[٨] [٩]
فَضْل صيام يوم النِّصف من شعبان
بحث المحقّقون من أهل العلم في الرّوايات التي تشير إلى فضل صيام النصف من شعبان ؛ فوجدوها أحاديث موضوعة وضعيفة، ولا تصلُح للاحتجاج، ولا ترقى إلى الصحّة بحال من الأحوال، ومن هذه الروايات التي لا تصحّ ما رُوي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا كانت ليلةُ النِّصفِ من شعبانَ فقوموا ليلَها، وصوموا نَهارَها، فإنَّ اللَّهَ يَنزِلُ فيها لغُروبِ الشَّمسِ إلى سماءِ الدُّنيا، فيقولُ: ألا من مُستغفِرٍ لي فأغفرَ لَه! ألا مُسترزِقٌ فأرزقَهُ ألا مُبتلًى فأعافيَهُ ألا كذا ألا كذا حتَّى يطلُعَ الفجرُ) ؛ [١٠] فهذه الرّواية مثلاً حكم عليها الألباني بالقول: ضعيف جداً أو موضوع، وبناء على ذلك؛ فإنّ تخصيص يوم النصف من شعبان بصوم، على اعتبار أنّ له فضيلة على غيره لا يصحّ. [١١]
ولكن يستحبّ للمسلم صوم هذا اليوم على أنّه أحد الأيّام البِيض التي ندبَ الشّرع إلى صيامها، من غير قصد تخصيص هذه الليلة عن سواها، وقد جاءت روايات أخرى حكم المُحدّثون بصحّتها في فضْل ليلة النِّصف من شعبان، ولكنّ هذه الروايات لا تُشير إلى تخصيص عبادة معيّنة فيها؛ من صيامٍ، أو قيامٍ، وإنّما على المسلم اغتنامها بالخير كلّه، وعدم مُخالفته للسنّة؛ بالابتداع، أو تخصيصها بعبادةٍ ما، ومن هذه الأحاديث ما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يطَّلِعُ اللهُ عزَّ وجلَّ إلى خلقِه لَيلةَ النَّصفِ مِن شعبانَ، فيغفِرُ لعبادِه إلَّا لِاثنَينِ: مُشاحنٍ، وقاتلِ نفْسٍ).
فضل صيام الايام البيض من شعبان
فضل العبادة في وقت الغفلة
وفي الحديث السابق إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه. فضل صيام الايام البيض من شعبان. وفيه دليل على استحباب عِمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون هي ساعة غفلة، ومثل هذا استحباب ذكر الله تعالى في السوق لأنه ذكْر في موطن الغفلة بين أهل الغفلة. وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها:
أن يكون أخفى للعمل وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل، لا سيما الصيام فإنه سرّ بين العبد وربه، ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء، وكان بعض السلف يصوم سنين عددا لا يعلم به أحد، فكان يخرج من بيته إلى السوق ومعه رغيفان فيتصدق بهما ويصوم، فيظن أهله أنه أكلهما ويظن أهل السوق أنه أكل في بيته. وكان السلف يستحبون لمن صام أن يُظهر ما يخفي به صيامه، فعن ابن مسعود أنه قال: "إذا أصبحتم صياما فأصبِحوا مدَّهنين"، وقال قتادة: "يستحب للصائم أن يدَّهِن حتى تذهب عنه غبرة الصيام"
وكذلك فإن العمل الصالح في أوقات الغفلة أشق على النفوس، ومن أسباب أفضلية الأعمال مشقتها على النفوس لأن العمل إذا كثر المشاركون فيه سهُل، وإذا كثرت الغفلات شق ذلك على المتيقظين، وعند مسلم رقم (2984) من حديث معقل بن يسار: "العبادة في الهرْج كالهجرة إلي. "
فضل صيام النص من شعبان
وقيل في المسألة أقوال أخرى. 3 أحوال للصيام في آخر شعبان
وخلاصة القول أن صيام آخر شعبان له ثلاثة أحوال:
أن يصومه بنية الرمضانية احتياطا لرمضان، فهذا محرم. أن يصام بنية النذر أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك، فجوّزه الجمهور. أن يصام بنية التطوع المطلق، فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بالفطر؛ منهم الحسن - وإن وافق صوما كان يصومه - ورخص فيه مالك ومن وافقه، وفرّق الشافعي والأوزاعي وأحمد وغيرهم بين أن يوافق عادة أو لا. وبالجملة فحديث أبي هريرة - السالف الذكر - هو المعمول به عند كثير من العلماء، وأنه يكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له به عادة، ولا سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلا بآخره. فضل صيام النص من شعبان. لماذا يُكره الصيام قبل رمضان مباشرة؟
فإن قال قائل لماذا يُكره الصيام قبل رمضان مباشرة (لغير من له عادة سابقة بالصيام)؟
فالجواب أنّ ذلك لمعانٍ منها:
المعنى الأول: لئلا يزاد في صيام رمضان ما ليس منه، كما نهي عن صيام يوم العيد لهذا المعنى، حذرا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم، فزادوا فيه بآرائهم وأهوائهم. ولهذا نهي عن صيام يوم الشك، قال عمار: من صامه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم.
(أي العبادة في زمن الفتنة؛ لأن الناس يتبعون أهواءهم فيكون المتمسك يقوم بعمل شاق). العلة من وراء كثرة صيامه صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان
اختلف أهل العلم في أسباب كثرة صيامه -صلى الله عليه وسلم - في شعبان على عدة أقوال:
أنه كان يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره فتجتمع فيقضيها في شعبان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عمل بنافلة أثبتها وإذا فاتته قضاها. وقيل إن نساءه كن يقضين ما عليهن من رمضان في شعبان فكان يصوم لذلك، وهذا عكس ما ورد عن عائشة أنها تؤخر قضاء رمضان إلى شعبان لشغلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم. فضل صيام شعبان - موضوع. وقيل لأنه شهر يغفل الناس عنه: وهذا هو الأرجح لحديث أسامة السالف الذكر والذي فيه: "ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان. " رواه النسائي، أنظر صحيح الترغيب والترهيب (ص 425). قضاء صيام الفريضة وصيام التطوع في شعبان
وكان إذا دخل شعبان وعليه بقية من صيام تطوع لم يصمه قضاه في شعبان حتى يستكمل نوافله بالصوم قبل دخول رمضان - كما كان إذا فاته سنن الصلاة أو قيام الليل قضاه - فكانت عائشة حينئذ تغتنم قضاءه لنوافله فتقضي ما عليها من فرض رمضان حينئذ لفطرها فيه بالحيض وكانت في غيره من الشهور مشتغلة بالنبي صلى الله عليه وسلم.
إن الناس لو تأملوا سنن الله الكونية وجليل حكمته تعالى، وعظيم عنايته بالإنسان وتكريمه له؛ لدفعهم ذلك إلى الإيمان باليوم الآخر، فحينئذ لا تطل الأنانية بوجهها البغيض، ولا يكون تكالب على الحياة الدُّنيا، بل التعاون على البر والتقوى.
أهمية الإيمان باليوم الآخر
المصدر:
تحضير درس آثار الايمان باليوم الاخر مادة التوحيد 2 نظام مقررات الفصل الدراسي الثاني 1442 ه 1443 | مؤسسة التحاضير الحديثة
بالمقارنة أهل الآخرة يقول الله عز وجل في شأنهم، هم يعملون -أيضاً- في نوبات ليلية: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ [الزمر:9] ساجداً وقائماً لأي شيء؟: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر:9] والله مدح المؤمنين بأنهم يصدقون بيوم الدين، ومدحهم فقال: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [النمل:3].
آثار الإيمان باليوم الآخر - توحيد 2 - ثالث ثانوي - المنهج السعودي
أعرابي حظه من العلم معدوم قال يا رسول الله - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عظني ولا تطل فقرأ:{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} قال: كفيت. اكتفى بآية, والقرآن بين أيدينا، يعني ستة آلاف آية نقرأه، ونستمع إليه، ونستمع إلى تفسيره، ومع ذلك تجد أنّ معظم المسلمين غيرَ منضبطين. أما هذا الأعرابي فقال: كفيت، قال عليه الصلاة والسلام: فَقُه الرجل. يقول الله عز وجل: { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} هكذا، فكما أن الله يحيي الأرض الميتة بالمطر، كذلك يحيي هذه الأجساد الفانية بقدرته العظيمة. أيها الأخوة, ربنا يقسم ويقول: { وَالطُّورِ* وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ* فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} بالمختصر المفيد: لابد من يوم تسوي فيه الحسابات ويعط كل ذي حق حقه.. آثار الإيمان باليوم الآخر - توحيد 2 - ثالث ثانوي - المنهج السعودي. فالذي خلق هذه الأكوان لا يعقل أن يترك الإنسان سدى، بل لابد أن يُحاسَب، ويقف بين يديه ليحقَّ الحق والعدلَ.
{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} أيها الأخوة, لن تستطيع أن تستقيم على أمر الله إلا بكتاب الله، وهدي رسوله، لا تقل ضميرا فقط ، فهذا كلام فارغ، ولا تقل: مراقبة ذاتية فقط، فهذا كلام فجٌّ، لا تقل: فلان تربَّى تربية منزلية راقية فقط، فهذا غير صحيح. إن لم تؤمن أن هناك يوماً تُحاسَب فيه عن كل شيء فلن تستقيم... اثار الايمان باليوم الاخر. إذا لم تكن مؤمنًا باليوم الآخر، وأن الله يراقبك وسيحاسبك وسيعاقبك، لن تستقيم على أمره فهذا هو الكلام الواقعي، والعلم ما طابق الواقع، العلم هو الوصف المطابق للواقع مع الدليل. التربية الإيمانية المراقبة الذاتية الضمير الحي كل ذلك يعينك فقط علي نفسك لكن لن تستقيم على أمر الله إلا إذا آمنت أن الله يعلم، وسيحاسب، وسيعاقب " { ذلك لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما} "، بكى طفل صغير يوما فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمه، وقال لها: أرضعيه، فأرضعته، وبعد حين بكى، فقال أرضعيه، فأرضعته،ثم بكى، فذهب وقال لها: يا أَمَةَ السوء أرضعيه.. قالت: ما شأنك بنا!
ذات صلة مفهوم الإيمان باليوم الآخر أثر الإيمان في حياة الفرد والمجتمع
آثار الإيمان باليوم الآخر
أوْلى الله -تعالى- اهتماماً بالغاً بالإيمان باليوم الآخر تذكيراً للعباد بقدومه لا محالة؛ حتى لا ينشغل الناس عنه، وينسوا أن هناك نهاية للحياة الدّنيا بسبب تمسّكهم بها وبما فيها من مغرياتٍ وشهوات، كما بَيّن الله -تعالى- في قوله:(أَرَضيتُم بِالحَياةِ الدُّنيا مِنَ الآخِرَةِ فَما مَتاعُ الحَياةِ الدُّنيا فِي الآخِرَةِ إِلّا قَليلٌ). [١] ولمّا يؤمن العبد بقدوم هذا اليوم يسعى له سعيه، ويحرص على القيام بأفضل الأعمال التي تُقرّبه من الله -تعالى- لينال رضاه وجنّته ، وبالإيمان باليوم الآخر يُدرك العبد أن الدُّنيا رحلتها قصيرةٌ، ونعيمها زائلٌ وهي ممرٌ لحياته الأخرى التي فيها يكون النعيم المُقيم والثواب الجزيل على أعماله التي قصد بها وجه الله -تعالى-. [٢] وللإيمان باليوم الآخر آثارٌ عديدةٌ على حياةِ العباد فيما يأتي بيانُ بعضٍ منها: [٣]
استشعارُ مراقبةِ الله -تعالى- لعباده، فيحرِصُ الإنسانُ على تقوى الله -تعالى- في أعماله كلّها لأنّه سيُسأل عنها في اليوم الآخر، والله -تعالى- لا يُضِيع عمل أحدٍ خيراً كان أو شراً، صغيراً كان أو كبيراً قال -تعالى-:(وَنَضَعُ المَوازينَ القِسطَ لِيَومِ القِيامَةِ فَلا تُظلَمُ نَفسٌ شَيئًا وَإِن كانَ مِثقالَ حَبَّةٍ مِن خَردَلٍ أَتَينا بِها وَكَفى بِنا حاسِبينَ).