قلنا: لا ينتقض، لأن الذي يحرم بالحج لا يمكن أن يطوف بالبيت حتى يأتي إلى البيت من الحل أي عرفة، لأنه سيقف بعرفة، ولا يمكن أن يطوف للإفاضة إلا بعد الوقوف بعرفة، وبهذا تبين أن القول بأن أهل مكة يحرمون بالعمرة من مكة قول ضعيف، لا من حيث الدليل ـ فقط ـ بل من حيث اللغة، والمعنى ـ أيضا. انتهى بتصرف بسيط. وبه تعلم: أن خروج الحاج إلى الحل ووقوفه بعرفة هو المعنى الذي لأجله رخص له في الإحرام من مكة، لكونه يجمع في نسكه بين الحل والحرم. وأما خروجه إلى منى: فليس له تأثير في الحكم، لأن منى من الحرم. وأما المدينة: فهي حرم ـ بلا شك ـ فعن علي ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المدينة حرم ما بين عير إلى ثور. وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرف على المدينة فقال: اللهم إني أحرم ما بين جبليها، كما حرم إبراهيم مكة. ميقات أهل مكة للعمرة :. متفق عليهما. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. ومن أراد الإحرام بالحج أو العمرة وهو بالمدينة، فإنه يحرم من ذي الحليفة ـ فهي ميقات أهل المدينة ـ وقتها النبي صلى الله عليه وسلم لهم، ومنها أحرم في عمرة الحديبية وعمرة القضية، ومنها أحرم لحجته صلى الله عليه وسلم، فالإحرام منها أفضل، وإن أحرم المدني من المدينة أجزأه ذلك في قول الجمهور، ونقل ابن المنذر الإجماع على أن من أحرم قبل الميقات أنه محرم وتثبت له أحكام الإحرام.
- أرشيف الفتوى | عنوان الفتوى : أين يحرم أهل مكة للعمرة؟|نداء الإيمان
أرشيف الفتوى | عنوان الفتوى : أين يحرم أهل مكة للعمرة؟|نداء الإيمان
وهذا الرأي الذي اجتمع عليه العلماء جاء استنادًا إلى أحد الأحاديث النبوية الشريفة، والتي تحدثت عن الإحرام، وبينت بعض من أحكامه. ومن بينها الحديث النبوي الشريف الذي تناول الإحرام من مكة، والذي يفيد بأنه يمكن الإحرام من المنزل ومن مكة. أرشيف الفتوى | عنوان الفتوى : أين يحرم أهل مكة للعمرة؟|نداء الإيمان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ومَن كان دونَ ذلك فمِنْ حيثُ أنشَأَ، حتى أهْلُ مَكَّةَ مِن مَكَّةَ)). وفي رواية أخرى: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( وقّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل نجد قرن المنازل ، ولأهل اليمن يلملم ، قال: فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة ، ومن كان دونهن فمهله من أهله ، وكذلك أهل مكة من مكة رواه البخاري ومسلم. وبالتالي يمكن الاستدلال على أن الحج ميقاته لأهل مكة هو مكة، ولذلك فإن الإحرام يكون من المنزل، أو من المسجد الحرام. وفي حالة إن كان هناك فرد منزله خارج مكة، فإنه يقوم بالإحرام من مكة، وهذا الأمر الذي كان يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة. ميقات الإحرام للعمرة لأهل مكة
أما بالنسبة للإحرام من أجل العمرة، فإنه قد يكون مختلف، حيث إن العلماء قاموا بالبحث والاستدلال من خلال الأحاديث النبوية الشريفة، وذلك من أجل وضع الميقات الخاص بالإحرام، والذي يختلف لأهل مكة على حسب إن كان للحج أو العمرة ويكون إحرام العمرة على هذا النحو الآتي:
أجمع علماء الإسلام على أن أهل مكة في موسم الحج يقومون بالإحرام من الحل.
فإن قال قائل: ماذا تقولون في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: يهل أهل المدينة من ذي الحليفة؟ ثم ذكر المواقيت، وقال: من كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة، مع أنه قال في الحديث: ممن أراد الحج أو العمرة. فظاهر العموم: أن العمرة لأهل مكة تكون من مكة. قلنا: هذا الظاهر يعارضه حديث عائشة ـ رضي الله عنها: أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم: أمر أخاها أن يخرج بها لتحرم من التنعيم. فإن قال قائل: عائشة ليست من أهل مكة، فأمرت أن تخرج إلى الحل لتحرم منه. قلنا: ليس المانع من إحرام الآفاقي بالعمرة من مكة هو أنه ليس من أهل مكة، بدليل أن الآفاقي يحرم بالحج من مكة، فلو كانت مكة ميقاتاً للإحرام بالعمرة، لكانت ميقاتاً لأهل مكة وللآفاقيين الذين هم ليسوا من أهلها وهذا واضح. وـ أيضاً ـ العمرة هي الزيارة، والزائر لا بد أن يفد إلى المزور، لأن من كان معك في البيت إذا وافقك في البيت لا يقال: إنه زارك، وهذا ترجيح لغوي. ونقول ـ أيضاً: كل نسك فلا بد وأن يجمع فيه بين الحل والحرم، بدليل أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم: أمر عائشة أن تحرم من الحل، لتجمع في نسكها بين الحل والحرم. فإن قال قائل: هذا ينتقض عليكم بالإحرام بالحج من مكة.