قال القرطبي: "وهذا قول شاذ، خارج عن قول العلماء، وإن كان عموم الآية يقتضيه فالسنة الثابتة بخلافة". الثاني: الذي يجب اعتزاله ما بين السرة إلى الركبة، وهذا مذهب الحنفية والمالكية. واحتجوا لقولهم بما روي عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (كنتُ أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، كلانا جنب، وكان يأمرني فأتزر فيباشرني، وأنا حائض) رواه البخاري. وبما روي عن ميمونة رضي الله عنها، قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر نساءه فوق الإزار وهنّ حيّض) رواه مسلم. الثالث: الذي يجب اعتزاله موضع الأذى وهو الفرج فقط، وهذا مذهب الشافعية. واستدلوا لمذهبهم بقوله صلى الله عليه وسلم: ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح) رواه مسلم. يسألونك عن المحيض. وبما روي عن مسروق قال: سألت عائشة ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً؟ قالت: (كل شيء إلا الجماع) رواه عبد الرزاق في "مصنفه". وقد رجح الإمام الطبري ثاني الأقوال، فقال: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: إن للرجل من امرأته الحائض ما فوق المؤتزر ودونه". والعلة أن السماح بالمباشرة فيما بين السرة إلى الركبة قد تؤدي إلى المحظور؛ لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، فالاحتياط أن نبعده عن منطقة الحظر.
لقد كان من حكمة التشريع، أن وضَع الإسلامُ الحائضَ في موضع خفَّف عنها من أعباء التكاليف الدينية؛ رعاية لظروفها الصحية، وتقديرًا لِما تمر به من فترة آلام في حياتها، لقد أسقط عنها الإسلام الصلاة مثلاً، لكن يجمل أن نشير إلى بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالحائض لتمام الفائدة:
أن الشريعة الإسلامية كما ورد في كتاب القدوري الحنفي:
أولاً: قد أسقطت عنها الصلاة، فلا تقضيها بعد طُهرها؛ دفعًا للمشقة عنها؛ ذلك أن الصلاة يكثر تكرارها. ثانيًا: وحرَّمت عليها الصوم، ولو أنها تقضي أيام فطرها بعد أيام رمضان؛ ذلك أن الصيام إنما يكون في العام مرة، وليس في قضائها ما فاتها منه بسبب حيضها مشقةٌ تلحقها. ثالثًا: وحرمت الشريعة كذلك على الحائض أن تدخل المسجد. رابعًا: وحرمت عليها كذلك أن تطوف بالبيت الحرام معتمرةً أو حاجة أو متطوعة. خامسًا: كما حرمت الشريعة على الحائض أن تسمح لزوجها بقربانها. سادسًا: وحرمت الشريعة عليها أيضًا قراءة القرآن. ثم نأتي أخيرًا إلى القول: إن الناظر إلى لفظ (أذى) في الآية الكريمة، هذا اللفظ الوجيز الجامع المانع، من هذه الآية المعجزة، يستطيع أن يرى كم ضمَّ من مختلف المعاني، وكم حوى من صنوف الأغراض، ولتبين له بما لا يدع مجالاً للشك مدى إعجاز وبلاغة القرآن الكريم: التي لا تزال من أكبر خصائصه على مر الأيام، مهما تقدم العلم وارتقت البحوث الطبية؛ ذلك أن القرآنَ قد سبق العلم والطب إلى ما بذلا من أجله الجهد، وغاية الوسع، فما وصل إليه العلم والطب الآن قد انتهى منه القرآن من أربعة عشر قرنًا من الزمان، وذلك ما يؤكد أن القرآن بما حواه من إعجاز عِلمي إنما هو ﴿ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42].
(فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) أي: اغتسلن بالماء. (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) أي: فجامعوهن في المكان الذي أمركم الله بإتيانهن فيه وأحله لكم وهو الفرج كما قال تعالى (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) ، وقيل: طاهرات غير حيّض. • قال ابن عاشور: وقوله (فأتوهن) الأمر هنا للإباحة لا محالة لوقوعه عقب النهي مثل (وإذا حللتم فاصطادوا). (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) تعليل لما سبق من الأمر باعتزال النساء في المحيض وعدم جماعهن حتى يطهرن. والتوابين جمع تواب على وزن (فعال) صيغة مبالغة تفيد الكثرة. والتوبة هي الإنابة والرجوع إلى الله، من معصيته إلى طاعته. • وفي الآية فضل عظيم للتوبة. عن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سمعْتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول (والله إنِّي لأَسْتَغْفِرُ الله وأَتُوبُ إِلَيْه في اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّة). رواه البخاري وعن الأَغَرِّ بنِ يسار المزنِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلى اللهِ واسْتَغْفِرُوهُ، فإنِّي أتُوبُ في اليَومِ مئةَ مَرَّة).
والسؤال ما يزال حيا يرزق!!! !