يمكننا القول إن إدغار آلان بو تألم على نحوين: من ناحية حياته الشخصية، ومن جهة موهبته التي أرقته وأرهقته كثيرًا؛ لكنها وضعته في مصاف أبرز الكتاب الكبار ليس في الولايات المتحدة وحدها بل في العالم. اقرأ أيضًا: آلفين توفلر.. لا نهاية للتاريخ فخ الكتابة الذاتية يترائى لي أنه يصدق على إدغار آلان بو قول ميلان كونديرا في روايته «المزحة»: «لقد كنت موضوع قصتي أكثر من كوني مؤلفًا لها»؛ فنحن لن نعدم أواصر شبه بين حياة «بو» الشخصية وكتاباته، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، وبدون الدخول في تلك المسألة حول ذاتية الكاتب أو واقعيته، لا أرى أن في الكتابة الذاتية عيبًا، فالطبيعي أن المرء يرى العالم بعينيه هو، ويحاول أن يقدمه على عبر قصصه وقصائده، وبالتالي لا مشكلة هنا، طالما أن هذه التجربة الذاتية لم تعد سجنًا للكاتب، ولم تجعله أسير تصوراته الخاصة. إدغار آلان بي سي. سيرة حياته وبعد هذا التأويل الذي قدمناه لأعمال إدغار آلان بو يجمل أن نعرّج ولو على نحو خاطف على سيرة حياته الشخصية، فالكاتب وحياته وجهان لعملة واحدة. وُلد إدغار بو؛ في 19 يناير 1809 م في بوسطن، وكان الطفل الثاني لاثنين من الممثلين. هجر والده الأسرة في عام 1810، وتوفيت والدته في العام التالي.
- إدغار آلان ا
- إدغار آلان بو
- إدغار آلان بوابة
إدغار آلان ا
في أواخر ثلاثينيات القرن التاسع عشر، نشر بو Tales of the Grotesque and Arabesque ومجموعة من القصص الأخرى. وقد احتوت على العديد من حكاياته، التي تضمنت The Fall of the House of Usher، Ligeia، وWilliam Wilson، أطلق بو نوع جديد من الروايات البوليسية بنشره عام 1841 The Murders in the Rue Morgue. إدغار آلان ا. ولأنه كان كاتبًا ناجحًا فاز بجائزة أدبية في عام 1843م عن رواية تسمى The Gold Bug، وهي حكاية مثيرة من الرموز السرية للعثور على الكنز. في عام 1844 انتقل بو إلى مدينة نيويورك حيث نشر قصة إخبارية في جريدة The New York Sun حول رحلة منطاد عبر المحيط الأطلسي والذي كشف في وقت لاحق أنه مجرد خدعة والقصة ليست حقيقية. ولكن تلك الخدعة جلبت له الكثير من الانتباه، ثم نشر عام 1845م قصيدته The Raven الذي أضاف له مهارة الحس الأدبي. تُعتَبر تلك القصيدة عملًا أدبيًا أمريكيًا رائعًا وأحد أفضل أعمال بو الأدبية. استمر بو في الكتابة بأنماط مختلفة، واكتشف بو من خلال ذلك أسلوبه الخاص في الكتابة والأدب بشكل عام خاصة بعد كتابة العديد من المقالات، بما في ذلك The Philosophy of Composition، The Poetic Principle، وThe Rationale of Verse.
إدغار آلان بو
صدقني ستتراجع عن رأيك عندما أصف لك حكمتي في اتخاذ الاحتياطات لإخفاء الجثة. بدأ الليل ينكشف، كنت أعمل بسرعة لكن في صمت. أولًا وقبل كل شيء بدأت بتقطيع الجثة، قطعت الرأس والذراعين والساقين. اصبر.. ستكتشف الآن أين حكمتي. بعدها أخذت ثلاثة ألواح من الخشب الذي يغطي أرضية الغرفة ووزعت أعضاؤه بين قطع الخشب، بعدها أعدت الألواح إلى مكانها بكل مهارة وذكاء، بحيث لا يُمكن لأي عين بشرية -ولا حتى عينه هو- أن تشك بأي شيء. ولم يكن هناك أي شيء بحاجة إلى التنظيف، لا بقع دم أو غيره، فقد جمع حوض الاستحمام كل شيء. ذكيٌ فطن! كانت الساعة الرابعة تمامًا عندما انتهيت من هذا العمل المُجهد، ولكن الليل كان حالكًا كأنه في منتصفه. دق جرس المنزل، أحدهم يطرق الباب. إدغار آلان بوابة. ذهبت لأفتح بقلب مرتاح، فليس هناك شيئًا أخشاه، أليس كذلك؟! فتحت الباب فإذا بثلاثة رجال عرّفوا بأنفسهم بكل لباقة بأنهم ضباط شرطة. أخبروني أن أخبارًا وصلتهم بأن أحد الجيران سمع صرخة مُفزعة خلال الليل، واشتبهوا بأن يكون هناك جريمة مدبرة، فأرسل مركز الشرطة هؤلاء الضباط للتحري عن الأمر وتفقد المنطقة. ابتسمت.. فليس هناك شيئًا أخشاه، أليس كذلك؟ رحبت بالسادة الضباط، وقلت: الصرخة؟ ليست إلّا صرختي أنا من كابوس مفزع.
إدغار آلان بوابة
وحرص إدجار آلان بو على التركيز يحمله على أن يوفر للقصة المكان المحدد، وقد ينتقل بنا هنا وهناك في قصة مثل "ويليام ويلسون "ولكنه في أكثر الأحيان يوحد مسرح الأحداث فيحصره في دار، بل في إحدى الحجرات حتى إنه لقد تقع الأحداث في جانب محدود منها أو في حيز صغير كما في قصة "الجب والبندول "حيث يظل السجين فيه خلال معظم القصة. ثم هو ـ أي إدجار آلان بو ـ يقيد نفسه بأقل عدد من الشخوص فليس في "دن النبيذ "إلا المنتقم وخصمه، وفي "القلب النضاح "إلا القاتل وضحيته وفي "الموعد "إلا العاشق الذي عرض له في الحياة ما دعاه إلى الاستسلام للقنوط فآثر الموت، وهكذا الأمر في معظم روائعه لا يضمن إدجار آلان بو قصصه غالبا إلا أزمة واحدة، أو فترة عصيبة هي المرحلة الأخيرة من حياة الشخوص، وأما ما يسبقها فإنه يجمله في كلمات متناثرة. وما يسلكه إدجار آلان بو في تحديد المكان وعدد الشخوص يسلكه في تناول الأحداث، فهو يحددها منصرفا عن الثانوي إلى المهم، ويدير تنظيم ما يتخير منها، وكما يملك بو ناصية الافتتاح يملك ناصية الختام، فهو ينهي القصة بذروة مثيرة فعالة محددة أوضح تحديد، يبلغها بعد أن يعد لها أتم الإعداد، ومن الأمثلة على ذلك قصص (الموعد ـ لا يجيا ـ ويليام ويلسون ـ برنيس) ففي آخر كلمات منها تأتي الذروة وفي هذه الحالة نجد أنها هي والحل شيء واحد.
وكان في هذا الوقت قد بدأ حياته المهنية في النشر، ولو بتواضع، مع مجموعة مجهولة من القصائد، تيمورلنك وقصائد أخرى (1827)، والفضل فقط إلى "بوسطن". مع وفاة فرانسيس ألان في عام 1829، وصلت بو وألان إلى تقارب مؤقت. الفشل في وقت لاحق كطالب ضابط في وست بوينت ويعلن رغبة جامحة في أن يكون شاعراً وكاتباً.