والسَّادسُ: رَجُلٌ تَصدَّق صَدقةَ التَّطوُّعِ، فبالَغَ في إخفاءِ صَدقتِه، وسَتَرَها عن كُلِّ شَيءٍ حتَّى عن نفْسِه، فلا تَعلمُ شِمالُه ما تُنفِقُ يمينُه، وإنَّما ذَكَرَ اليمينَ والشِّمالَ للمُبالَغةِ في الإخفاءِ والإسرارِ بالصدقةِ، وضرَبَ المَثَلَ بهما لقُربِ اليَمينِ مِن الشِّمالِ ولملازمتِهما، ومعنى المَثَلِ: لو كان شِمالُه رَجُلًا مُتيَقِّظًا ما عَلِمَها؛ لمُبالَغتِه في الإخفاءِ، وهذا هو الأفضلُ في الصَّدقةِ، والأبعدُ مِن الرِّياءِ، وإنْ كان يُشرَعُ الجَهرُ بالصَّدقةِ والزكاةِ إنْ سَلِمَتْ عن الرِّياءِ، وقُصِدَ بها حثُّ الغَيرِ على الإنفاقِ، وليَقتدِيَ به غيرُه، ولإظهارِ شَعائرِ الإسلامِ. والسَّابعُ: رَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ بلِسانِه خاليًا، أو تَذكَّر بقَلْبِه عَظَمةَ اللهِ تعالَى ولِقاءَه، ووُقوفَه بيْن يَدَيه، ومُحاسبتَه على أعمالِه، حالَ كَونِه خاليًا مُنفرِدًا عن النَّاسِ؛ لأنَّه حِينَها يكونُ أبعَدَ عن الرِّياءِ، وقيل: خاليًا بقلْبِه مِن الالتِفاتِ لغَيرِ اللهِ حتَّى ولو كان بيْنَ الناسِ، فَسالَت دُموعُه خَوفًا مِن اللهِ تعالَى.
حديث سبعة يظلهم الله في ظله
أحاديث
رياض الصالحين: باب الوالي العادل
قال
الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: ٩٠]. وقال
تعالى: ﴿ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الحجرات: ٩]. سبعة يظلهم الله في ظله يوم القيامة. ٦٦٤
- وعن أبي هُريرة - رضي الله عنه - عن النبي ﷺ
قال: « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَومَ
لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إمَامٌ عَدْلٌ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ
تَعَالَى، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في
اللَّهِ، اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ دَعَتْهُ أمراه ذَاتُ مَنْصِبٍ
وجَمَالٍ فَقالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا
حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ
خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ » متفقٌ عليه. ٦٦٥
- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله ﷺ: « إنَّ المُقْسِطِينَ
عِنْدَ اللهِ علَى مَنابِرَ مِن نُورٍ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ
وأَهْلِيهِمْ وما ولُوا » رواه مسلم.
الأول:
إمام عادل: بدأ بالإمام العادل الذي يعدل بين الناس، وأهم عدل في الإمام أن يحكم
بين الناس بشريعة الله؛ لأن شريعة الله هي العدل، وأما من حكم بالقوانين الوضعية
المخالفة للشريعة؛ فهو من أشد الولاة جورًا - والعياذ بالله - وأبعد الناس من أن
يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ لأنه ليس من العدل أن تحكم بين عباد الله
بشريعة غير شريعة الله، من جعل لك هذا؟ احكم بين الناس بشريعة ربهم - عزّ وجلّ -
فأعظم ما يدخل في ذلك أن يحكم الإمام بشريعة الله. ومن
ذلك أن يقتص الحق حتى من نفسه ومن أقرب الناس إليه؛ لقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ
بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ﴾ [النساء: ١٣٥]، ومن ذلك أيضًا: ألا يفرق
بين قريبه وغيره، فتجده إذا كان الحق على القريب تهاون في تنفيذه وجعل يسوف ويؤخر،
وإذا كان لقريبه على غيره بادر فاقتص منه. حديث سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. فإن هذا ليس من العدل، والعدل في ولي
الأمر له فروع كثيرة وأنواع كثيرة لا يتسع المقام الآن لذكرها، فنسأل الله تعالى
أن يوفق المسلمين لأئمة عادلين يحكمون فيهم بكتاب الله وبشريعته التي اختارها
لعباده. أما
الثاني فهو: « شاب نشأ في طاعة الله »، الشاب
صغير السن الذي نشأ في طاعة الله واستمر على ذلك، هذا أيضًا ممن يظلهم الله في ظله
يوم لا ظل إلا ظله؛ لأنه ليس له صبوة، والغالب أن الشاب يكون لهم صبوة وميل
وانحراف، ولكن إذا كان هذا الشاب نشأ في طاعة الله، ولم يكن له ميل ولا انحراف واستمر
على هذا؛ فإن الله تعالى يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
1576 ( 132) في قوله تعالى: لا يحل لك النساء من بعد. ( 1) حدثنا أبو بكر عن جرير عن منصور عن أبي رزين في قوله: لا يحل لك النساء من بعد قال: من لا تحل لك من المشركات إلا ما سبيت أو ما ملكت يمينك. ( 2) حدثنا ابن إدريس عن ليث عن مجاهد قال: من مسلمة ولا نصرانية ولا كافرة. ( 3) حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: لا يحل لك النساء من بعد قال: نساء الأمم من أهل الكتاب. ( 4) حدثنا وكيع عن سفيان عن علي بن خزيمة قال سمعت مجاهدا يقول: لا يحل لك النساء من بعد قال: من بعد هذا السبب. لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج - الآية 52 سورة الأحزاب. ( 5) حدثنا ابن إدريس عن داود بن أبي هند عن محمد بن أبي موسى عن زياد قال قلت لأبي: ولو هلك أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أحل له أن يتزوج النبي ؟ قال: ومن يمنعه ؟ أحل الله له ضربا من النساء فكان يتزوج منهن من شاء ، ثم تلا هذه الآية: يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي حتى ختم الآية. ( 6) حدثنا ابن عيينة عن عمرو عن عطاء عن عائشة قالت: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له النساء [ ص: 375]
( 7) حدثنا أبو معاوية عن ابن جريج عن عطاء: ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن قال: لا تبدل بهن يهوديات ولا نصرانيات.
لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج - الآية 52 سورة الأحزاب
وقال عكرمة: ( لا يحل لك النساء من بعد) أي: التي سمى الله. واختار ابن جرير ، رحمه الله ، أن الآية عامة فيمن ذكر من أصناف النساء ، وفي النساء اللواتي في عصمته وكن تسعا. وهذا الذي قاله جيد ، ولعله مراد كثير ممن حكينا عنه من السلف; فإن كثيرا منهم روي عنه هذا وهذا ، ولا منافاة ، والله أعلم. ثم أورد ابن جرير على نفسه ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها ، وعزم على فراق سودة حتى وهبته يومها لعائشة ، ثم أجاب بأن هذا كان قبل نزول قوله: ( لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن) ، وهذا الذي قاله من أن هذا كان قبل نزول الآية صحيح ، ولكن لا يحتاج إلى ذلك; فإن الآية إنما دلت على أنه لا يتزوج بمن عدا اللواتي في عصمته ، وأنه لا يستبدل بهن غيرهن ، ولا يدل ذلك على أنه لا يطلق واحدة منهن من غير استبدال ، والله أعلم. إسلام ويب - زهرة التفاسير - تفسير سورة النساء - تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها- الجزء رقم3. فأما قضية سودة ففي الصحيح عن عائشة ، رضي الله عنها ، وهي سبب نزول قوله تعالى: ( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا [ والصلح خير]) الآية [ النساء: 128]. وأما قضية حفصة فروى أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه ، من طرق عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن صالح بن صالح بن حي عن سلمة أن ابن كهيل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن عمر; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها.
{ لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [ الأحزاب 52]
لمن يلقي شبهة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه و سلم أو يتشرب هذه الشبهة عليه أن يتأمل هذا الحكم الخاص بتحريم زواج النبي صلى الله عليه و سلم بأخرى حتى لو ماتت جميع نسائه. إكراماً لأمهات المؤمنين قصر الله رسوله صلى الله عليه و سلم عليهن فحرم الله على نبيه صلى الله عليه و سلم الزواج من أخرى حتى لو أعجبه حسنها كما حرم عليه أن يطلق إحداهن ليتزوج غيرها ممن أعجبنه. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الأحزاب - الآية 52. فلو كان التشريع من عند محمد صلى الله عليه و سلم لما ضيق على نفسه في هذا الأمر تحسباً لأي طاريء قد يطرأ, ولكنه تنزيل من حكيم عليم, يعلم الغيب ويحكم بين عباده بما يرى سبحانه, وله الحكمة البالغة في تشريعه وأحكامه. { لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [ الأحزاب 52] قال السعدي في تفسيره: وهذا شكر من اللّه، الذي لم يزل شكورًا، لزوجات رسوله، رضي اللّه عنهن، حيث اخترن اللّه ورسوله، والدار الآخرة، أن رحمهن، وقصر رسوله عليهن فقال: { { لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ}} زوجاتك الموجودات { { وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ}} أي: ولا تطلق بعضهن، فتأخذ بدلها.
إسلام ويب - زهرة التفاسير - تفسير سورة النساء - تفسير قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها- الجزء رقم3
[ ص: 200] السابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حلال أن يتزوج من شاء ثم نسخ ذلك. قال: وكذلك كانت الأنبياء قبله صلى الله عليه وسلم; قاله محمد بن كعب القرظي. الثانية: قوله تعالى: ولا أن تبدل بهن من أزواج قال ابن زيد: هذا شيء كانت العرب تفعله ، يقول أحدهم: خذ زوجتي وأعطني زوجتك ، روى الدارقطني عن أبي هريرة قال: كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل: انزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وأزيدك ، فأنزل الله عز وجل ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن قال: فدخل عيينة بن حصن الفزاري على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة ، فدخل بغير إذن ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عيينة فأين الاستئذان ؟ فقال: يا رسول الله ، ما استأذنت على رجل من مضر منذ أدركت. قال: من هذه الحميراء إلى جنبك ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه عائشة أم المؤمنين قال: أفلا أنزل لك عن أحسن الخلق. لا يحل لك النساء من بعد ولا ان تبدل. فقال: يا عيينة ، إن الله قد حرم ذلك. قال فلما خرج قالت عائشة: يا رسول الله ، من هذا ؟ قال: أحمق مطاع وإنه على ما ترين لسيد قومه. وقد أنكر الطبري والنحاس وغيرهما ما حكاه ابن زيد عن العرب ، من أنها كانت تبادل بأزواجها.
وكان الله على كل شيء رقيبًا، لا يغيب عنه علم شيء.
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الأحزاب - الآية 52
لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا (52) ذكر غير واحد من العلماء - كابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وابن زيد ، وابن جرير ، وغيرهم - أن هذه الآية نزلت مجازاة لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ورضا عنهن ، على حسن صنيعهن في اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة ، لما خيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما تقدم في الآية. فلما اخترن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان جزاؤهن أن [ الله] قصره عليهن ، وحرم عليه أن يتزوج بغيرهن ، أو يستبدل بهن أزواجا غيرهن ، ولو أعجبه حسنهن إلا الإماء والسراري فلا حجر عليه فيهن. ثم إنه تعالى رفع عنه الحجر في ذلك ونسخ حكم هذه الآية ، وأباح له التزوج ، ولكن لم يقع منه بعد ذلك تزوج لتكون المنة للرسول صلى الله عليه وسلم عليهن. قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له النساء. ورواه أيضا من حديث ابن جريج ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن عائشة.
:
19- باب في الرجل ينظر إلى المرأة وهو يريد تزويجها
2082ـ حدثنا مسدد، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا محمد بن إسحاق، عن داود بن حصين، عن واقد بن عبد الرحمن يعني ابن سعد بن معاذ عن جابر بن عبد اللّه قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إذا خطب أحدكم المرأة، فإِن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل" قال: فخطبت جاريةً فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها [وتزَوُّجِها] فتزوجتها. مستشار/أحمد عبده ماهر
محام بالنقض وباحث إسلامي
نرجو متابعتنا على فيسبوك وتويتر بالضغط على الايقونتين
Tweet to @MufakerLiberal