أغلب رواد هذا المقهى هم من الشباب العاطلين عن العمل، ولا شاغل لهم غير إجترار الكلام والإختلاف عليه وإعادة تدويره من جديد. فيودور دوستويفسكي - حينما يكتمل وعي الإنسان وإدراكه للحياة ، إما أن يعيش... - حكم. وفي أحسن اﻷحوال فسينبري أحدهم بالتحدث عمّا يعتبره آخر المستجدات في عالم الفلسفة وأهم اﻷسماء اللامعة في هذا المجال وآخر الإصدارات، الاّ انه سيجابه بالرفض والتصدي وكما في كل مرة من أحد الرواد، والذي اختار أن يطلق شاربيه ولحيته وشعر رأسه، تيمناً بالشاعر البنغالي طاغور رغم بعد اﻷخير عن عالم الفلسفة، ليجعل من نفسه ناطقا رسميا لهذا الإختصاص، بل ويعده حكرا عليه ومن غير المسموح أن ينازعه أو ينافسه أحداً على ذلك. وعلى ما أعتقد فإنَّ تسمية إحدى مقاهي بغداد، الواقعة في شارع السعدون، (مقتطع من حكاية طويلة، قد نأتي على أجزاء أخرى من فصولها لاحقاً)كان قد جرى إستقاءها من ذلك المكان البعيد، مع بعض الإختلافات في طبيعة زبائنه، فمقهى المعقدين في بغداد والذي يسمى أيضاً بمقهى ابراهيم (نسبة الى اسم صاحبه) كان يضم نخبة منتقاة من المثقفين ومن شعراء الخط اﻷول، فضلا عن عدد لا بأس به من مشاهير السياسة. الاّ انه وفي الفترات اﻷخيرة بات يأفل نجم هذا المقهى، بعد أن بدأت تزحف عليه جحافل ومجاميع منفلتة، جُلّهم من اﻷوباش واﻷميين، ليتربعوا على عرش السلطة والمقهى على حدٍ سواء.
- فيودور دوستويفسكي - حينما يكتمل وعي الإنسان وإدراكه للحياة ، إما أن يعيش... - حكم
- صور للنجوم في السماء بعد
- صور للنجوم في السماء الحمراء
فيودور دوستويفسكي - حينما يكتمل وعي الإنسان وإدراكه للحياة ، إما أن يعيش... - حكم
وتعليقا على هذا اﻷمر، فربما أراد القيمون على المقهى إظهاره على هذا النحو ﻷهداف، يصعب سبرها. دخول ما يسمى المقهى والحانة والذي لم يستحصل بعد على الموافقات الرسمية، سيكون من البوابة الخلفية للقصر المهجور، لضرورات اقتضتها بعض القوانين الخاصة والمشددة، المعمول بها في ذلك البلد، كذلك مراعاة لسكانها المحافظين وهذا شرط لا مساومة عليه ولا تساهل. لذلك وإنسجاماً مع مقتضى الحال، ولضبط عمليتي الدخول والخروج من والى المكان المذكور، إرتأى صاحب الحانة الى وضع مواعيد محددة ومتفق عليها مسبقا، بينه من جهة وبين روادها من جهة اخرى. وبعد أن يعتلي الزائر أو الزبون درجتين أو ثلاثة، وصولاً الى البوابة والتي من المفترض أن تكون مدخلا للقبو،سيجد نفسه مضطرا للنزول ولبضع درجات أيضا وبعمق لا يقل عن ثلاثة أمتار، عند ذاك سيتفاجئ مَنْ لم يزرها من قبل بوجود باباًً موارباً، فما على قاصد الحانة لحظة ذاك وبناءا على التعليمات التي تلقاها سلفا الاّ أن يدفعه قليلاً، لينكشف أمام ناظريه قبواً، واسع الأبعاد، شديد العتمة اذا ما تُرِكَ دون إنارة كافية، أو إذا ما تمَّ غلق نوافذه وستائره بإحكام. كان القبو المذكور وبجانبيه في سالف الأيام وكما بدا من بعض المؤشرات والملامح، مخصصاً لخزن وحفظ المؤونة وخاصة الحبوب منها، فضلا عن المنتجات الغذائية اﻷخرى، القابلة للتجفيف أو الكبس، والتي ستعطي مذاقاً أشهى كلما تُرِكت لتختمر فترة زمنية أطول، لتشكل بمجموعها ذخيرة دسمة، ستمد ساكني القصر المنيف وتعينهم في موسم الشتاء والأيام الصعبة وبما يطيب لهم من طعام وشراب، دون أن يغفل سيد القصر عن تعتيقه ما حلى له من اﻷعناب، بإنتظار إرتشاف أول كأس من نبيذ، لا زالت الحانة تعبق ببقايا رائحته.
تقول الحكاية: بعد أن أجرى شقيق أبي بعض التغييرات والتعديلات الضرورية على هندامه وهيئته العامة وبما ينسجم وطبيعة المكان المنوي قصده، تجده قد اختار مغيب الشمس وحلول أول خيط من الليل ميقاتا لخروجه. إجتاز شارعين بخفة وراحة وبخطى الواثق، ثم إنعطف يمينا، ليدخل أحد الأزقة الضيقة، سيفضي بنهايته الى شارع أكثر رحابة، وما هي الاّ بضعة أمتار، وإذا بقدميه تقودانه أخيرا الى ذلك البيت القديم، والذي يُنظر اليه من قبل مَنْ لم يُحسن التقدير، بأنه لا يعدو أن يكون سوى بيتا خربا، لا يمكن أن يُلفت الإنتباه، بعد أن كان في يوم ما وبحسب العارفين قصراً منيفاً، وفق مقاييس زمان قد مرَّت عليه عهود وأيام. لكن وعلى الطرف اﻵخر، فهناك مَنْ يرى فيه وعلى الرغم من الإهمال الواضح عليه وقد يكون متعمدا، بأنه لا زال يحتفظ ببعض من الرونق واﻷناقة والتي بدت جلية على ما تبقى من ملامحه، والتي تشير وتؤكد أيضاً على مدى هيبته وجماله. تعود ملكيته الى أحد أثرياء المدينة، الذي غادر الدنيا قبل قرابة العقد من السنين. وبسبب إختلاف ورثته من بعده عليه وعلى غيره من الأموال المنقولة وغير المنقولة، فقد بقى أمر حسم ملكيته وعائديته من الناحية القانونية معلقاً، لذا كان لعامل الزمن ما يفعله وراح يأكل فيه شيئا فشيئا.
يَا مَن تُحِيطُون بِالعَرشِ في قُطعَانٍ شَرِهَة
كَالجَلاَّدِين الَّذِينَ يُخفُونَ نَوَايَاهم الحَقِيرَة
في أَثَوابِ العَدَالةِ ، مُتَظَاهِرينَ بَالبَرَاءَة
مَن أَجلِ ذَبحِ الحُرِّيَةِ والَمجدِ والعَبقَرِية! هُنَاكَ حُكمُ الرَّب
حُكمٌ رَهِيبٌ يَنتَظِر
لا يَمِيلُ مَعَ الذَّهَب
وَأَمَامَ العَرشِ الإِلَهِي
لَن تَنقِذُوا جُلُودَكم بِقَذفِ الأَوحَال ،
ولَن تَستَطِيعَ كُلُّ دِمَائِكم القَذِرَة
أَن تُعَوِّضَ أَبَداً الدَّمَ العَادِلَ لِلشَّاعِر. لا ، أنا لستُ بايرون ، أنا مختار:
لا ، أنا لستُ بايرون ، أنا مختار
آخر غير معروف ،
مثله ، غريب يلاحقه العالم ،
و لكن بروح روسية. أنا بدأت أولاً ، وسأنهي قبل ،
و عقلي لن ينجز سوى القليل:
في قلبي ، كما في المحيط ،
يوجد ثقل الآمال المحطمة. فمن يستطيع ، أيها المحيط الكالح ،
أن يكشف أسرارك ؟. مَن
سيحكي للناس عن أفكاري ؟
أنا – أم الرب – أم لا أحد! صور للنجوم في السماء موقع الاحمد. منذ أن منحني الإله الخالد:
منذ أن منحني الإله الخالد
بصيرة النبي ،
و أنا أقرأ في عيون الناس
صفحات من الحقد والرذيلة. إلى المحبة أنا رحتُ أدعو
و أنشر تعاليم الحق النقية:
راح كل المقربين مني
يرموني بالحجارة مسعورين.
صور للنجوم في السماء بعد
لأن صورة السماء كما نراها فوقنا صورة مرآتية داخل كرة الكون ولايمكن تحديد مراكز الأجرام بها. وعندما نتطلع للسماء من فوق الأرض. فإننا نعتبرها تجاوزا مركز الكون ومنها نقيس أبعاد ومسافات المجرات. وما نقيسه ليس قطر الكون في كل اتجاه بالنسبة لموقعنا علي الأرضالتي تعتبر بالنسبة لحجم الكون ذرة غبار متناهية فيه أطلقنا عليها كوكب الأرض وتدور حول الشمس وتقع في أقصي جزء من مجرتنا المظلمة
صور للنجوم في السماء الحمراء
الشراع:
عند زرقة البحر في قلب الضباب..
يلوح بياض خيال الشراع الوحيد
عما تراه يفتـّش في البلد المستقرّ البعيد؟
وفي الوطن ما هوّ أبقى؟
يعبث الموج بالموج ، وتئزّ الريــاحْ
يترنّح الساري يمينا وشمالا
لكأنه لا يبالي
لكأنه لم ينشد يوما سعادة
لكأنه لم يهجر مرّة بإرادة
تعوي الرّيح تحته
وحواليه تهتزّ الدّنيا صاخبة
جفّ نور الشمس,
وكان بالأمس في لون الذهب
ولكنّه ما زال هناك. جبّارا وعنيدا
تتقاذفه الأمواج فينتشي أكثر
ترجّه الرّياح العواتي فيتألّق مزهوّا
الله..
ما أروعه, وهو في قلب العواصف الهائجة
موت شاعر:
مَاتَ الشَّاعر! سَقَطَ شهيداً
أسيراً للشرفِ
الرصاصُ في صدرِه يَصرُخُ للانتقام
والرأسُ الشَّامِخُ انحنى في النهاية
مَات! فَاضَت رُوحُه بالألَمِ من الافتِراءات الحًقيرة
حَتَّى الانفِجَار..
وَقَفَ وحيداً في المواجهة وها قد قُتل! صور للنجوم في السماء بعد. قُتِل! فَكُلُّ نُوَاحٍ الآن عَقيم
وَفَارِغةٌ تَراتِيلُ الإطرَاء
وَهَمهَمَات الأسَى الكَسِيح
ونحنُ نُحملقُ في إرادةِ الموت!
متى يشتفي الثأر؟ يا للضحايا... أتهدر تلك الدماء الطاهره
ويا للحمى! من يجيب النداَء... نداَء جراحاته النافره
وقد أغمد السيف، لا رد حقاً... ولا أطفأ الغلة الساعره
تململ في حضنها فرخها... فضمته محمومةً ثائره..
ومالت عليه وفي صدرها... مشاعر وحشيةٌ هادرة..
لترضعه من لظى حقدها... ونار ضغائنها الفائره..
وتسكب من سم خلجاتها... بأعماقه دفقةً زاخره!. هنا (جبل النار) كان يطوَف... حُلمٌ بأجفانه الساهره
تغاديه فيه طيوف نسورٍ... تغلَ بأفق العلى طائره
مخالبها راعفات... مجلة الرسالة/العدد 874/صور من الشعر الحديث في العراق - ويكي مصدر. وملء... جوانحها نشوة ظافره..
وبرد التشفيَ بثاراتها... وراء مناسرها الكاسره
(نابلس - جبل النار)
فدوى عبد الفتاح طوقان