والقول الثاني: أن نوحا عليه السلام لما اشتغل بدعوة قومه إلى الدين الحق بالغوا في إيذائه وقصدوا قتله ، ثم إنه عليه السلام نادى ربه واستنصره على كفار قومه ، فأجابه الله تعالى ومنعهم من قتله وإيذائه ، واحتج هذا القائل على ضعف القول الأول بأنه عليه السلام إنما دعا عليهم لأجل أن ينجيه الله تعالى وأهله ، وأجاب الله دعاءه فيه فكان حصول تلك النجاة كالمعلوم المتيقن في دعائه ، وذلك يمنع من أن يقال: المطلوب من هذا النداء حصول هذه النجاة. ثم إنه تعالى لما حكى عن نوح أنه ناداه قال بعده: ( فلنعم المجيبون) وهذه اللفظة تدل على أن تلك الإجابة كانت من النعم العظيمة ، وبيانه من وجوه:
الأول: أنه تعالى عبر عن ذاته بصيغة الجمع فقال: ( ولقد نادانا نوح) والقادر العظيم لا يليق به إلا الإحسان العظيم. والثاني: أنه أعاد صيغة الجمع في قوله: ( فلنعم المجيبون) وذلك أيضا يدل على تعظيم تلك النعمة ، لا سيما وقد وصف تلك الإجابة بأنها نعمت الإجابة. ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه. والثالث: أن الفاء في قوله: ( فلنعم المجيبون) يدل على أن حصول هذه الإجابة مرتب على ذلك النداء ، والحكم المرتب على الوصف المناسب يقتضي كونه معللا به ، وهذا يدل على أن النداء بالإخلاص سبب لحصول الإجابة ، ثم إنه تعالى لما بين أنه سبحانه نعم المجيب على سبيل الإجمال ، بين أن الإنعام حصل في تلك الإجابة من وجوه:
الأول: قوله تعالى: ( ونجيناه وأهله من الكرب العظيم) وهو على القول الأول الكرب الحاصل بسبب الخوف من الغرق ، وعلى الثاني الكرب الحاصل من أذى قومه.
لماذا عم الطوفان جميع البشر؟ وليس فقط قوم نوح؟ - الإسلام سؤال وجواب
وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) القول في تأويل قوله تعالى: وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) يقول تعالى ذكره: لقد نادانا نوح بمسألته إيانا هلاك قومه، فقال: رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا... إلى قوله رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا وقوله ( فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) يقول: فلنعم المجيبون كنا له إذ دعانا، فأجبنا له دعاءه، فأهلكنا قومه.
عبر من قصة نوح عليه السلام
ولَمَّا أَرادَ اللهُ أنْ تَستَقِرَّ السفينةُ علَى اليَابِسَةِ أَمَرَ الأرضَ أَن تَبْلَعَ الماءَ، والسماءَ أنْ تَتوقَّفَ عَنِ المَطَرِ، وبَدأتِ الرِّياحُ تَهدَأُ، والغُيومُ تَنقَشِعُ، والشَّمسُ تُشرِقُ، وبَدأَتِ الحَياةُ مِن جَديدٍ، ورَسَتِ السَّفينةُ علَى سَطحِ جَبلِ الجُودِيِّ -وهو جبلُ الطُّورِ، وقيل: جَبلٌ بالجَزيرةِ-، ثُمَّ أَوحَى اللهُ عزَّ وجلَّ لسيدِنَا نُوحٍ أَنِ اهْبِطْ مِنَ السَّفينةِ بسَلامٍ وأَمانٍ وبَركاتٍ مِنَ اللهِ عَز وجلَّ، ومَنْ مَعكَ مِنَ المؤمنينَ، ومِنَ الأَزواجِ الَّتي حَمَلتَها مَعَكَ. فنَزلَ المؤمنونَ مِنَ السفينةِ، وانطَلقَتِ الحَيواناتُ والطُّيورُ تَستأنِفُ حَيَاتَهَا مِنْ جَديدٍ. أيهَا الإِخوةُ... لماذا عم الطوفان جميع البشر؟ وليس فقط قوم نوح؟ - الإسلام سؤال وجواب. تِلكُمْ هِي قِصةُ نُوحٍ عليهِ السلامُ وهِيَ آيةٌ مِن آيَاتِ اللهِ في كُلِّ فَصلٍ مِنْ فُصُولِهَا وفي مُعْجزَاتِهَا البَاهِرَةِ. صلُّوا وسلِّمُوا.....
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الصافات - الآية 75
و {
قَالَ} هنا: {
أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} أي: تنحتونه بأيديكم وتصنعونه؟ فكيف تعبدونهم، وأنتم الذين صنعتموهم،
وتتركون الإخلاص للّه؟ الذي {
خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا} أي: عاليا مرتفعا، وأوقدوا فيها النار {
فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} جزاء على ما فعل، من تكسير آلهتهم. فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا} ليقتلوه أشنع قتلة {
فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ} رد اللّه كيدهم في نحورهم، وجعل النار على إبراهيم بردا وسلاما. وَ} لما فعلوا فيه هذا الفعل، وأقام عليهم الحجة، وأعذر منهم، {
قال إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} أي: مهاجر إليه، قاصد إلى الأرض المباركة أرض الشام.
وبين في مواضع أخر الذين حملهم مع نوح من هم، وبين الشيء الذي حملهم فيه، وبين من بقي له نسل، وعقب منهم، ومن انقطع ولم يبق له نسل ولا عقب. فبين أن الذين حملهم مع نوح: هم أهله ومن آمن معه من قومه في قوله: ( قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ). ولقد نادانا نوح فلنعم. وبين أن الذين آمنوا من قومه قليل ، بقوله: ( وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ)...
وبين أن ذرية من حمل مع نوح لم يبق منها إلا ذرية نوح في قوله: ( وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) " انتهى من "أضواء البيان" (3 / 482). وهل هذا حدث لأن الأرض يومئذ لم يكن بها إلا قوم نوح وقد أهلكوا؟ أم إنه كان هناك أقوام آخرون غير قوم نوح ، وأهلكوا أيضا؟
الذي نص عليه القرآن أن الله تعالى لم يرسل نوحا إلا إلى قومه. قال الله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ نوح /1. والذي نص عليه القرآن أيضا أن العذاب لحق قوم نوح، ولم يشر إلى أنه مس غيرهم، كقوله تعالى: وَيَاقَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ هود/89.