جزاكما الله خيرا. لقد استسمنتُما ذا ورَم، ونفختُما في غير ضَرَم، ولو كان عندي كبير غناء ما توانيت عنكم، وليس القول في هذه لي، وإنما أنا فيكم كالوارش الواغل. لكن أقول مشاركة لكم:
أما القصة فقد قرأتها طفلا، وكنت حينئذ أعتقد صحتها، وأعتقد صواب قول النابغة. فصاحة امرأة..!! - البوابة اليوم. وأما الآن فالذي أراه أن القصة لها أصل صحيح ثابت، ثم زاد عليها بعض الناس أشياء، كعادة الناس في كثير من الأشياء المستملحة، فإنهم لا يدعونها على حالها حتى يزيدوا فيها، وليس كذلك ما لا يستملح من الأخبار، هكذا رأيت. وقد روى المرزباني هذه القصة في كتابه (الموشح)، وهو من الكتب الجياد في نقد الشعر، وقد رواها بثلاثة أسانيد، على ما يأتي:
1 - "كتب إليّ أحمد بن عبد العزيز، أخبرنا عمر بن شبّة، قال: حدثني أبو بكر العليمي، قال: حدثنا عبد الملك بن قريب [هو الأصمعي]، قال: كان النابغة الذبيانى تضرب له قبّة حمراء من أدم بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها. قال: فأول من أنشده الأعشى ميمون بن قيس أبو بصير، ثم أنشده حسان بن ثابت الأنصارى: لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
ولدنا بني العنقاء وابني محرّق فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما فقال له النابغة: أنت شاعر، ولكنك أقللت جفانك وأسيافك، وفخرت بمن ولدت، ولم تفخر بمن ولدك. "
- فصاحة امرأة..!! - البوابة اليوم
- الذكاء البياني عند نساء العرب جولة في مفتاح العلوم للسكاكي – منار الإسلام
فصاحة امرأة..!! - البوابة اليوم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ وبعد، فإن كتاب مفتاح العلوم لأبي يعقوب يوسف بن محمد بن علي السكاكي المتوفى سنة 626ه يعد عمدة الدارسين في البلاغة العربية، ويعتبر جامعا لأساليب اللغة وبيانها. وقد جال صاحب الكتاب جولات في علوم الصرف والنحو والمعاني والبيان وعلوم الاستدلال والشعر، وخصص أواخر فقراته لنوادر مختلفة منها حديثه عن دهاء نساء العرب وفطنتهن؛ وقدرتهن على تمييز الكلام البليغ من غيره، بل على تصحيح الرديء والإتيان بالأجود منه. الذكاء البياني عند نساء العرب جولة في مفتاح العلوم للسكاكي – منار الإسلام. وسأقف في هذا المقال عند جملة من النماذج التي ساقها السكاكي رحمه الله مع بيان مواقع الذكاء اللغوي والبياني النسائي. النموذج الأول: أورد السكاكي رحمه الله أن الخنساء سمعت قول الشاعر: لنا الجفنات الغّر يلمعن بالضحى …وأسيافنا يقطرن من نجدة دما فانتقدته من جهتين: سوء توظيف الجمع: حيث قالت الخنساء:" أي فخر يكون في أن له ولعشيرته ولمن ينضوي إليهم، من الجفان ما نهايتها في العدد عشر ، وكذا من السيوف؟ ألا استعمل جمع الكثرة: الجفان ، والسيوف؟ " [1] ذلك أن الشاعر استعمل (الجفنات) جمع جفنة وهو جمع مؤنث سالم يفيد القلة [2] ، فكان اولى منه ان يوظف (الجفان) باعتباره على وزن (فعال) وهو يفيد الكثرة.
الذكاء البياني عند نساء العرب جولة في مفتاح العلوم للسكاكي – منار الإسلام
قال المنفلوطي رحمه الله: نظم الشعراء الشعر في عهد الجاهلية الأولى إلى اليوم فمات جميع ما نظموا ولم يبق منه إلا البيت الموسيقي الرّنَّان الذي لو لم يغنه مغنيه لغُني وحده، وسيموت شعر جميع الشعراء في هذا العصر ولا يبقى منه في المستقبل إلا كما بقي الماضي في الحاضر [8]. قال دعبل:
يموت رديء الشعر من قبل أهله ♦♦♦ وجيده يبقى وإن مات قائله [9]
أنشد حضري أعرابياً شعراً لنفسه وقال: تراني مطبوعاً؟ قال: نعم، على قلبك! [10]. [1] المصون (32). [2] المصون (33). [3] مختارات المنفلوطي (95). [4] مختارات المنفلوطي (70). [5] المصون (33). [6] المصون (31). [7] التذكرة الحمدونية (3/ 44). [8] النظرات (336). [9] التذكرة الحمدونية (2/ 142). [10] التذكرة الحمدونية (3/ 210). مرحباً بالضيف
سوء توظيف دلالات الزمن: وأي فخر في أن تكون جفنة، وقت الضحوة ؛ وهو وقت تناول الطعام، غراء لامعة، كجفان البائع؟ أما يشبه أن قد جعل نفسه وعشيرته بائعي عدة جفنات؟ فانتقدت المرأة ربط الشاعر للجفان بزمن الضحوة مع وصفها بالغر اللامعة، مما يدل على أنها فارغة لا طعام فيها في الوقت المخصص للطعام (الضحى)، مما يعود بالنقض على ما أراده الشاعر من الفخر بالغنى وكثرة الإطعام. وإمعانا في الحط من بلاغة الشاعر شبهت الشاعر وعشيرته ببائعي الجفان الخاوية اللامعة. سوء توظيف الفعل: قالت:"ثم أنى يصلح للمبالغة في التمدح بالشجاعة، وأنه في مقامها: يقطرن دما؟ كان يجب أن يتركها إلى أن: يسلن أو يفضن أو ما شاكل ذلك. " ذلك أن الفعل (يقطر) لا تعدو دلالته على وجود قطرات قليلة في سيوف الشاعر وأهله،مما يدل على قلة حروبهم وقتالهم ومنه قلة شجاعتهم، واقترحت عليه ان يعوضها بفعل يدل على كثرة القتال والتنكيل بالعدو فدعته إلى استعمال (سال) و (فاض) وغيرها النموذج الثاني: ذكر السكاكي أنه قد اجتمع راوية جرير ، وراوية كثير ، وراوية جميل ، وراوية نصيب ، وأخذ يتعصب كل واحد لصاحبه ، ويجمع له في البلاغة قصب الرهان ، فحكموا واحدة، وكانت: سكينة [3] ، فقالت لراوية جرير: أليس صاحبك القائل: طرقتك صائدة القلوب وليس ذا حين الزيارة فارجعي بسلام وأي ساعة أولى بالزيارة من الطروق؟ قبح الله صاحبك!