سعت سجاح بعد فشلها في إخضاع الرباب إلى مهاجمة المدينة، ودعت قومها بني يربوع إلى مساندتها فطلبوا منها أن تُؤلِّف بطون تميم إلى دينها قبل الزحف نحو الحجاز لمحاربة المسلمين، فلم يتَّفق بنو تميم على رأيٍ واحد، عندئذٍ خرجت بجندها حتى بلغت النباج[8]، فتصدَّى لها أوس بن خزيمة الهجيمي وهزمها، ومنع جندها من المرور في أراضيه، ثُمَّ تحاجز الفريقان واتَّفقا على تبادل الأسرى على أن تنصرف عنهم ولا تتخذ طريقًا إلى المدينة إلَّا من ورائهم[9]. زواج سجاح بنت الحارث من مسيلمة الكذاب لمـَّا رأت إحجامًا من قومها التفتت نحو اليمامة حيث كان مسيلمة الكذاب يتحفَّز كذلك للخروج على الإسلام، وانتشرت أخبار دعوته في الجزيرة العربية، إلَّا أنَّه وجد نفسه في وضعٍ حرج؛ فقد خشي أن تشغله سجاح عن قتال أبي بكرٍ في الوقت الذي كان يترقَّب فيه زحف المسلمين إليه، كما كان يتعرَّض لضغط القبائل المجاورة، لذلك عرض عليها التفاهم والتعاضد ما دام هدفهما واحدًا وهو الزحف نحو الحجاز، وأسفرت المفاوضات التي جرت بينهما عن النتائج التالية: - التقارب الأسري بالزواج. - دمج قدراتهما لمواجهة المسلمين والسيطرة على الجزيرة العربية. - يُؤدِّي مسيلمة لسجاح نصف غلَّات اليمامة[10].
مسيلمة الكذاب مع سجاح التميمية - بوابة ديموز
سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان امرأة نجدية من بني تميم. التف حولها بعض قومها، وقد عزموا على غزو أبي بكر الصديق. كان ممن استجاب لها مالك بن نويرة التميمي وعطارد بن حاجب وجماعة من سادات أمراء بني تميم وتخلف آخرون منهم عنها، ثم اصطلحوا على أن لا حرب بينهم إلا أن مالك بن نويرة لما وادعها ثناها عن عودها وحرضها على بني يربوع ثم اتفق الجميع على قتال الناس وقالوا: بمن نبدأ؟ فقالت لهم فيما تسجعه: " أعدوا الركاب واستعدوا للنهاب ثم أغيروا على الرباب فليس دونهم حجاب ". ثم إنهم تعاهدوا على نصرها فقال قائل منهم: وقال عطارد بن حاجب التميمي في ذلك: ثم إن سجاح قصدت بجنودها اليمامة لتأخذها من مسيلمة الكذاب فهابه قومها، وقالوا: إنه قد استفحل أمره وعظم، فقالت لهم فيما تقوله: عليكم باليمامة، دفوا دفيف الحمامة، فإنها غزوة صرامة، لا تلحقكم بعدها ملامة. قال: فعمدوا لحرب مسيلمة فلما سمع بمسيرها إليه خافها على بلاده وذلك أنه مشغول بمقاتلة ثمامة بن أثال وقد ساعده عكرمة بن أبي جهل بجنود المسلمين وهم نازلون ببعض بلاده ينتظرون قدوم خالد، كما سيأتي فبعث إليها يستأمنها ويضمن لها أن يعطيها نصف الأرض الذي كان لقريش لو عدلت فقد رده الله عليك فحباك به وراسلها ليجتمع بها في طائفة من قومه فركب إليها في أربعين من قومه وجاء إليها فاجتمعا في خيمة فلما خلا بها وعرض عليها ما عرض من نصف الأرض وقبلت ذلك.
مكانة المرأة العربية قبل الإسلام: كهانة النساء وحكاية سجاح بنت الحارث التميمية 3/3 | Marayana - مرايانا
والإشارات التي تذكر أنه توجَّه بمفرده إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم لاعتناق الإسلام قد تكون صحيحة؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عيَّنه عاملًا على صدقات عشيرته بني يربوع، وردَّهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومهم راضيةً نفوسهم[4]. اختلف بنو يربوع بعد وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم حول أداء الزكاة إلى أبي بكرٍ أو قسمتها بين الناس، وفاجأتهم سجاح في هذا الوقت مقبلةً من أرض الجزيرة بالعراق يُحيط بها رهطها من بني تغلب على رأس جيشٍ من ربيعة والنمر وأياد وشيبان تُريد غزو المدينة، مَّما أدَّى إلى ازدياد الانقسام فيما بينهم. إعلان سجاح بنت الحارث نبوَّتها كانت سجاح قد تنبَّأت بعد وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم أسوةً بغيرها من المتنبِّئين، بدافع العصبية أو بحبِّ الظهور، فاستجاب لها الهذيل بن عمران في بني تغلب وترك التنصر، ولم تجد إلا القليل من التجاوب عند قومها. لمـَّا وصلت إلى الحزن[5] راسلت بطون تميم ودعتهم إلى الموادعة والمعاضدة، واستقطبت -بما بشَّرت به من ادعاءات- بني مالك برئاسة وكيع بن مالك، وبني يربوع بزعامة مالك بن نويرة[6]. استغلَّ مالك بن نويرة هذه القوَّة للقضاء على خصومه من عشائر بني تميم، فصرفها عن مهاجمة المدينة وأقنعها بمهاجمة بني الرباب، غير أنَّها منيت بهزيمةٍ قاسيةٍ وتكبَّد الطرفان خسائر فادحة ممَّا دفعهما إلى التفاهم وتبادل الأسرى[7]، ونتيجةً لهذا الفشل انفصل مالك بن نويرة عنها.
سجاح بنت الحارث التميمي
المرأة العربية قبل الإسلام كانت تتبوأ مكانة هامة في التنظيم الاجتماعي…
الشاهد على ذلك، عدد من المؤشرات الدالة والرمزيات الواضحة، كتأنيث الآلهة، وكذلك تقلد المرأة لوظيفة الكهانة وأخيرا من خلال النموذج الأبرز لرئاسة المرأة الدينية والسياسية، والمتمثل في شخصية سجاح بنت الحارث التميمية. عبد الهادي دهراوي
تابعنا في الجزء الأول من هذا الملف، كيف حاولت مؤسسة الفقه الإسلامي، بناء تأويل إيديولوجي يكرس تلك الصورة الناقصة للمرأة…
في الجزء الثاني ، عملنا على تقديم بعض من سيرة المكانة المتميزة للنساء عند عرب ما قبل الإسلام. مكانة، وصلت حد عبادة آلهة إناث. في هذا الجزء الثالث والأخير، نتوقف عند أثر أساسي يؤكد المكانة المتميزة للمرأة العربية قبل الإسلام، وهو كهانة النساء، كما نقتفي بعضا من سيرة سجاح، متنبية العرب التي … اتبعها كثير من الرجال. من المعلوم أن نافذتنا الأساسية على أخبار المجتمع العربي قبل الإسلام، هي ما جاء في القرآن والتفاسير وكتب التراث عامة. أما الآثار المادية عن تلك المرحلة، فهي قليلة جدا إن لم نقل منعدمة. لذلك، فإننا مضطرون للاعتماد كليا على تلك المصادر التراثية رغم أنها لا تعدو أن تكون مرويات لا دليل عليها.
وافقت سجاح على هذا العرض، ويقال أنه لما خلا بها سألها عما يوحى لها، فقالت له وهل يمكن أن تتحدث النساء قبل الرجال أخبرني أنت بما يوحى لك، فقال لها لقد أنزل علي مثل ما أنزل على نبي قريش، فطلبت منه أن يسمعها منه شيئًا فألف سجعًا من عنده تلاه عليها، ثم عرض عليها أن يتزوجها وأن يتحدا معًا ويهزما معًا العرب. وافقت سجاح على الزواج منه وقد مكثت سجاح عنده ثلاثة ليالي، ثم عادت إلى قومها فسألوها عن المهر الذي أعطاه لها الكذاب. فلما أخبرتهم أنها لم تتفق معه على مهر، قالوا لها كيف تتزوج نبية في مقام سجاح بدون صداق، فأرسلت له تطلب منه مهرًا مناسبًا لها، فبعث يخبرها أن تخبر قومها أن مسيلمة بن حبيب رسول الله قد وضع عنكم صلاتين من الصلوات التي أنزلت على سيدنا محمد وهما الفجر والعشاء، كما أنه لعنه الله قد أحل لهم الخمر والزنا، ويقال أنه أخبرهم أنه وضع عنهم صلاة العصر أيضًا لمدة عشرين عامًا. وكان هذا الكذاب من قبل قد شرع لقومه أن يتزوج الرجل الأعزب منهم من سيدة واحدة حتى تضع له مولودًا، فإذا كان هذا المولود ذكر فيحرم عليه النساء حتى إذا مات هذا الذكر فيحق له الزواج ما شاء حتى تضع له سيدة ذكرًا أخر. وفي تلك الفترة كان خالد بن الوليد قد اقترب من اليمامة وأوشك على قتال الكذاب، فلما علمت سجاح بذلك خرجت من اليمامة وذهبت إلى قومها في بني تميم، وكانت تحمل معها نصف أموال الزكاة التي أخذتها من مسيلمة.