وقوله: «وتخْشَى الفقرَ»، يعني: لطول حياتك، فإنَّ الإنسان يخْشَى الفقر إذا طالتْ به الحياة؛ لأن ما عنده ينفد، فهذا أفضل ما يكون؛ أن تتصدَّقَ في حال صِحَّتِك وشُحِّك. «ولا تُهْمِلْ»، أي: لا تترك الصدقة، «حتَّى إذا بَلغتِ الحلقومَ، قلتَ: لفلانٍ كذا، ولفلانٍ كذا»، يعني: لا تمهل، وتؤخر الصدقة، حتى إذا جاءك الموتُ وبلغت روحك حلقومَك، وعرفت أنك خارج من الدنيا، «قلتَ: لفلانٍ كذا»، يعني: صدقة، «ولفلان كذا»، يعني: صدقة، «وقد كان لفلانٍ»، أي: قد كان المال لغيرك، «لفلان»: يعني للذي يرثُك. فإنَّ الإنسانَ إذا مات انتقل ملكه، ولم يبقْ له شيء من المال. ففي هذا الحديث دليل على أن الإنسان ينبغي له أن يبادر بالصدقة قبل أن يأتيه الموت، وأنَّه إذا تصدَّق في حال حضور الأجل، كان ذلك أقل فضلًا مما لو تصدق وهو صحيح شحيح. وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا تكلم في سياق الموت فإنَّه يعتبر كلامه إذا لم يُذِهل، فإن أذْهَل حتى صار لا يشعر بما يقول فإنَّه لا عبرة بكلامه، لقوله: «حتى إذا بلغت الحلقوم قلتَ: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان». حديث: أي الصدقة أعظم أجرا؟ .... وفيه دليل على أن الروح تخرجُ من أسفل البدن، تصعد حتى تصل إلى أعلى البدن، ثم تقبض من هناك، ولهذا قال: «حتَّى إذا بلغَتِ الحلقومَ»، وهذا كقوله تعالى: ﴿ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ﴾ [الواقعة: 83، 84] فأول ما يموت من الإنسان أسفله، تخرج الروح بأن تصعدَ في البدن، إلى أن تصل إلى الحلقوم، ثم يقبضها ملك الموت، نسأل الله أن يختمَ لنا ولكم بالخير والسعادة.
حديث الرسول عن الصدقة أن تكون من
[1] رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب ما يذكر في الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم 2/ 542 (1420)، ومسلم في كتاب الزكاة، باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم 2/ 751 (1069)، وهذا لفظه، وقوله: ((كخ))، بفتح الكاف وكسرها، والثانية مؤكدة للأولى تأكيدًا لفظيًّا، يقال عند زجر الصبي عن تناول شيء، وعند التقذر من شيء؛ (تاج العروس 7/ 328). [2] رواه مسلم في كتاب الفضائل، باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم ولين مسه والتبرك بمسحه 4/ 1814 (2329)، قال في هدي الساري مقدمة فتح الباري 1/ 100: جُؤْنة عطار بضم أوله مهموز، ويسهَّل، هي: الوعاء. [3] رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما 3/ 1371 (3543)، وفي كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبليه ومعانقته 5/ 2234 (5648). حديث عن الصدقة - سطور. [4] ينظر: فتح الباري 10/ 427. [5] رواه البخاري في كتاب الأدب، باب الانبساط إلى الناس 5/ 2270 (5778)، ومسلم في كتاب الآداب، باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته 3/ 1692 (2150)، واللفظ له.
حديث الرسول عن الصدقة الجارية
الصدقة
الصّدقة هي ما يبذلُه الإنسان في سبيل الله تعالى دون مقابل أبدًا، وهي من الأعمال التي تُقرِّب العبد من الله -سبحانه وتعالى-، ففيها البِرُّ والطاعة وفيها الأجر والثواب، وكلُّ ما ينفقه الإنسان في سبيل الله تعالى خير كما وعد -سبحانه وبيَّن في كتابه الحكيم، قال -عزّ وجلَّ-: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [١] ، فالصدقة لا تنقص المال بل تزيده بفضل الله، وعلى كلِّ مسلِّم أن يكون من المتصدقين الذين يهنؤون ويفرحون ببذلهم وعطائهم وينتظرون بركة هذه الأموال التي تصدّقوا بها، وفي هذا المقال حديث عن الصدقة وفيه تفسير حديث عن الصدقة أيضًا. حديث عن الصدقة
لقد امتلأت السنة النبوية المباركة بكثير من الأحاديث النبوية التي تحثُّ على التصدُّقِ والبذل في سبيل الله تعالى، إنَّما هذه الأحاديث تدلُّ على أهمية هذه العبادة ومدى فضلها في تقرُّبِ العبد من الله -سبحانه-، وممّا جاء في السنة:
جاء فيما رواه عدي بن حاتم الطائي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم قال: "... فاتَّقوا النَّارَ ولو بشِقِّ تمرةٍ" [٢] [٣]. حديث الرسول عن الصدقة والكوب. فيما جاء عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلَّم قال: ".. والصدقةُ تُطفِئُ الخطيئةَ كما يُطفِئُ الماءُ النارَ.. " [٤].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر). أحاديث عن الصدقة. رواه مسلم. وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إن المسألة كدٌ يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطاناً أو في أمر لا بد منه) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى إما بموت عاجل، أو غنى عاجل) رواه أبو داود والترمذي وقال:حسن صحيح. وعن قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه قال: تحملت حمالةً فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها، قال: ثم قال: ( يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة، رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلَّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً مـن عيش أو قال سداداً من عيش فما سواهن في المسألة، يا قبيصة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً) رواه مسلم.