تاريخ النشر: الأربعاء 8 محرم 1437 هـ - 21-10-2015 م
التقييم:
رقم الفتوى: 310930
55836
0
216
السؤال
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ـ علمت أن الله سبحانه لم يقدر الذنوب على بني آدم، وإنما جعل لهم الحرية والاختيار، وعندما قرأت الجزء الأخير من هذا الحديث حصل لي التباس، فهل معنى الجزء الأخير أننا لو لم نذنب لجاء الله بقوم يذنبون: أي يكتب عليهم الذنب فيقع منهم؟ أم لها تفسير آخر؟ وما هو شرح الحديث؟ وهل يقصد به أننا لو لم نستغفر بعد الذنب لذهب الله بنا وجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون؟. وشكرا. الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكل ما يفعل العبد من حسنة أو سيئة، وطاعة أو معصية، إنما هو بقضاء الله وقدره، والإيمان بذلك ركن من أركان الإيمان، ولا يتنافى هذا مع كون المخطئ يستحق اللوم والعقاب، وكذلك لا يتنافى مع كونه فاعلا مختارا، فإن الله تعالى خلق للعبد إرادة، ووهبه عقلا، وأعطاه قدرة بها يكون مكتسبا لأعماله، ومستحقا للثواب أو العقاب، وقد سبق بيان بطلان الاحتجاج بالقدر على اقتراف المعاصي، في الفتاوى التالية أرقامها: 8653 ، 38356 ، 49314 ، 68606 ، 47098.
- معني والذي نفسي بيده لتامرن
- معني والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا
- معني والذي نفسي بيده لا يومن احدكم
معني والذي نفسي بيده لتامرن
وفضائل هذا الصحابي الجليل وخصاله أكثر من أن تُعدّ وتُحصى، بيد أنها انضوت كلّها داخل جسدٍ صغير ذي قامةٍ نحيلة لم تزل موضع عجبٍ وتساؤل، واستغراب وتندّر، وكانت له في ذلك قصّة!. تروي لنا كتب السير أن ابن أم عبد -كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقّبه- اشتهى عوداً من أراك ليُطهّر به فمه، فيجتمع له نقاء الظاهر وصفاء الباطن، خصوصاً أثناء قراءته لكتاب ربّه آناء الليل وأطراف النهار. معنى فوالذي نفسي بيده - سؤال وجواب. والحصول على الأراك كان يتطلّب بطبيعة الحال صعوداً فوق الشجرة حتى يتخيّر الأنسب والأفضل، فكان أن ارتقى رضي الله عنه الشجرة مستعيناً بساقيه الدقيقتين ويديه الضعيفتين، وبينما هو كذلك إذ هاجت الريح واشتدّ هبوبها حتى كادت أن تسقطه من العلو، وظلّ الجو العاصف يلعب به يمنةً ويسرة. وشاهد من كان حاضراً من الصحابة ابن مسعود رضي الله عنه وهو على تلك الحال، فتضاحك بعض القوم من منظره، ولم يستحسن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ضحكهم على أخيهم، فسألهم: (مم تضحكون؟) ، فذكروا له دقّة ساقيه رضي الله عنه. ولكن هل يُقاس الناس بأشكالهم وألوانهم؟! وهل يضرّ عبدالله رضي الله عنه ضعفه ونحوله؟!! لا والله؛ فإن لصاحب تلك الساقين فضائل تُثقل الميزان، وأعمالاً تُقرّ العين، ومزايا تُبهر الألباب، جامعاً في ذلك بين جمال السيرة ونقاء السريرة.
معني والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يجتني سواكاً من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مم تضحكون؟) ، قالوا: يا نبي الله من دقة ساقيه، فقال: (والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أُحُد) ، رواه أحمد. معني والذي نفسي بيده لتامرن. وفي رواية أخرى: " فنظر أصحابه إلى حموشة ساقيه فضحكوا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما يُضحككم ؟ لَرِجْل عبد الله في الميزان أثقل من أُحُد) رواه الطبراني. معاني المفردات
يجتني سواكاً: يقطف السواك
الأراك: من شجر البوادي ويُصنع منها السواك
تكفؤه: أي تحرّكه يميناً وشمالاً
حموشة ساقيه: دقّة الساقين
تفاصيل الموقف
كان معدوم المال ولكن غني النفس، وضئيل الجسد ولكن ذائع الصيت، ومستور المكانة ومغمور الجاه، فأبدله الله بذلك كلّه شرفاً وعزّاً، وعلماً وعملاً، ومحبة في قلوب الناس،ومنزلة في نفوس المتقين. إنه الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه، صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حلّه وترحاله، وأوّل من صدح بالقرآن الكريم على رؤوس الملأ بمكّة وناله من ذلك أذىً كثيراً، وهو الذي قام بالإجهاز على أبي جهل يوم بدر وحمل رأسه إلى المسلمين ليُبشّرهم بمقتل عدوّهم.
معني والذي نفسي بيده لا يومن احدكم
وقرأت على عبد الوارث بن سفيان أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا روح قال حدثنا شعبة قال حدثنا محمد ابن زياد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحدث عن ربه قال:«كل ما يعمله ابن آدم كفارة له إلا الصوم يدع الصائم الطعام والشراب من أجلي فالصوم لي وأنا أجزي به وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك». فإن قال قائل: وما معنى قوله الصوم لي وأنا أجزي به، وقد علم أن الأعمال التي يراد بها وجه الله كلها له وهو يجزي بها، فمعناه والله أعلم: أن الصوم لا يظهر من ابن آدم في قول ولا عمل، وإنما هو نية ينطوي عليها صاحبها ولا يعلمها إلا الله، وليست مما تظهر فتكتبها الحفظة، كما تكتب الذكر والصلاة والصدقة وسائر الأعمال لأن الصوم في الشريعة ليس بالإمساك عن الطعام والشراب، لأن كل ممسك عن الطعام والشراب إذا لم ينو بذلك وجه الله، ولم يرد أداء فرضه أو التطوع لله به فليس بصائم في الشريعة، فلهذا ما قلنا إنه لا تطّلع عليه الحفظة ولا تكتبه، ولكن الله يعلمه ويجازي به على ما شاء من التضعيف. والصوم في لسان العرب أيضا: الصبر ﴿إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب﴾. معني والذي نفسي بيده لان ياخذ احدكم حبله. وقال أبو بكر بن الأنباري: الصوم يسمى صبرا لأنه حبس النفس عن المطاعم والمشارب والمناكح والشهوات.
قال أبو عمر: من الدليل على الصوم يسمى صبرا؛ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من صام شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر فكأنه صام الدهر»، يعني بشهر الصبر شهر رمضان. معنى فوالذي نفسي بيده - إدراك. وقد يسمى الصائم سائحاً، ومنه قول الله عز وجل:﴿السائحون الراكعون الساجدون﴾، يعني الصائمين المصلين، ومنه أيضا قوله:﴿قانتات تائبات عابدات سائحات﴾، فللصوم وجه من لسان العرب، وقد ذكرنا جميعها في هذا الباب والله الموفق للصواب. كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد(19/57ـ 61). طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، تحقيق: محمد بوخبزة، وسعيد أعراب1406هـ1986م.