تفسير سورة الفلق
[ وهي] مكية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ( 1) مِنْ
شَرِّ مَا خَلَقَ ( 2)
وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ( 3)
وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ( 4)
وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ( 5). أي: ( قل)
متعوذًا ( أَعُوذُ) أي: ألجأ وألوذ، وأعتصم (
بِرَبِّ الْفَلَقِ) أي: فالق الحب والنوى، وفالق
الإصباح. القرآن الكريم - التحرير والتنوير لابن عاشور - تفسير سورة الرحمن - الآية 6. ( مِنْ
شَرِّ مَا خَلَقَ) وهذا يشمل جميع ما خلق الله،
من إنس، وجن، وحيوانات، فيستعاذ بخالقها، من الشر الذي فيها، ثم خص بعد ما عم،
فقال: ( وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) أي: من
شر ما يكون في الليل، حين يغشى الناس، وتنتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة،
والحيوانات المؤذية. ( وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ
فِي الْعُقَدِ) أي: ومن شر السواحر، اللاتي
يستعن على سحرهن بالنفث في العقد، التي يعقدنها على السحر. ( وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا
حَسَدَ) والحاسد، هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في
زوالها بما يقدر عليه من الأسباب، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره، وإبطال
كيده، ويدخل في الحاسد العاين، لأنه لا تصدر العين إلا من حاسد شرير الطبع، خبيث
النفس، فهذه السورة، تضمنت الاستعاذة من جميع أنواع الشرور، عمومًا وخصوصًا.
- القرآن الكريم - التحرير والتنوير لابن عاشور - تفسير سورة الرحمن - الآية 6
القرآن الكريم - التحرير والتنوير لابن عاشور - تفسير سورة الرحمن - الآية 6
وقوله:
{ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}
أي: طهر نفسه من الذنوب، ونقاها من العيوب، ورقاها بطاعة الله، وعلاها
بالعلم النافع والعمل الصالح. { وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}
أي: أخفى نفسه الكريمة، التي ليست حقيقة بقمعها وإخفائها، بالتدنس
بالرذائل، والدنو من العيوب، والاقتراف للذنوب، وترك ما يكملها وينميها،
واستعمال ما يشينها ويدسيها. { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}
أي: بسبب طغيانها وترفعها عن الحق، وعتوها على رسل الله
{ إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا}
أي: أشقى القبيلة، [وهو] " قدار بن سالف " لعقرها حين اتفقوا على ذلك،
وأمروه فأتمر لهم. { فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ}
صالح عليه السلام محذرًا:
{ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}
أي: احذروا عقر ناقة الله، التي جعلها لكم آية عظيمة، ولا تقابلوا نعمة
الله عليكم بسقي لبنها أن تعقروها، فكذبوا نبيهم صالحًا. { فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ}
أي: دمر عليهم وعمهم بعقابه، وأرسل عليهم الصيحة من فوقهم، والرجفة من
تحتهم، فأصبحوا جاثمين على ركبهم، لا تجد منهم داعيًا ولا مجيبا. { فَسَوَّاهَا}
عليهم أي: سوى بينهم بالعقوبة
{ وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا}
أي: تبعتها.
لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ (1) يقسم تعالى { بِهَذَا الْبَلَدِ} الأمين، الذي هو مكة المكرمة، أفضل البلدان على الإطلاق، خصوصًا وقت حلول الرسول صلى الله عليه وسلم فيها.