واستثني من عموم النهي القتل المصاحب للحق ، أي الذي يشهد الحق أن نفساً معينة استحقت الإعدام من المجتمع ، وهذا مجمل يفسره في وقت النزول ما هو معروف من أحكام القَود على وجه الإجمال. ولما كانت هذه الآيات سيقت مساق التشريع للأمة وإشعاراً بأن سيَكون في الأمة قضاء وحُكم فيما يستقبل أبقي مجملاً حتى تفسره الأحكام المستأنفة من بعد ، مثل آية وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ إلى قوله: { وأعد له عذاباً عظيماً} [ النساء: 92 93]. {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق}. فالباء في قوله: بالحق} للمصاحبة ، وهي متعلّقة بمعنى الاستثناء ، أي إلا قتلاً ملابساً للحق. والحق بمعنى العدل ، أو بمعنى الاستحقاق ، أي حَق القتل ، كما في الحديث: » " فإذا قالوها ( أي لا إله إلا الله) عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ". ولما كان الخطاب بالنهي لجميع الأمة كما دل عليه الفعل في سياق النهي كان تعيين الحق المبيح لقتل النفس موكولاً إلى من لهم تعيين الحقوق. ولما كانت هذه الآية نازلة قبل الهجرة فتعيين الحق يجري على ما هو متعارف بين القبائل ، وهو ما سيذكر في قوله تعالى عقب هذا: { ومن قتل مظلوماً} الآية. وحين كان المسلمون وقت نزول هذه الآية مختلطين في مكة بالمشركين ولم يكن المشركون أهلاً للثقة بهم في الطاعة للشرائع العادلة ، وكان قد يعرض أن يعتدي أحد المشركين على أحد المسلمين بالقتل ظلماً أمر الله المسلمين بأن المظلوم لا يظلِم ، فقال: { ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطانا} أي قد جَعل لولي المقتول تصرفاً في القاتل بالقود أو الدية.
- ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق - صحيفة الأيام البحرينية
- {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق}
ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق - صحيفة الأيام البحرينية
اعتداء على قرار الله
كذلك أيضاً يتضح أن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق فيه اعتداء على هذا القرار الإلهي بالأجل الذي حدده الله تعالى للجنين وهو لا يزال في بطن أمه، والقرار في علم الله سابق على ذلك؛ لأن الزمن الذي يحدنا به الخالق سبحانه وتعالى هو من خلق الله، والمخلوق لا يحد خالقه أبداً لا يحد أوامره أو أقواله أو أفعاله، وعلم الله محيط بكل مقتول بحق أو بغير حق، ولكن ذلك ليس مبرراً لقتله بغير حق. أما المقتول بحق وهو داخل في علم الله كذلك فقد حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله الشريف: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة ". ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق - صحيفة الأيام البحرينية. (متفق عليه)
ومن هنا لا يجوز قتل المسلم الذي لم يقترف شيئا من هذه الجرائم المحرمة تحريماً قطعياً، والتي اعتبرها الرسول- صلى الله عليه وسلم- من الكبائر. والأصل في الشريعة الإسلامية أن يعاقب الجاني بالقصاص على القتل العمد سواء كان القتل مقترناً بسبق الإصرار والترصد أو غير مقترن، ولا تجيز الشريعة للقاضي أن يخفف العقوبة بأن يستبدل بها غيرها، ولكنها تجيز لولي المجني عليه أن يعفو عن القصاص إما على الدية أو بدون مقابل، أما القتل الخطأ فعقوبته في الشريعة الإسلامية الدية والكفارة فقط دون تعزير.
{ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق}
والمعاهَد من له عهد مع المسلمين؛ سواء أكان بعقد جزية، أو هدنة من سلطان، أو أمان مسلم. قال ابن القيم: هذه عقوبة قاتل عدوِّ اللَّه إذا كان معاهَدًا في عهد وأمان، فكيف بعقوبة قاتل عبده المؤمن؟! وإذا كانت امرأة قد دخلت النار في هِرَّة حبَسَتْها حتى ماتَتْ جوعًا وعطشًا فرآها النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في النار والهِرَّةُ تخدشها في وجهها وصَدْرها، فكيف بعقوبة من حبس مؤمنًا حتى مات بغير جُرْم؟! وفي سنن النسائي من حديث عبداللَّه بن عمرو رضي اللهُ عنهما أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ))، وروى البخاري في صحيحه من حديث عبداللَّه بن عمر رضي اللهُ عنهما أنه قال: ((إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ)). أيها المسلمون، لقد كثُرتْ حوادث القتل في وقتنا المعاصر للأسف، وقد حذَّر النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُمَّتَه من ذلك غاية التحذير؛ فقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي بكرة أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ))، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: ((إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ))، وروى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ)).
قائمة بأكثر القراء إستماعاً المزيد من القراء
119214
726253
77867
687543
72038
655825
74977
647491
67747
631833
59261
605962
استمع بالقراءات
الآية رقم ( 259) من سورة البقرة برواية:
جميع الحقوق محفوظة لموقع ن للقرآن وعلومه ( 2022 - 2005)
اتفاقية الخدمة
وثيقة الخصوصية