حديث آخر: عن أبي مسعود عقبة بن عمرو ، قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا أبو مالك ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة ، أن رجلا أتى به الله عز وجل ، فقال: ماذا عملت في الدنيا ؟ فقال له الرجل: ما عملت مثقال ذرة من خير أرجوك بها ، فقالها له ثلاثا ، وقال في الثالثة: أي رب كنت أعطيتني فضلا من المال في الدنيا ، فكنت أبايع الناس ، فكنت أتيسر على الموسر ، وأنظر المعسر. فقال تبارك وتعالى: نحن أولى بذلك منك ، تجاوزوا عن عبدي. من انظر معسرا كان له بكل يوم صدقة. فغفر له. قال أبو مسعود: هكذا سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم ، وهكذا رواه مسلم من حديث أبي مالك سعد بن طارق به. حديث آخر: عن عمران بن حصين ، قال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر ، أخبرنا أبو بكر ، عن الأعمش ، عن أبي داود ، عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كان له على رجل حق فأخره كان له بكل يوم صدقة ". غريب من هذا الوجه وقد تقدم عن بريدة نحوه. حديث آخر: عن أبي اليسر كعب بن عمرو ، قال الإمام أحمد: حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا زائدة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ربعي ، قال: حدثني أبو اليسر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله ، عز وجل ، في ظله يوم لا ظل إلا ظله ".
- من أنظر معسرا
- ومن يتولهم منكم فانه منهم
من أنظر معسرا
فبين ما في الاستدانة من خطر على الأخلاق نفسها. وكان لا يصلي على الميت إذا عرف أنه مات وعليه ديون لم يترك وفاءها، تخويفا للناس من هذه العاقبة، حتى أفاء الله عليه من الغنائم والأنفال، فكان يقوم هو بسدادها. من أنظر معسرا أو وضع له. وقال: "يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين". وفي ضوء هذه التوجيهات لا يلجأ المسلم إلى الدين إلا للحاجة الشديدة، وهو حين يلجأ إليه لا تفارقه نية الوفاء أبدا. وفي الحديث: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله". فإذا اقترض المسلم من أخيه مالا وعجز عن الوفاء فإن الإسلام يعلمنا كيف نكون رحماء بيننا بإمهال المعسر وإعطائه الفرصة للسداد ،وحرم أخذ الفائدة الربوية أبدا على المسلم ،أو أن يخفف عنه الدين ليستطيع السداد ، أو أن يعفو عنه فيجعله صدقة بل عند بعض الفقهاء له أن يحسبه من الزكاة المفروضة طالما أن المعسر من مستحقيها. في مجتمع الاستغلال: الربا ، وفي مجتمع الإحسان: القرض الحسن ، من يريد الدنيا يرابي ، و من يريد الآخرة يقرض القرض الحسن.
كذلك قصة أبي صفوان سويد لما جلب البز واشترى منه النبي ﷺ قال لوزانه: زن وأرجح حثه على الإرجاح، وأن يكون سخيا لا متعنتا يزن ويرجح فيما يبيع من الموزونات، فحث الوزانين والكيالين على الوفاء لقوله جل وعلا: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين:1-3]، فيوصى الكيال والوزان بالإرجاح والتحفظ وعدم البخس وفق الله الجميع. الأسئلة:
س:ربما مقدار بسيط أرجح؟
الشيخ: على كل حال هو مستحب الوزن الاعتدال، إذا وزن اعتدل لكن إذا رجح يكون أفضل. س: حديث أبي صفوان صحيح؟
الشيخ: ما أعرف حال سنده لكن حسنه الترمذي والمعنى واحد، والحديث الصحيح يكفي عنه حديث جابر وغيره ونص القرآن أيضًا. س: في الهامش: رواه أبو داود والترمذي وأخرجه النسائي وابن ماجه وفي المسند للإمام أحمد وسنده حسن. الشيخ: المحشي؟
س: نعم في الحاشية. من أنظر معسرا. الشيخ: على كل حال الأدلة دالة على معناه، حديث جابر دال على معناه والآية الكريمة وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين:1]. س: حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله يفسر بهذا الحديث أنه ظل العرش؟
الشيخ: يفسر بهذا وهذا، فالعرش له ظل، والله له ظل لا يعلم كيفيته إلا هو ، جاء هذا وهذا، جاء ظل العرش وجاء ظله جل وعلا.
وعند كلٍّ من هذه الموانع يقف الكاتب ليبين القول فيها. فحيال العرف الذي كان أقوى تلك الموانع يقرر الإسلام أنه لا حق للآباء أن يحعلوا الإنسان ضحية مستلمة للجهالة التي درجوا عليها. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [سورة التوبة/ 23]. أما عن الانقياد الأعمى لأصحاب السلطة الدينية، فقد حذّر الإسلام من فساد الكهان والأحبار، وأبطل سلطان علماء الدين على الضمائر؛ ونفى عنهم القدرة على التحريم والتحليل والإدانة والغفران، ثم نبه إلى سيئاتهم وعاقبة الذين استسلموا لخديعتهم. ومن يتولهم منكم فانه منهم. قال تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [سورة التوبة/ 31]. وحق العقل في مقاومة الحكم المستبدّ كحقه في مقاومة سلطان العرف وسلطان الأحبار، ويزيد عليه أن المسلم يُلام على الخضوع في مكانه إذا كان في وسعه أن يرحل منه إلى مكان بعيد من سلطانه.
ومن يتولهم منكم فانه منهم
لقد كان شأن الإسلام إكرام الأقليات، وحفظ حقوقها وإشراكها في الشأن العام فيما يخصّها ويخصّ مصائر الوطن الإسلامي، ففي أوّل قراءة لهذا الشأن ما ورد في الدستور السياسي الذي وضعه النبيّ صلى الله عليه وسلم، إذ أعطى حقَّ المواطنة لليهود، فقال "وأنّ يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم". (الوثائق السياسية في العهد النبوي، الدكتور محمد حميد الله ص 59-60). ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون. والأحاديث في حرمة التعرّض لهم أو الانتقاص من حقهم واقع في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث يقول "ألا مَن ظلم مُعاهِدا وانتقصه وكلّفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طِيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة". (سنن أبي داود، رقم 3052). إن غير المسلمين في المجتمعات الإسلامية الحاضرة وإن كانوا في الحقيقة من الأقليات، إلا أنهم يمكن أن يعدّوا مواطنين مثلهم مثل المسلمين، لهم ما لهم، وعليهم ما عليهم، ولكن لا يعني ذلك بحال أن لغير المسلمين أي حق في أن يعطلوا إرادة الأغلبية المسلمة، أو أن يعترضوا على مبدأ إقامة دولة مدنية حديثة مرجعيتها الإسلام، وإنفاذ التشريعات الإسلامية، وإنّما عليهم أن يقبلوا بخيار الأغلبية، وليس في ذلك قهر أو إرغام لهم على قبول الإسلام كدين، ولا التنازل عن معتقداتهم السابقة، وفي الوقت نفسه فليس على المسلمين أن يتخلوا عن معتقداتهم وقوانينهم في سبيل إرضاء الأقليات غير المسلمة.
العدد 200 - السنة الثامنة عشرة رمضان 1324هـ – تشرين الثاني 2003 م
2003/11/10م
المقالات
1, 007 زيارة)وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ(
إن من يستقبل المحتلين في العراق أو فلسطين أو أفغانستان أو غيرها، ويتعاون معهم، ويقبل ولايتهم عليه، هو أكثر من عميل، وأكثر من خائن، إنه منهم، قال تعالى:] وَمن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ منْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [ [المائدة/51]. وكلمة منهم تعني أنه لم يعد من أمة محمد r، ولكنهم قومٌ لا يشعرون بعظم الجريمة التي يرتكبونها، بل يتهافتون على الخيانة والمروق، كما يتهافت الفراش على النار. إن من يصدق أميركا بأنها منقذ هو من أغبى الأغبياء، فأميركا ليست (فاعل خير)، تتجول في العالم، تسأل عن الناس لإقالة عَثَراتهم، بل هي متعهد حروب، ومقاول فتن وحرائق في العالم كله، وهي لا تفكر سوى في مصالحها، وما تقوم به في العراق فكّرت وخططت له منذ عام 1958م، وها هي وثائق الكرملين التي أُفرج عنها مؤخراً، تؤكد أطماعها تلك، ويومها لم يكن صدام في السلطة، ولا حزبه كان، ولم تكن هناك أكذوبة أسلحة الدمار الشامل، ولا أكذوبة الديمقراطية رائجة يومها.