وهذا غلط من القول وخطأ، وذلك أنه لا يقال في أحسبت الشيء: أحسبت على الشيء فهو حسيب عليه، وإنما يقال: هو حسبه وحسيبه، والله يقول: {إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء حَسِيباً}. ]
- إعراب قوله تعالى: وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على الآية 86 سورة النساء
- القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة النساء - الآية 86
إعراب قوله تعالى: وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على الآية 86 سورة النساء
وهذا التنزيل فيه نظر ، بل كما تقدم في الحديث من أن المراد أن يرد بأحسن مما حياه به ، فإن بلغ المسلم غاية ما شرع في السلام; رد عليه مثل ما قال ، فأما أهل الذمة فلا يبدءون بالسلام ولا يزادون ، بل يرد عليهم بما ثبت في الصحيحين ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم: السام عليك فقل: وعليك ". وفي صحيح مسلم ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه ". إعراب قوله تعالى: وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على الآية 86 سورة النساء. وقال سفيان الثوري ، عن رجل ، عن الحسن البصري قال: السلام تطوع ، والرد فريضة. وهذا الذي قاله هو قول العلماء قاطبة: أن الرد واجب على من سلم عليه ، فيأثم إن لم يفعل; لأنه خالف أمر الله في قوله: ( فحيوا بأحسن منها أو ردوها) وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود بسنده إلى أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم".
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة النساء - الآية 86
والتذييل بقوله: { إنّ الله كان على كلّ شيء حسيباً} لقصد الامتنان بهذه التعليمات النافعة. والحسيب: العليم وهو صفة مشبَّهة: من حَسِب بكسر السين الذي هو من أفعَال القلب ، فحُوّل إلى فعُل بضمّ عينه لمَّا أريد به أنّ العلم وصف ذاتي له ، وبذلك نقصت تعديته فاقتصر على مفعول واحد ، ثمّ ضمّن معنى المحصي فعدي إليه بعلى. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة النساء - الآية 86. ويجوز كونه من أمثلة المبالغة. قيل: الحسيب هنا بمعنى المحاسب ، كالأكيل والشريب. فعلى كلامهم يكون التذييل وعداً بالجزاء على قدرِ فضل ردّ السلام ، أو بالجزاء السَّيّء على ترك الردّ من أصله ، وقد أكدّ وصف الله بحسيب بمؤكّدين: حرف ( إنّ) وفعل ( كَانَ) الدالّ على أنّ ذلك وصف مقرّر أزلي.
التحية هي: اللفظ الصادر من أحد المتلاقيين على وجه الإكرام والدعاء، وما يقترن بذلك اللفظ من البشاشة ونحوها. وأعلى أنواع التحية ما ورد به الشرع، من السلام ابتداء وردًّا. فأمر تعالى المؤمنين أنهم إذا حُيّوا بأي تحية كانت، أن يردوها بأحسن منها لفظا وبشاشة، أو مثلها في ذلك. ومفهوم ذلك النهي عن عدم الرد بالكلية أو ردها بدونها. ويؤخذ من الآية الكريمة الحث على ابتداء السلام والتحية من وجهين أحدهما: أن الله أمر بردها بأحسن منها أو مثلها، وذلك يستلزم أن التحية مطلوبة شرعًا. الثاني: ما يستفاد من أفعل التفضيل وهو "أحسن" الدال على مشاركة التحية وردها بالحسن، كما هو الأصل في ذلك. ويستثنى من عموم الآية الكريمة من حيَّا بحال غير مأمور بها، كـ "على مشتغل بقراءة، أو استماع خطبة، أو مصلٍ ونحو ذلك" فإنه لا يطلب إجابة تحيته، وكذلك يستثنى من ذلك من أمر الشارع بهجره وعدم تحيته، وهو العاصي غير التائب الذي يرتدع بالهجر، فإنه يهجر ولا يُحيّا، ولا تُرد تحيته، وذلك لمعارضة المصلحة الكبرى. اذا حييتم بتحيه فحيوا. ويدخل في رد التحية كل تحية اعتادها الناس وهي غير محظورة شرعًا، فإنه مأمور بردّها وبأحسن منها، ثم أوعد تعالى وتوعد على فعل الحسنات والسيئات بقوله: { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} فيحفظ على العباد أعمالهم، حسنها وسيئها، صغيرها وكبيرها، ثم يجازيهم بما اقتضاه فضله وعدله وحكمه المحمود.