روى ابن ماجه عن أبي هريرة أن النبيَّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال: " ادفَعوا الحدود ما وجدْتم لها مدفعًا " وروى الترمذي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ادرَؤُوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مَخرج فخلُّوا سبيلَه، فإن الإمام إن يُخطئ في العفو خير من أن يُخطئ في العقوبة "، ذكر الترمذي أنه رُوِيَ موقوفًا وأن الوقف أصحّ، قال: وقد روى عن غير واحد من الصحابة رَضِيَ الله عنهم أنهم قالوا مثل ذلك. يقول الشوكاني في كتابه " نيل الأوطار": حديث ابن ماجه ضعيف، وحديث الترمذي عن عائشة في إسناده راو ضعيف، قال البخاري عنه: إنّه منكَر الحديث، وقال النِّسائي متروك. والحديث المرفوع عن عليٍّ: " ادرؤوا الحدود بالشُّبُهات " فيه راوٍ منكر الحديث كما قال البخاري. وأصحّ ما فيه حديث سفيان الثوري عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال " ادرءوا الحدود بالشبهات ، ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم " ، ورواه ابن حزم عن عمر موقوفا عليه ، قال الحافظ: وإسناده صحيح. وانتهى الشوكاني إلى القول بأنّ حديث الباب وإن كان فيه مقال فقد شَدَّ من عضُده ما ذكرناه فيصلح بعد ذلك للاحتجاج على مشروعيّة دَرْء الحدود بالشّبُهات المحتملة لا مطلق الشّبْهة ، وقد أخرج البيهقي وعبد الرزاق عن عمر أنه عزَّر رجلاً زنى في الشام وادّعى الجهل بتحريم الزنى ، وكذا روى عنه وعن عثمان أنهما عزَّرا جارية زَنَتْ وهي أعجميّة وادّعت أنها لم تعلم التحريم.
- حديث ادرؤوا الحدود بالشبهات - فقه
- الدرر السنية
حديث ادرؤوا الحدود بالشبهات - فقه
الحدودود تدرا بالشبهات قاعدة قانونية وهي قاعدة مبنية على أحاديث متعددة كلها تدور حول المعنى منها ما أخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (ادفعوا الحدود ما استطعتم) وما أخرجه الترمذي والحاكم من حديث عائشة رضي الله عنها (ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة). ومنها ما أخرجه الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً (ادرؤوا الحدود عن عباد الله ما استطعتم). وفي فتح القدير (أجمع فقهاء الأمصار على أن الحدود تدرأ بالشبهات) والحديث المروي في ذلك متفق عليه[1] وتلقته الأمة بالقبول. والشبهة ما يشبه الثابت وليس بثابت. وقسم الأحناف الشبهة إلى شبهة في الفعل وشبهة في المحل. وشبهة الفعل تتحقق في حق من اشتبه عليه الحل والحرمة فظن غير الدليل دليلاً؛ فلا بد من الظن وإلا فلا شبهة أصلاً. أما شبهة المحل حيث تقع الشبهة ليس في الفعل وإنما في مكان نفوذه، كمن سرق مال أصله وإن علا وفرعه وإن سفل. أو الزوج يسرق مال زوجه رجلاً كان أو امرأة. وأضاف أبو حنيفة شبهة ثالثة هي شبهة العقد. وإذا كانت الشبهة، سواء كانت في الفعل أو في المحل، تُسقط الحد أو القصاص فإنها لا تسقط التعزير والعقوبة مطلقاً فيبقى حق التعزير قائماً بيد الإمام.
الدرر السنية
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذه العبارة رواها الحارثي في مسند أبي حنيفة عن ابن عباس مرفوعاً. وأخرجها ابن السمعاني عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وقال الحافظ ابن حجر: وفي سنده من لا يعرف. وقال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث مسند الفردوس: اشتهر على الألسنة، والمعروف في كتب الحديث أنه من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه بغير لفظه. اهـ. من كشف الخفاء. وأخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإنَّ الإمام إن يُخطئْ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة». وفي رواية أخرى للترمذي: «ادرؤوا الحدود ما استطعتم». وأجمع الفقهاء على أن الحدود تدرأ بالشبهات، والشبهة ما يشبه الثابت وليس بثابت، كمن وطئ امرأة ظنها زوجته، وكمن سرق لدفع هلاك محقَّق عن نفسه، كما حصل في زمن سيدنا عمر رضي الله عنه حيث لم يقطع يد السارق في عام المجاعة، لأنه ما سرق إلا لشدة الجوع. وهكذا. هذا، والله تعالى أعلم.
السؤال:
في مسند أبي حنيفة للحارثي حديث رواه عبدالله بن عباس عن الرسول ﷺ: ادرؤوا الحدود بالشبهات أرجو أن تتفضلوا بشرح هذا الحديث؟ جزاكم الله خيرًا. الجواب:
الحمد لله، لقد جاء في هذا الباب عدة أحاديث في أسانيدها مقال، لكن يشد بعضها بعضًا، منها الحديث الذي ذكر السائل: ادرؤوا الحدود بالشبهات وفي الآخر: ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم [1]. والمعنى: أن الواجب على ولاة الأمور من العلماء والأمراء أن يدرؤا الحدود بالشبهة التي توجب الشك في ثبوت الحد، فإذا لم يثبت عند الحاكم الحد ثبوتًا واضحًا لا شبهة فيه فإنه لا يقيمه، ويكتفي بما يردع عن الجريمة من أنواع التعزير، ولا يقام الحد الواجب كالرجم في حق الزاني المحصن، وكالجلد مائة جلدة في حق الزاني البكر، وبقطع اليد في حق السارق، لا يقام إلا بعد ثبوت ذلك ثبوتًا لا شبهة فيه ولا شك فيه، بشاهدين عدلين لا شبهة فيهما، فيما يتعلق بالسرقة، وبأربعة شهود عدول فيما يتعلق بحد الزنا، وهكذا بقية الحدود. فالواجب على ولاة الأمر أن يعتنوا بذلك، وأن يدرؤوا الحد بالشبهة التي توجب الريبة والشك في الثبوت [2]. أخرجه الترمذي في كتاب الحدود، باب ما جاء في درء الحدود، برقم 1344، والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الحدود، باب ما جاء في درء الحدود بالشبهات 8/238.