الأمر ذاته تكرر مع الشيخ كمال عمر الذي كان أمينًا للشؤون السياسية في الاتحاد الاشتراكي في عهد الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري، الذي يصفه إبراهيم بأنه مثال حي "للاستخدام السياسي للطرق الصوفية في المعارك السياسية لأنه عجز بنظره عن أن يبني حزبًا سياسيًا يجمع الناس حوله". وفي الغالب لا تلعب الطرق الصوفية دورًا سياسيًا إلا حينما يطلب منهم ذلك ويوظفهم الساسة والحكام، هكذا أضاف رئيس مركز الدراسات السودانية، منوهًا أنه هذا ديدن السلطات والساسة الذين تعاقبوا على حكم السودان، مستعرضًا بعض التجارب التي تم توظيفهم فيها سياسيًا، من بينها استخدامهم من السلطات لمحاربة عدد من المثقفين الذين ظهروا بعد ثورة 1924، حيث جعلتهم عصا في مواجهة تزايد شعبية المثقفين وتطويقًا لجماهيريتهم التي تتسع حينها يومًا تلو الآخر. وفي السنوات الأخيرة وظفت الحكومة السودانية أقطاب الصوفية وفرقهم لمحاربة التيارات المتشددة في شتى مناحي البلاد، مستخدمة في ذلك تيار التصوف كقوة ناعمة لها ثقل ميداني ونفوذ روحي وتأثير مجتمعي في الشارع السوداني، وبالفعل حقق هذا التوظيف مآربة على أكثر من اتجاه.
كتب الطرق الصوفية في السودان - مكتبة نور
يميل الباحثون إلى تقسيم مراحل معرفة السودان بالصوفية إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى، تلك التي تندر فيها المعلومات بشأن أي ملامح صوفية في البلاد، وهو ما فسره كثيرون بأن ذلك يعني أن تلك المرحلة لم تشهد فيها الدولة أي حركة صوفية، سواء من الداخل أم الخارج، حيث كان الجميع على المذهب السني الذي دخل على يد الصحابي الجليل عبد الله بن أبي السرح رضي الله عنه الذي فتح السودان، ثم تلاه هجرات القبائل العربية. أما المرحلة الثانية، فكانت تلك التي شهد فيها المجتمع باكورة أول حضور صوفي على يد الطريقة الشاذلية، حيث نجحت في فرض نفسها وتحقيق انتشار كبير في بعض المناطق الريفية، حتى جاءت المرحلة الثالثة، التي بدأت تقريبًا أواخر القرن السابع عشر الميلادي، وظهرت فيها مؤثرات الحجاز القوية. وفي تلك المرحلة بدأت معرفة السودانيين بالعديد من المذاهب الصوفية، فظهرت السمانية والختمية والإسماعيلية وغيرها من الطرق الأخرى التي أخذت على عاتقها نشر تعاليمهم ومبادئهم وأورادهم الخاصة، ومحاولة توسعة رقعة حضورهم بالعديد من الطرق. تنتشر الصوفية في معظم ربوع البلاد بصورة كبيرة، وتتخذ كل طريقة من مدينة محددة ثقلًا لها، وبحسب الباحثين فإن عدد الفرق الصوفية في السودان يتجاوز 40 طريقة، أشهرها القادرية بفروعها المتعددة والختمية والسمانية والشاذلية والمكاشفية والمجذوبية والإدريسية الأحمدية والرشيدية والتيجانية والإسماعيلية وعدد من الطرق الثانوية.
دراويش السودان.. عن التوظيف السياسي للصوفية | نون بوست
وانتهى الأمر بسيادة المهدية، التي وبعد أربع سنوات من رفع راياتها الأربع حاملة الشهادتين واسم واحد من الأقطاب الأربعة عليها، مرفقة بعبارة: ولي الله، وصلت العام 1884م للخرطوم، ودخلتها في 26 يناير من ذلك العام، أعلنت إيقاف العمل بالطرق الصوفية المتعارف عليها في البلاد، أسوة بالمذاهب الأربعة، ففيما حكم المهدي بالعودة للكتاب وصحيح السنة وحسب، وأعلن إلغاء المذاهب، أعلن معها إيقاف الطرق الصوفية، لأنه لا حاجة للناس بالسواقي ما داموا وصلوا للنهر الكبير. وعلى كل حال، سكتت الصوفية على هذا الوضع، واندمج كثيرون في السياق المهدوي الذي عرف بالأنصار، وعملوا على تثقيف المجتمع، واختفت الصوفية كذلك عن ساحة السياسة، لتعود مع هزيمة الأنصار في موقعة كرري سبتمبر 1898م، وانتهاء المهدية. وبرز من بين الزعماء المحليين في السودان السيد علي الميرغني مرشد الطريقة الختمية، وبرز السيد عبد الرحمن ابن الإمام المهدي نفسه، ليتسيدا المشهد السياسي، تاركين الطرق الصوفية تزدهر من جديد اجتماعيا، لتظهر ثنائية سياسية: الختمية ومن خلقها الطرق الصوفية يمثلها الميرغني سياسيا، والأنصار ويمثلهم المهدي سياسيا، ليشتركوا جميعا في الاحتفالات الدينية المختلفة، حيث تغيب السياسة، ويحضر الدين والتدين الصوفي وحسب..
ولي عودة.. للموضوع من زاوية أخرى.
التصوف في السودان | طواسين للتصوف والاسلاميات
ويقول الإسناوي إن الهدف الأساسي للبشير يكمن في وأد التظاهرات الحالية عبر تصدير خطاب يدعم الاستقرار ويشجع عليه، ويحذر في مجمله من مخاطر الفوضى، وهو دور يستطيع شيوخ الصوفية القيام به نظرا للأدوار الاجتماعية التي يقومون بها في مناطق نفوذهم، وهذا ما يدفعه إلى مغازلتهم. البشير ومعضلة الأنصار
أعلن الصادق المهدي دعمه الصريح لمطلب تنحي البشير، مطالبا قوات الأمن بعدم الانجرار إلى سفك الدماء. وقال زعيم طائفة الأنصار الصوفية "نحن نؤيد الحراك الشعبي، وندعو إلى تجنب أي مظاهر للعنف المادي أو اللفظي"
إبداء أبرز شيوخ الصوفية تأييدهم للرئيس السوداني لا يعني أن هناك إجماعا، حيث أن من الطرق البالغ عددها نحو 40 طريقة، من انتصر للاحتجاجات على غرار طائفة الأنصار التي أعلنت منذ البداية عن انحيازها للشارع، وكانت محفزا لخروج الناس خاصة في معقلها الرئيسي أم درمان، المدينة التوأم للعاصمة الخرطوم، وهذا ليس غريبا عن هذه الطائفة التي يحفل تاريخها بالثورات وحركات التمرد على الأنظمة الحاكمة، وفي أحيان نجحت في فرض نفسها على رأس السلطة. وتعود تسميتها الأنصار إلى أتباع الشيخ محمد ابن عبدالله الملقب بالمهدي (1845 ـ 1885) والذي قاد الثورة المهدية ضد الحكم التركي المصري (1821 – 1880) ونجح في إنهائه ليؤسّس الدولة المهدية قبل أن تنهار على أيدي الاحتلال البريطاني.
ويشارك الاتحاد الأصل في الائتلاف الحكومي، ولم يعلن منذ اندلاع الاحتجاجات أي موقف رسمي، في ظل ضغوط من أنصاره تطالب بفك الارتباط مع النظام. حزب المؤتمر السوداني: تأسس الحزب مطلع العام 1986 باسم "حزب المؤتمر الوطني"، قبل أن تسطو جبهة الإنقاذ على التسمية، فاضطر في العام 2005 إلى تغيير اسمه إلى حزب المؤتمر السوداني بعد فشل المعركة القضائية التي خاضها. ويعد الحزب أحد أقطاب المعارضة، ورفض مرارا الانخراط في الحوارات التي دعا إليها الرئيس عمر البشير، ما أدى إلى اعتقال رئيسه السابق إبراهيم الشيخ في أكثر من مناسبة. أعلن المؤتمر السوداني تأييده الكامل للمظاهرات الحالية منذ بدايتها، فكان أن اعتقل رئيسه الحالي عمر الدقير منذ الأيام الأولى من الحراك.
لكن التحول الأبرز، والذي ترك بصمته على التصوف في السودان، كان قدوم الشيخ تاج الدين البهاري البغدادي حاملا الطريقة القادرية معه، وذلك في النصف الأخير من القرن السادس عشر الميلادي، حيث يؤرخ البعض قدومه بعام 1577م، حيث استقدمه من الحجاز الوجيه التاجر المتدين داود بن عبد الجليل، حيث وقف الشيخ البهاري طالبا ممن يريد أخذ الطريقة القادرية أن يتقدم، ويدخل معه الخيمة، ليذبحه. وأحجم الناس إلا قلة قليلة بادرت بذلك، ومن بينهم عدد من المشايخ، تقدموا، واحدا تلو الآخر، فأدخلهم الخيمة، وقام بذبحهم، بينما الجماهير تهتف في الخارج، وهي ترى الدم ينساب من تحت قماش الخيمة. وانتهى الأمر، بمبايعة سبعة مشايخ على أخذ الطريق ونشره، وتضطرب الروايات الشفاهية لكل أسرة، تقديما وتأخيرا، وإضافة وحذفا، لكن جوهر القصة هو ما أوردناه أعلاه، مع كامل التحفظ على التفاصيل، فهي موضع نقاش طويل. لعل القصة أعلاه، تفيدنا في فهم مدى ارتباط وتعلق السودانيين بالمبادئ التي يؤمنون بها، حتى لو اقتضى الأمر الموت في سبيلها، حيث لا يمكن إنكار العاطفة الجياشة التي يحملها السودانيون في دواخلهم لتلك المبادئ، فمن يجازف ليموت فقط ليحشر تحت راية الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله، بالضرورة يمكنه فعل أي شيء، وهنا نلمح مسألة في غاية الأهمية، وهي أن المتصوف في هذه الحالة، لا ينظر لمنفعة أو جاه ولو كان روحيا، بل ينظر لما ينتظره من ثواب، وما يتوقعه من شفاعة الولي الذي يعتقد بأنه وسيلته لله تعالى.
فَيَزِيدُونَ عَلَيْهِمْ فِي السِّلْعَةِ قِيمَتَهَا أَضْعَافًا، حَتَّى يَرْجِعَ إلَى أَطْفَالِهِ وَهُمْ يَتَضَاغَوْنَ مِنَ الْجَوْعِ وَلَيْسَ فِي يَدَيْهِ شَيْءٌ يُطْعِمُهُمْ بِهِ، وَيَغْدُو التُّجَّارُ عَلَى أَبِي لَهَبٍ، فَيُرْبِحَهُمْ فِيمَا اشْتَرَوْا مِنَ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ؛ حَتَّى جَهِدَ الْمُؤْمِنُونَ وَمَنْ مَعَهُمْ جَوْعًا وَعُرْيًا. انظر: السهيلي: الروض الأنف 3/217. [8] مسلم: كتاب الزهد والرقائق (2967)، وابن ماجه (4156)، وأحمد (17611). محاصرة بني هاشم في شعب أبي طالب (20). [9] الظَّلَف: الشدَّة والغلظ في المعيشة. [10] استفَّ الشيء: تناوله يابسًا. [11] ابن إسحاق: السير والمغازي ص194، الأصبهاني: حلية الأولياء 1/93، واللفظ له، والسهيلي: الروض الأنف 3/217، والذهبي: سير أعلام النبلاء 1/148، وقال محققو سير أعلام النبلاء: رجاله ثقات، إلَّا أن صالح بن كيسان، مؤدب عمر بن عبد العزيز، لم يدرك سعد بن مالك رضي الله عنه فهو منقطع. وسعيد المرصفي: الجامع الصحيح للسيرة النبوية 4/ 1367، والفالوذة: الموسوعة في صحيح السيرة النبوية (العهد المكي) ص353. [12] ابن إسحاق: السير والمغازي ص159، وابن هشام: السيرة النبوية 1/353، وابن سعد: الطبقات الكبرى 1/164، والبلاذري: أنساب الأشراف 1/233، وابن الأثير: الكامل في التاريخ 1/682، والكلاعي: الاكتفاء 1/210، وابن سيد الناس: عيون الأثر 1/147، 149، وابن كثير: البداية والنهاية 3/109.
محاصرة بني هاشم في شعب أبي طالب (20)
أبو طالب الحارس الأمني:
وفي المقابل، من أجل حماية النبي (ص) قام أبو طالب بعد فرض الحصار عليهم ودخولهم الشعب بالإجراءات والتدابير الأتية:
أولا: تحصين الشعب وحراسته في الليل والنهار، فكان أبو طالب يتولى حراسته هو وحمزة وغيرهما من بني هاشم على مدار الساعة، خوفا من تسلل أحد من المشركين ووصوله إلى النبي (ص) ليغتاله على حين غفلة. ثانيا: نقل النبي (ص) من مكانه الذي ينام فيه إلى مكان أخر كإجراء أمني للحفاظ على سلامته. فقد كان أبو طالب يأمر الرسول أمام الناس بأن ينام في مكان معين، حتى إذا الجميع علم مكان مبيت الرسول، كان أبو طالب يعود عند نيام الجميع ويوقظ النبي (ص) من مكانه ويأمر أحد أبنائه، مثل علي (ع)، بالنوم مكان الرسول، ومن ثم يأخذ الرسول إلى مكان أخر لينام فيه. وهذا الإجراء كان لو قدر لأحد اغتيال النبي (ص) يصيب أحد أولاد أبي طالب فيسلم النبي. ويقول المؤرخون عن الأوضاع التي عاشها المسلمون خلال مدة الحصار، إنهم كانوا ينفقون من أموال السيدة حديجة (عليها السلام) وأموال أبي طالب حتى نفد. وكانوا يأكلون مما ادخروه أيضاً، ومما كان يصلهم بشكل سري من وقت لأخر. ولقد كان الإمام علي (ع) يأتيهم بالطعام سراً من مكة، ولو أن المشركين علموا به لقتلوه حتماً، لأنهم لم يكونوا ليسمحوا لأحد خرق الحصار وإمداد المسلمين بالطعام والزاد.
وذلك سنة عشر من بعثته صلى الله عليه وسلم كما ذكر ذلك غير واحد من أهل السير، ويذكر أهل السير أنه بعد هذه الحادثة تعاقد نفر من عقلاء قريش على نقض هذه الصحيفة وسعوا في ذلك حتى حصل، وهؤلاء النفر هم: هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي، وزهير بن أبي أمية المخزومي، وأبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، والمطعم بن عدي. والله أعلم.