{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا} فهو الذي يخلق الحياة، ويمنحها قوّة الامتداد، وتنوّع الشكل، ومواقع الحركة... ثم يدخلها بطريقة متنوعة في عالم الفناء، من أجل التحضير لموسم حياة جديد. وكما هو النبات تختلف فيه الحياة في النمو من فصل إلى فصل، كذلك الإنسان في حركة الحياة من بعد الموت الذي يعقب الحياة. وتلك هي قصة الدنيا في الإنسان، من خلال ما يطل عليه منها من مظاهر الحركة والنموّ والبهجة والنضارة والزهو والشباب، وما يثيره في داخله من مشاعر الفرح والأمل والقوّة، وما يغذيه في داخله من الغرائز والشهوات والميول... الباحث القرآني. إنها تتوهّج وتزهو وتجعله يعيش ما يشبه الأحلام الوردية، ثم تبدأ بالضعف والتراجع والانحسار، وتتحول المشاعر الحلوة إلى مشاعر مُرّة يواجه فيها الإنسان الحزن واليأس والهزيمة، وتنتهي إلى أن تتفتت في يديه، وتتكسّر في حياته قطعةً قطعةً، ثم يتهاوى معها إلى حيث يتحوّل إلى هشيم تتقاذفه رياح الفناء، ويعود إلى التراب، لتذروه الرياح العاصفة من جديد في الفراغ. زينة الحياة الدنيا
{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} من خلال ما يدخل على الإنسان منها من بهجة وأنس، وما يستمتعه من شهوة وعاطفة وحركة وجمال.. وما يحقق منها من منفعة وقوّة وامتداد في شؤون الحياة... فالمال يمثِّل ـ في حياته ـ العنصر القويّ الذي يفتح له أكثر الساحات، ويجمع حوله الكثير من الأعوان، ويحقق له أحلى المشتهيات، ويرفعه إلى الدرجة العليا في الموقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ويمنحه حرية الحركة في ما يريده لنفسه من طيبات الحياة الدنيا ومن أحلام المستقبل المتجددة أبداً.
الباحث القرآني
والشاهد فيه كالشاهد في البيت الذي قبله ، يريد بقوله " نوحا ". نائحات ، وهذا في المصدر كثير. وضباع مرخم ضباعة: اسم امرأة. (4) البيت للعجاج من أرجوزة له مطولة ( أراجيز العرب للسيد محمد توفيق البكري طبعة القاهرة سنة 1346 ص 184) وقبله: * يحـــوذهن ولــه حــوذي * * خـوف الخـلاص وهـو أجنبي * * كمــا يحــوذ الفئـة الكـمي * وقال في شرحه: ويحوذ: يسوق ويطرد. وله حوذي: أي له ما يطردهن به. والكمي: الشجاع. وأجنبي: أي مجانب لهن ، متخوف ، ولا يمكنهن من نفسه. و ( في اللسان: حوذ) حاذ الإبل يحوذها: إذا حازها وجمعها ليسوقها. واضرب لهم مثل الحياة الدنيا. وحاذه يحوذه حوذا: غلبه ، وحاذ الحمار أتنه: إذا استولى عليها وجمعها ، وكذلك حازها ، والفئة: الفرقة والجماعة من الناس في الأصل ، والطائفة التي تقيم وراء الجيش ، فإن كل عليهم خوف أو هزيمة التجئوا إليهم. (5) لعل كلمة " بطول " هذه مقحمة من قلم الناسخ ، وأن الأصل ، لا الباطل ألوهيته... ألخ. (6) سقط من قلم الناسخ القراءة الثانية ، وهي: عقبا ، بضم العين والقاف. (7) البيت لامرئ القيس بن حجر ( مختار الشعر الجاهلي طبعة مصطفى البابي الحلبي بشرح مصطفى السقا ص 125) قال في شرحه: فيدرك: يصرعك ويلقك ؛ يقال: أذريت الشيء عن الشيء: إذا والقطاة: مقعد الرديف.
التشبيه
يقول الشيخ محمد المدني مقدمًا لهذه الآية: وأحسب أن من تمام المثل وبغية الناس في شأنه قوله تعالى: «المال والبنون زينة الحياة الدنيا... { إلى آخر الآية، ثم قال: وهذه الآية تحتوي علي حقيقتين يقررهما الله تعالى، ويلزمهما أمر يؤخذ من فهمهما ومعرفة المراد بهما.
إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة الكهف - قوله تعالى واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء- الجزء رقم16
والمراد من الآية الكريمة- تنبيه الناس للعمل الصالح. لئلا يشتغلوا بزينة الحياة الدنيا من المال والبنين عما ينفعهم في الآخرة عند الله من الأعمال الباقيات الصالحات. وهذا المعنى الذي ار له هنا جاء مبينًا في آيات أخر.
وعلل الشيخ ضرب المثل بالزرع، فبين أن كل واحد من الناس يشهد دورة الزرع تحدث أمامه في فترة قصيرة يشهد أولها وآخرها.. ومن هنا فإن المثل أمامه حي، يعرفه ويراه.. مرة أو عدة مرات كل عام، ثم تحدّث عن عوامل استمرارية الحياة على الأرض، وارتباط هذا بالماء الذي جاء من السماء واكتساب الأرض زينتها من مد السماء لها بقدرة الله، فيكبر الزرع وتأخذ الأرض زخرفها فينتج منه الثمار والورود ويصبح شكله بهيجًا يسر الناظرين، و بعد ذلك تأتي نهاية الحياة.. إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة الكهف - قوله تعالى واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء- الجزء رقم16. فيصبح هذا الزرع هشيمًا تذروه الرياح، أي أن جذور الحياة تنتهي.. وتصبح كأن لم تكن. ثم يخلص من هذا إلى أن الله صور الحياة الدنيا في حدث صغير يتسع له عمر كل فرد فينا، ورآه بصر كل فرد، فالحياة من بدايتها إلى نهايتها وهي غيب على الناس، قرَّبه الله في هذا المثل الصغير ممثلا في زرع كيف نبت ثم صار هشيمًا. فكذلك الحياة كدورة الزرع مصيرها إلى فناء وزوال. وإذا كانت الدنيا من بدايتها إلى نهايتها تمثل زرعًا بدأ بداية بسيطة حبات في باطن الأرض ونزل عليه الماء، فخرجت نبتًا صغيرًا، ثم نما واشتد، ثم آل إلى الحصاد، مناظر متعاقبة متجددة لا تظل علي حالة واحدة. وعندما تصل إلى نهايتها تتذكر بدايتها، وكأنها شريط قصير مر أمام الأعين، أهذا هو النبت الذي كان حبة مودعة في بطن الأرض ثم آل إلى الفناء والزوال؟ أهذه هي الحياة التي خدع بها الناس؟ لقد كان التصوير دقيقًا ومتجاوبًا مع الحس، ومنبهًا إلى عدم الاغترار بالدنيا.
وتكمن أهمية هذا المثل القرآني، في أنه يصور لنا الحياة الدنيا تصويرًا حسيًا واقعيًا، يراه الناس في كل مكان من هذه الأرض؛ وذلك أنه سبحانه ينـزل الماء من السماء على الأرض اليابسة الجرداء، فينبت به الزرع، الذي يأكل الناس منه والأنعام، وتصبح الأرض به خضراء ناضرة، بعد أن كانت جرداء قاحلة، فيفرح أهلها بخيرها وثمارها أشد الفرح، ويسرون بمنظرها وجمالها غاية السرور، ويؤمِّلون خيرًا في إنتاجها ومحصولها. وبينما هم على تلك الحال من السرور والفرح والأمل، إذا بريح شديدة عاتية، تهب على ذلك الزرع فتهلكه، وتجعله رمادًا كأن لم يكن شيئًا مذكورًا، وتُذهب بخضرته ونضرته، وتفني إنتاجه ومحصوله. التشبيه. وهكذا مثل الحياة الدنيا، تبدو لأهلها وطلابها حلوة تسر الناظرين، وتغر المغفَّلين، وتفتن المغرورين. ولكن سرعان ما تزول تلك الحلاوة، وتذبل تلك النضارة؛ إذ من طبيعة هذه الحياة الدنيا الهرب من طالبها والساعي إليها؛ والطلب للهارب منها والفار عنها. وقد بيَّن ابن القيم وجه التمثيل في هذا المثل القرآني، فقال: "شبَّه سبحانه الحياة الدنيا في أنها تتزين في عين الناظر، فتروقه بزينتها وتعجبه، فيميل إليها ويهواها اغترارًا منه بها، حتى إذا ظن أنه مالك لها، قادر عليها، سُلِبَها بغتة، أحوج ما كان إليها، وحيل بينه وبينها".