ولا يكون الإيمان بالله إلا بمعرفته عز وجل بربوبيته، وأنه الخالق الرازق المدبر لهذا الكون، وبألوهيته وأنه المستحق للعبادة وحده دون سواه، وبأسمائه وصفاته، ومعرفة رسوله – صلى الله عليه وسلم – المعرفة التي تستلزم قبول ما جاء به من الهدى ودين الحق وتصديقه فيما أخبر وامتثال أمره فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر وتقديم حبه على النفس والمال والولد، ومعرفة دين الإسلام وذلك بتعلم أحكامه وتعاليمه ومن ثم العمل بها، فمن عرف ذلك فقد آمن وصدق، ومن خالف وأعرض فهو المتصف بالخسارة.
- تفسير سورة والعصر ان الانسان لفي خسر - إسألنا
- {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} - موقع العلامة الإنساني محمد أمين شيخو قدس سره
- اعراب جملة والعصر ان الانسان لفي خسر - إسألنا
تفسير سورة والعصر ان الانسان لفي خسر - إسألنا
والمؤمن يحس وقع نظر الله - سبحانه - في أطواء حسه إحساسا يرتعش له ويهتز. فأولى أن يطهر حسه هذا وينظفه! والحاسة الأخلاقية ثمرة طبيعية وحتمية للإيمان بإله عادل رحيم عفو كريم ودود حليم، يكره الشر ويحب الخير. ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. وهناك التبعة المترتبة على حرية الإرادة وشمول الرقابة، وما تثيره في حس المؤمن من يقظة وحساسية، ومن رزانة وتدبر. وهي ليست تبعة فردية فحسب، إنما هي كذلك تبعة جماعية، وتبعة تجاه الخير في ذاته، وإزاء البشرية جميعا.. أمام الله.. وحين يتحرك المؤمن حركة فهو يحس بهذا كله، فيكبر في عين نفسه، ويقدر نتيجة خطوه قبل أن يمد رجله.. إنه كائن له قيمة في الوجود، وعليه تبعة في نظام هذا الوجود..
والارتفاع عن التكالب على أعراض الحياة الدنيا - وهو بعض إيحاءات الإيمان - واختيار ما عند الله، وهو خير وأبقى. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.. والتنافس على ما عند الله يرفع ويطهر وينظف.. يساعد على هذا سعة المجال الذي يتحرك فيه المؤمن.. اعراب جملة والعصر ان الانسان لفي خسر - إسألنا. بين الدنيا والآخرة، والأرض والملإ الأعلى. مما يهدئ في نفسه القلق على النتيجة والعجلة على الثمرة. فهو يفعل الخير لأنه الخير، ولأن الله يريده، ولا عليه ألا يدر الخير خيرا على مشهد من عينيه في عمره الفردي المحدود.
{وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} - موقع العلامة الإنساني محمد أمين شيخو قدس سره
إنه اتصال هذا الكائن الإنساني الفاني الصغير المحدود بالأصل المطلق الأزلي الباقي الذي صدر عنه الوجود. ومن ثم اتصاله بالكون الصادر عن ذات المصدر، وبالنواميس التي تحكم هذا الكون، وبالقوى والطاقات المذخورة فيه. والانطلاق حينئذ من حدود ذاته الصغيرة إلى رحابة الكون الكبير. ومن حدود قوته الهزيلة إلى [ ص: 3965] عظمة الطاقات الكونية المجهولة. ومن حدود عمره القصير إلى امتداد الآباد التي لا يعلمها إلا الله. وفضلا عما يمنحه هذا الاتصال للكائن الإنساني من قوة وامتداد وانطلاق، فإنه يمنحه إلى جانب هذا كله متاعا بالوجود وما فيه من جمال، ومن مخلوقات تتعاطف أرواحها مع روحه. فإذا الحياة رحلة في مهرجان إلهي مقام للبشر في كل مكان وفي كل أوان.. وهي سعادة رفيعة، وفرح نفيس، وأنس بالحياة والكون كأنس الحبيب بالحبيب. وهو كسب لا يعدله كسب. وفقدانه خسران لا يعدله خسران..
ثم إن مقومات الإيمان هي بذاتها مقومات الإنسانية الرفيعة الكريمة..
التعبد لإله واحد، يرفع الإنسان عن العبودية لسواه، ويقيم في نفسه المساواة مع جميع العباد، فلا يذل لأحد، ولا يحني رأسه لغير الواحد القهار.. والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا. ومن هنا الانطلاق التحرري الحقيقي للإنسان. الانطلاق الذي ينبثق من الضمير ومن تصور الحقيقة الواقعة في الوجود.
اعراب جملة والعصر ان الانسان لفي خسر - إسألنا
* وجاء
في صفوة التفاسير ـ جزي الله كاتبها خيرا ما نصه: سورة العصر مكية, وقد
جاءت في غاية الإيجاز والبيان, لتوضيح سبب سعادة الإنسان أو شقاوته,
ونجاحه في هذه الحياة أو خسرانه ودماره. أقسم ـ تعالي ـ بالعصر وهو
الزمان الذي ينتهي فيه عمر الإنسان, وما فيه من أصناف العجائب, والعبر
الدالة علي قدرة الله وحكمته, علي أن جنس الإنسان في خسارة ونقصان, إلا
من اتصف بالأوصاف الأربعة وهي( الإيمان) و( العمل الصالح) و(
التواصي بالحق) و( الاعتصام بالصبر) وهي أسس الفضيلة, وأساس
الدين, ولهذا قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ: لو لم ينزل الله سوي
هذه السورة لكفت الناس. ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ أي
أقسم بالدهر والزمان لما فيه من أصناف الغرائب والعجائب, والعبر
والعظات, علي أن الإنسان في خسران, لأنه يفضل العاجلة علي الآجلة,
وتغلب عليه الأهواء والشهوات.
* وذكر صاحبا الجلالين ـ رحمهما الله ـ ما نصه: ﴿وَالْعَصْرِ﴾ الدهر, أو: ما بعد الزوال إلي الغروب, أو: صلاة العصر ﴿ إِنَّ الإِنسَانَ ﴾ الجنس ﴿لَفِي خُسْرٍ﴾ في تجارته( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فليسوا في خسران ﴿وَتَوَاصَوْا﴾ أوصي بعضهم بعضا( بالحق) الإيمان ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ علي الطاعة وعن المعصية. وجاء
بالهامش تعليق للشيخ محمد أحمد كنعان قال فيه: قوله:( في تجارته)
لقد أبعد الجلال المحلي في تفسيره هذا, والأولي أن يقال: إن الإنسان
خاسر وهالك إلا إذا آمن وعمل صالحا.. الخ أي: لا تنفعه الدنيا وما
عليها إذا لم يكن مؤمنا صالحا. * وجاء في الظلال ـ رحم الله كاتبه
برحمته الواسعة جزاء ما قدم ـ كلام رائع أختصره في النقاط التالية: فما
الإيمان؟؟.. إنه اتصال هذا الكائن الإنساني الفاني الصغير المحدود بالأصل
المطلق الأزلي الباقي الذي صدر عنه الوجود, ومن ثم اتصاله بالكون الصادر
عن ذات المصدر, وبالنواميس التي تحكم هذا الكون, وبالقوي والطاقات
المزخورة فيه.. {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} - موقع العلامة الإنساني محمد أمين شيخو قدس سره. والانطلاق حينئذ من حدود ذاته الصغيرة إلي رحابة الكون
الكبير. ومن حدود قوته الهزيلة إلي عظمة الطاقات الكونية المجهولة.