وعن ابن عباس ، وسعيد بن جبير: " السر " ما تسر في نفسك " وأخفى " من السر: ما يلقيه الله عز وجل في قلبك من بعد ، ولا تعلم أنك ستحدث به نفسك ، لأنك تعلم ما تسر به اليوم ولا تعلم ما تسر به غدا ، والله يعلم ما أسررت اليوم وما تسر به غدا. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: " السر ": ما أسر ابن آدم في نفسه ، " وأخفى " ما خفي عليه مما هو فاعله قبل أن يعلمه. وقال مجاهد: " السر " العمل الذي تسرون من الناس ، " وأخفى ": الوسوسة. وقيل: " السر ": هو العزيمة [ " وأخفى ": ما يخطر على القلب ولم يعزم عليه. وقال زيد بن أسلم: " يعلم السر] وأخفى ": أي يعلم أسرار العباد ، وأخفى سره من عباده ، فلا يعلمه أحد. ثم وحد نفسه ، فقال:
﴿ تفسير الوسيط ﴾
وقوله- سبحانه-: وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى بيان لشمول علمه بكل شيء، بعد بيان شمول قدرته. والجهر بالقول: رفع الصوت به. والسر: ما حدث به الإنسان غيره بصورة خفية. وأخفى أفعل تفضيل وتنكيره للمبالغة في الخفاء. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الأعلى - الآية 7. والمعنى: وإن تجهر- أيها الرسول- بالقول في دعائك أو في مخاطبتك لربك، فربك- عز وجل- غنى عن ذلك، فإنه يعلم ما يحدث به الإنسان غيره سرا، ويعلم أيضا ما هو أخفى من ذلك وهو ما يحدث به الإنسان نفسه دون أن يطلع عليه أحد من الخلق.
- القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الأعلى - الآية 7
- موقع هدى القرآن الإلكتروني
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الأعلى - الآية 7
يبدو من خلال الآيتين الآنفتي الذكر أنّ "الشقاء" يقابل "الخشية" في حين أنّ (السعادة) هي التي تقابله، ولعل هذا التقابل يستبطن حقيقة كون أساس سعادة الإنسان مبنية على إحساسه بالمسؤولية وخشيته. ويعرض لنا القرآن عاقبة القسم الثّاني: (الذي يصلى النّار الكبرى)... (ثمّ لا يموت فيها ولا يحيى). أيّ، لا يموت ليخلص من العذاب، ولا يعيش حياةً خالية من العذاب، فهو أبداً يتقلقل بالعذاب بين الموت والحياة! ولكن ما هي "النّار الكبرى"؟
قيل: إنّها أسفل طبقة في جهنم، وأسفل السافلين، ولِمَ لا يكون ذلك وهم أشقى النّاس وأشدّهم عناداً للحق. وقيل أيضاً: إنّ وصف تلك النّار بـ "الكبرى" مقابل (النّار الصغرى) في الحياة الدنيا. وروي عن الإمام الصادق (ع)، أنّه قال: "إنّ ناركم هذه جزء من سبعين جزء من نار جهنّم، وقد اُطفئت سبعين مرّة بالماء ثمّ التهبت ولولا ذلك ما استطاع آدمي أن يطيقها" ( 6). موقع هدى القرآن الإلكتروني. وفي وصف نسبة بلاء الدنيا إلى بلاء الآخرة، يقول أمير المؤمنين (ع)، في دعاء كميل: "على أنّ ذلك بلاء مكروه قليل مكثه، يسير بقاؤه، قصير مدّته... ". 1 - قال بعض المفسّرين: إنّ مفهوم الآية هو: "نيسّر اليسرى لك"، وإنّما حصل فيها التقديم والتأخير للتأكيد، وهذا على أن لا تكون "نيسرك" بمعنى (نوفقك)، وإلاّ لم تكن هناك حاجة للتقديم والتأخير.
موقع هدى القرآن الإلكتروني
قال- تعالى-: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. وقال- سبحانه-: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. ومنهم من يرى أن لفظ أَخْفى فعل ماض. فيكون المعنى: وإن تجهر بالقول في ذكر أو دعاء فلا تجهد نفسك بذلك فإنه- تعالى- يعلم السر الذي يكون بين اثنين، ويعلم ما أخفاه- سبحانه- عن عباده من غيوب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما سيفعله الإنسان من أعمال في المستقبل، قبل أن يعلم هذا الإنسان أنه سيفعلها. قال الجمل: وقوله: أَخْفى جوزوا فيه وجهين: أحدهما: أنه أفعل تفضيل. أى:وأخفى من السر. والثاني: أنه فعل ماض. أى: وأخفى الله من عباده غيبه، كقوله:وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً. ﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله: ( وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى) أي: أنزل هذا القرآن الذي خلق الأرض والسماوات العلا ، الذي يعلم السر وأخفى ، كما قال تعالى: ( قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما) [ الفرقان: 6]. قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس: ( يعلم السر وأخفى) قال: السر ما أسر ابن آدم في نفسه ، ( وأخفى): ما أخفى على ابن آدم مما هو فاعله قبل أن يعلمه فالله يعلم ذلك كله ، فعلمه فيما مضى من ذلك وما بقي علم واحد ، وجميع الخلائق في ذلك عنده كنفس واحدة ، وهو قوله: ( ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة) [ لقمان: 28].
فتقول الآية الاُولى مخاطبة النبيّ (ص): (سنقرئك فلا تنسى). فلا تتعجل نزول القرآن، ولا تخف من نسيان آياته، فالذي أرسلك بهذه الآيات لهداية البشرية كفيل بحفظها، ويخطها على قلبك الطاهر بما لا يمكن لآفة النسيان من قرض ولو حرف واحد منها أبداً. وتدخل الآية في سياق الآية (114) من سورة طه: (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل ربّ زدني علماً)، وكذا الآية (16) من سورة القيامة: (لا تحرك به لسانك لتعجل به إنّ علينا جمعه وقرءانه) تدخل في سياقهما. ولإثبات قدرته سبحانه وتعالى، وأنّ كلّ خير منه، تقول الآية: (إلاّ ما شاء اللّه إنّه يعلم الجهر وما يخفى). ولا يعني هذا الاستثناء بأنّ النسيان قد أخذ من النبيّ (ص) وطراً، وإنّما هو لبيان أنّ قدرة حفظ الآيات هي موهبة منه سبحانه وتعالى، ومشيئته هي الغالبة أبداً، وإلاّ لتزعزعت الثقة في قول النبيّ (ص). وبعبارة اُخرى، إنّما جاء الاستثناء لتبيان الفرق بين علم اللّه تعالى الذاتي، وعلم النبيّ (ص) المعطى له من بارئه. والآية تشبه إلى حد ما ما جاء في الآية (108) من سورة هود، بخصوص خلود أهل الجنّة: (وأمّا الذين سعدوا ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلاّ ما شاء ربّك عطاءً غير مجذوذ).