وذَكَرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - صِنْفًا آخَرَ يستحقُّ ذلك التَّكريم، وهو الذي ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضت عينَاهُ. وعن معاذٍ - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الجاهِرُ بالقرآن كالجَاهِرِ بالصَّدَقَة، والمُسِرُّ بالقرآن كالمُسِرِّ بالصَّدَقَة)) [6]. وعن عبد الله بن جعفر، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((صَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غضبَ الرَّبِّ)) [7]. إن تبدوا الصدقات فنعما هي اعراب. قال العِزُّ بنُ عبدالسَّلام في تفاوُتِ فضلِ الإسرار والإعلان بالطَّاعات: "فإن قيل: هلِ الإخفاءُ أفضلُ من الإعلان؛ لما فيه من اجتناب الرِّياء، أو لا؟ فالجوابُ: أن الطَّاعات ثلاثةُ أَضْرُبٍ: أحدها: ما شُرِعَ مجهورًا، كالأذان والإقامة والتَّكبير، والجَهْر بالقراءة في الصَّلاة والخُطَبِ الشرعية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الجمعة والجماعات، وغير ذلك، فهذا لا يُمكن إخفاؤه، فإن خاف فاعِلُه الرِّياءَ؛ جاهَدَ نفسَهُ في دَفْعِهِ إلى أن تحضره نيَّةُ الإخلاص، فيأتي به مُخْلَصًا كما شُرِعَ؛ فيَحْصُل على أَجْرِ ذلك الفعل، وعلى أَجْرِ المُجاهِد؛ لما فيه من المصلحة المتعدِّية. الثاني: ما يكون إسرارُهُ خيرًا من إعلانه، كإسرار القراءة في الصلاة، وإسرار أَذْكارها، فهذا إسرارُهُ خيرٌ من إعلانه.
إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة البقرة - قوله تعالى إن تبدوا الصدقات فنعما هي- الجزء رقم2
وقال محمد بن إسحاق: "كان ناسٌ من المدينة يعيشون، لا يدرون من أين معاشُهُم، فلمَّا مات عليُّ بن الحسين، فقدوا ذلك الذي كانوا يُؤتَوْن بالليل"، وقال بعضهم: "ما فقدْنا صَدَقَةَ السِّرِّ حتى توفِّيَ عليٌّ" [10]. تفسير إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم [ البقرة: 271]. ونقل المُنذِرُ بن سعيد عن جاريةٍ للرَّبيع: "إنَّه كان يدخل عليه الدَّاخِل وفي حِجْرِهِ المصحف فيغطيه" [11]. وذكر ابن الجوزي: أنَّ داودَ بن أبي هند صام عشرين سنةً، ولم يعلم به أهله؛ كان يأخذ غدَاءَهُ ويخرج إلى السوق، فيَتَصَدَّق به في الطَّريق، فأهل السوق يظنُّون أنه قد أكل في البيت، وأهل البيت يظنُّون أنَّه قد أكل في السُّوق. قال الشافعيُّ - رحمه الله -: "وَدِدْتُ أنَّ النَّاسَ تعلَّموا هذا العِلْم، ولم يُنْسَبْ إليَّ منه شيءٌ" [12]. وقال الحسنُ - رحمه الله -: "إنْ كان الرَّجل لَقد جَمَعَ القرآنَ وما يشعر به الناس، وإن كان الرَّجل لَقد فَقُهَ الفِقْهَ الكثيرَ وما يشعر به الناس، وإن كان الرَّجل لَيُصَلِّي الصلاةَ الطويلةَ في بيته، وعنده الزُّوَّرُ وما يشعرون به، ولقد أدركتُ أقوامًا ما كان على الأرض من عملٍ يقدرون أن يعملوه في السِّرِّ فيكون علانيةً أبدًا، لقد كان المسلمون يجتهدون في الدُّعاء وما يُسْمَعُ لهم صوتٌ، إن كان إلَّا هَمْسًا بينهم وبين ربِّهم، وذلك أنَّ الله - تعالى - يَقُول: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ [الأعراف: 55]" [13].
تفسير إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم [ البقرة: 271]
قرأ حمزة والكسائي ( ونكفر) بالنون مجزوما بالعطف على محل الفاء ، ثم قال: والله بما تعملون خبير أي لا تخفى عليه نياتكم في الإبداء والإخفاء - فإن الخبير هو العالم بدقائق الأمور. إن تبدوا الصدقات فنعما ها و. بقي في الآية مبحثان:
( أحدهما) أن بعض المفسرين قال: إن الصدقات في الآية عامة تشمل الزكاة المفروضة والتطوع ، فإخفاء كل فريضة خير من إبدائها. وقال الأكثرون: إنها خاصة بالتطوع لأن الفرائض لا رياء فيها ، وهي شعائر لا ينبغي إخفاؤها ، وهو الذي اختاره الأستاذ الإمام. قال: إن إبداء الفريضة إشهار لشعيرة من شعائر الإسلام لو أخفيت لتوهم منعها ، [ ص: 68] وذلك يؤثر في المتوهم فيسهل عليه المنع لما للقدرة وحال البيئة من التأثير ، ولا محل للرياء في الفرائض والشعائر; لأن من شأنها أن تكون عامة ولأن المرائي بها لا يكون مصدقا بفرضيتها ، ومن كان كذلك فهو كافر.
فضل صدقة السر - وحيد عبد السلام بالي - طريق الإسلام
قال تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}..
1- صدقة السر لها أجر عظيم وثواب جزيل عند الله تعالى: قال تعالى: { إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [1]. قال تعالى: { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [2]. 2- صدقة السر تقيك الحرَّ يوم القيامة: ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « سبعةٌ يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عدلٌ وشاب نشأ في عبادة الله، ورجلٌ قلبه معلقٌ في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله ورجلٌ تصدَّق بصدقة فأخفاها؛ حتى لا تعلمَ شمالُه ما تُنفقُ يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضتْ عيناه » [3].
تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٢ - الصفحة ٣٨٢
والحمد لله ربِّ العالمين. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. [1] "تفسير القرطبي" (3/ 332). [2] "تفسير ابن كثير" (1/ 322). [3] "تفسير القرطبي" (3/ 333). [4] "تفسير ابن القيم" (ص:170). [5] "صحيح البخاري"، (1/ 440)، برقم (1423)، و"صحيح مسلم"، (2/ 715)، برقم (1031). [6] "سنن أبي داود"، (2/ 38)، برقم (1333). إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة البقرة - قوله تعالى إن تبدوا الصدقات فنعما هي- الجزء رقم2. [7] "المعجم الصغير"، للطبراني (2/ 95)، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع"، رقم (3759). [8] "قواعد الأحكام"، (1/ 152). [9] "سنن أبي داود"، (2/ 37)، برقم (1329). [10] "سير أعلام النبلاء"، (4/ 386). [11] "سير أعلام النبلاء"، (4/ 260). [12] "جامع العلوم والحكم"، (1/ 310). [13] "تفسير ابن كثير"، (2/ 221).
الثالث: ما يُخفَى تارةً ويُظهَرُ أخرى، كالصَّدَقات، فإنْ خاف على نفسه الرِّياء، أو عَرَفَ ذلك مِن نفسه، كان الإخفاء أفضلَ من الإبداء؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لُكُمْ ﴾ [البقرة: 271]... "؛ إلى آخر ما قال [8]. وممَّا تَقدَّم مِن الآيات والأحاديث يتبيَّن أنه ينبغي للمؤمِن أن يُخفيَ أعماله الصالحة عن الخَلْق، إلَّا التي يُشرع إعلانها، فإنَّ الذي يَعمل لأجلِه لا تَخفى عليه أعماله، وسيجزيه عليها أَوْفَر الجزاء؛ قال - تعالى -: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ ﴾ [التوبة: 105]، ولْيعلمِ العبدُ أنه لا ينفعه اطِّلاعُ النَّاس على ما يعمله؛ بل قد يَضُرُّهُ إذا أحبَّ ذلك. وقد كان هَدْيُ السَّلَف الصَّالِح الحرصَ على إخفاء الأعمال؛ وذلك لِكَمال إخلاصهم، وصفاء نِيَّاتِهم. فعن أبي قتادة - رضي الله عنه -: إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر: ((مررتُ بكَ وأنت تُصلِّي، تخفضُ من صَوْتِكَ))، فقال: "إني قد أَسْمَعْتُ مَنْ ناجَيْتُ يا رسول الله" [9]. ونقل الذَّهبيُّ في "سِيَر أعلام النبلاء": أنَّ عليَّ بن الحسين كان يَحْمِل الخبزَ باللَّيْل على ظَهْرِه، يتبع به المساكين في الظُّلْمَة، ويقول: "إنَّ الصَّدَقة في سواد الليل تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ".
وهذا تناقض ينزه عنه الشارع صلى الله عليه وسلم...... إلى أن قال: "ذلك أن الشارع بين حكمته في منعه مما نهي عنه وأنه لو أباحه للزم الفسادذلك أن الشارع بين حكمته في منعه مما نهي عنه وأنه لو أباحه للزم الفساد فقوله تعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1]، وقوله عليه السلام: "لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها؛ فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم"، ونحو ذلك يبين أن الفعل لو أبيح لحصل به الفساد؛ فَحُرّم منعًا من هذا الفساد. حكم طلاق الحائض. ثم الفساد ينشأ من إباحته ومن فعله، إذا اعتقد الفاعل أنه مباح أو أنه صحيح، فأما مع اعتقاد أنه محرم باطل والتزام أمر الله ورسوله، فلا تحصل المفسدة، وإنما تحصل المفسدة من مخالفة أمر الله ورسوله. والمفاسد فيها فتنة وعذاب قال الله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، وقول القائل: لو كان الطلاق غير لازم لم يحصل الفساد. فيقال: هذا هو مقصود الشارع صلى الله عليه وسلم فنهى عنه وحكم ببطلانه ليزول الفساد ولولا ذلك لفعله الناس واعتقدوا صحته فيلزم الفساد...... فتسميته لهذا -أي: لما نهى عنه في البيوع الفاسدة والأنكحة الفاسدة وغيرها- نكاحًا وبيعًا، لم يمنع أن يكون فاسدًا باطلاً، بل دل على إمكانه حسا.
الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ / محمد بن صالح بن عثيمين رحمة الله تعالى - حكم الطلاق في الحيض
هذا خلاف الحكمة وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال: إن طلاق الحائض لا يقع ولا يحسب عليه من الطلاق، وإذا تأمل الإنسان ما ورد في ذلك من النصوص، وتأمل العلل والحكم الشرعية تبين له أن هذا القول أرجح، والله أعلم.
حكم طلاق الحائض - الموسوعة الفقهية - الدرر السنية
السؤال:
تقول السائلة يا سماحة الشيخ: أرجو فتوى منكم في طلاق المرأة وهي حائض، هل يقع الطلاق والمرأة حائض أثابكم الله؟
الجواب:
هذا الموضوع فيه خلاف بين العلماء، أكثر العلماء يرون أنه يقع الطلاق في الحيض، هذا الذي عليه أكثر أهل العلم، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يقع، إذا كان يعلم الزوج أنها في الحيض، إذا طلقها في الحيض فقد أثم ولا يقع إذا كان يعلم، أما إذا كان ما يعلم إلا بعد الطلاق منها فالطلاق يقع إذا كان لا يعلم. أما إذا كان يعلم أنها حائض قبل أن يطلق، ثم أقدم على الطلاق فالصواب أنه لا يقع، وعليه التوبة لأنه لا يجوز، أما إذا كان لا يعلم حالها وطلقها، ثم أخبرته أنها حائض فالطلاق يقع، طلاقه يقع إذا كان لا يعلم. نعم. حكم طلاق الحائض - الموسوعة الفقهية - الدرر السنية. المقدم: أحسن الله إليكم.
حكم طلاق الحائض
عدد الصفحات: 32 عدد المجلدات: 1
تاريخ الإضافة: 30/8/2014 ميلادي - 5/11/1435 هجري
الزيارات: 8387
الطلاق في الحيض
حكمه وأثره
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى أصحابه الغُر الميامين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد كثر الطَّلاق في هذه الأيام، وكثر الطَّلاق على خلاف الشَّرع، ومن الطَّلاق المخالف للشَّرع: طلاق الرجل زوجته وهي حائض، وهذا النوع من الطَّلاق طلاق محرَّم بالكتاب والسنَّة وإجماع العلماء، وليس بين أهل العلم نزاع في تحريمه. وفي هذه الرسالة دراسة فقهية لمبحث الطلاق في الحيض، وما يترتب عليه من أحكام.
الشيخ عيسى
10-22-2009 11:30 AM
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ونسأل الله لكم الثبات والتوفيق
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وأفيدك أن مسألة وقوع الطلاق من عدمه في حال الحيض لدى المرأة هذا فيه نقاش طويل عند العلماء على قولين. القول الأول: أن الطلاق حال الحيض يقع على المرأة وعلى هذا قال به الإمام أبو حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد رحمه الله والذي جعلهم يقولون بوقوع الطلاق هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أخبره أن عبد الله بن عمر طلق إمرأته وهي حائض فقال ( مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن يطلق لها النساء) وقالوا هذا يدل على أن الإرجاع دال على وقوع الطلاق. القول الثاني: أن الطلاق حال الحيض لا يقع وعلى هذا القول ذهب الإمام ابن تيمية وطاووس وابن عقيل وابن القيم والشوكاني وغيرهم واستدل هؤلاء بأن الطلاق في حال الحيض لا يقع لأن النص يدل على عدم وقوعه لغة وشرعاً وممن ذهب من المعاصرين من العلماء الإمام الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد صالح العثيمين.