشدة ألمه من خلال الآهة البعيدة الغور، التي تهز دواخله إلى درجة اشتهاء طعم التراب، والرغبة في الفناء. ويحضر النفس الصوفي في هذا النص المكثف عبر التعبير عن هذه الرغبة الملتبسة في النفس الإنسانية بين التوق إلى السمو والعلو (استدعاء النجم البعيد) والرغبة في الركون إلى الثبات واليقين: يقين الفناء في المحبوب والارتباط به (اشتهاء طعم التراب).