مقالات متعلقة
تاريخ الإضافة: 18/11/2018 ميلادي - 10/3/1440 هجري
الزيارات: 17917
الحمد لله الذي أضاء بكتابه القلوب، وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب، فأعيتْ حكمتُه الحكماءَ، وأبكمت فصاحتُه الخطباءَ، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أرسله ربُّه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا. أما بعد:
فإن التقرب لله سبحانه بالطاعات من أفضل الوسائل التي تجعل المؤمن ينال رضا الله تعالى عليه في الدنيا والآخرة، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
(1) روى الترمذي عن أبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (ابن آدم، اركَع لي أربع ركعات من أول النهار، أكفك آخرَه)؛ (حديث صحيح)، (صحيح الترمذي للألباني حديث 395). قوله: (تبارك)؛ أي: كثُر خيرُه وبركته. التقرب إلى الله تعالى. قوله: (وتعالى)؛ أي: علا مجدُه وعظمته. قوله: (اركع لي)؛ أي: صلِّ خالصًا لوجهي. قوله: (أربع ركعات من أول النهار)، قيل: المراد صلاة الضحى. قوله: (أَكفِك آخرَه)؛ أي: أكفك شُغلك وحوائجك، وأدفَع عنك ما تَكرهه بعد صلاتك إلى آخر النهار؛ (مرقاة المفاتيح ـ شرح مشكاة المصابيح ـ علي الهروي ـ جـ 3 صـ 980).
درس التقرب الى الله
الحمد لله.
ذات صلة كيف أتقرب إلى الله عز وجل التقرب إلى الله بالنوافل
طرق التقرّب من الله
يكون التقرّب إلى الله -تعالى- باتّباع أوامره واجتناب نواهيه، ومن أعظم ما يتقرب به الإنسان إلى خالقه -سبحانه وتعالى- توحيده وعدم الإشراك به، ثُمّ القيام بالفرائض والواجبات، والبُعد عن المُحرّمات، ثُمّ القيام بالنوافل والمُحافظة عليها؛ فالمُحرّمات تجعل من قلب الإنسان قاسياً ولا يشعر بلذّة الطاعة وآثارها على نفسه، قال -تعالى-: (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ، [١] وبالتوبة والاستغفار والإكثار من الأعمال الصالحة تزول هذه القساوة من القلب وتجعله يذوق حلاوة الإيمان.
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ
فإذا عرَفتَ - أيُّها النبيُّ - أنَّ حالَهمْ هكذا، وأنَّهمْ جاهِلونَ إلى هذا الحَدّ، فاصبِرْ على مُخالَفَتِهمْ وعِنادِهم، إنَّ اللهَ ناصِرُكَ ومُنجِزُ ما وعدَكَ به، ولا يَحمِلنَّكَ على القلَقِ والتسَرُّعِ باطِلُ المُبطِلين، الذينَ لا يُؤمِنونَ بما تؤمِنُ بهِ مِنَ التَّوحيدِ والبَعثِ والحِساب. { فاصبر إن وعد الله} في نصرك وتمكينك { حق ولا يستخفنك} لا يستفزنك عن دينك { الذين لا يوقنون} أي: الضلال الشاكون. فاصبر -أيها الرسول- على ما ينالك مِن أذى قومك وتكذيبهم لك، إن ما وعدك الله به من نصر وتمكين وثواب حق لا شك فيه، ولا يستفزَّنَّك عن دينك الذين لا يوقنون بالميعاد، ولا يصدِّقون بالبعث والجزاء.
تفسير قوله تعالى: فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك
[الأحقاف:35]. بهذه الآيات جميعا تلحظ فيها أن الله جل وعلا يصرف العباد عن رؤية ما قدّره إلى رؤية ما شرَعه؛ يعني امتثالا واتباعا، في آية سورة المؤمن هذه قال جل وعلا? وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ? [غافر:55]، قبلها قال جل وعلا? إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ? [غافر:51]، هذا وعد الله هذا وعد، الذين آمنوا بنص الله جل وعلا أنهم منصورون? وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ? [الصافات:171-173]، هذا وعد الله قال جل وعلا? فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ? وعد الله بذلك حق وعليك الصبر، ما الذي تؤمر به؟ قال جل وعلا? تفسير قوله تعالى: فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك. وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ? والاستغفار والتسبيح في هذا الموضع؛ يعني ملازمة الهدى وترك كل السيئات والبعد عن جميع ما لا يحب الله جل وعلا ويرضى، فأمر بالاستغفار وبملازمته والاستغفار يحدث الطمأنينة ويحدث البصيرة وينزل توفيق الله جل وعلا على العبد، فبالاستغفار يتّضح الأمر، وبالاستغفار يقوى العقل، لهذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله ابن تيمية: ربما استعصت عليّ المسالة في مسائل العلم فأستغفر الله ألف مرة حتى يفتح لي مغلقها.
تفسير فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون [ الروم: 60]
لقد نصر الله تعالى رسوله والمؤمنين على مخالفيهم من الكفار والمشركين، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض تلك الانتصارات في حياته، وبعضها حصلت بعد مماته كالقضاء على فارس والروم والبربر، ثم أخذ الله تعالى يعدد نعمه على عباده في هذه الأنعام العجماء التي سخرها لهم، فمنها ركوبهم ومنها يأكلون. تفسير قوله تعالى: (فاصبر إن وعد الله حق... )
قال ربنا جل جلاله: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [غافر:77]. فاصبر لحكم ربك ان وعد الله حق. الله جل جلاله فيما سبق من الآيات أخبر عن تمرد الكفار والمرتدين وعبدة الأوثان والأصنام، وتكذيبهم للحياة ثانية، وتكذيبهم لنبيهم، فأنذرهم وتوعدهم، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: فَاصْبِرْ [غافر:77] أي: اصبر على تكذيب هؤلاء ولأوائهم، فالعاقبة لك كما كانت للأنبياء قبلك، ونهاية الأمر نصرك وذلهم وهزيمتهم وهوانهم، قال تعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [غافر:77].
التفريغ النصي - تفسير سورة غافر [77-81] - للشيخ المنتصر الكتاني
ولِهَذا قالَ تَعالى: {فاصْبِرْ إنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الروم: ٦٠]
فَمَن وفّى الصَّبْرَ حَقَّهُ، وتَيَقَّنَ أنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ لَمْ يَسْتَفِزَّهُ المُبْطِلُونَ، ولَمْ يَسْتَخِفَّهُ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ومَتى ضَعُفَ صَبْرُهُ ويَقِينُهُ أوْ كِلاهُما اسْتَفَزَّهُ هَؤُلاءِ واسْتَخَفَّهُ هَؤُلاءِ، فَجَذَبُوهُ إلَيْهِمْ بِحَسَبِ ضَعْفِ قُوَّةِ صَبْرِهِ ويَقِينِهِ، فَكُلَّما ضَعُفَ ذَلِكَ مِنهُ قَوِيَ جَذْبُهم لَهُ، وكُلَّما قَوِيَ صَبْرُهُ ويَقِينُهُ قَوِيَ انْجِذابُهُ مِنهم وجَذْبُهُ لَهم. §§§§§§§§§§§§§§
فاصبر إن وعد الله حق - منتديات برق
القول في تأويل قوله تعالى: ( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون ( 60))
يقول - تعالى ذكره -: فاصبر يا محمد لما ينالك من أذاهم ، وبلغهم رسالة ربك ، فإن وعد الله الذي وعدك من النصر عليهم ، والظفر بهم ، وتمكينك وتمكين أصحابك وتباعك في الأرض حق ( ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) يقول: ولا يستخفن حلمك ورأيك هؤلاء المشركون بالله الذين لا يوقنون بالمعاد ولا يصدقون بالبعث بعد الممات ، فيثبطوك عن أمر الله والنفوذ لما كلفك من تبليغهم رسالته. حدثنا ابن وكيع قال: ثنا أبي ، عن سعيد بن جبير ، عن علي بن ربيعة ، أن رجلا من الخوارج ، قرأ خلف علي رضي الله عنه: ( لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) فقال علي: ( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون). قال: ثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن عثمان بن أبي زرعة عن علي بن ربيعة [ ص: 121] قال: نادى رجل من الخوارج عليا رضي الله عنه ، وهو في صلاة الفجر ، فقال: ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) فأجابه علي رضي الله عنه وهو في الصلاة: ( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون). فاصبر ان وعد الله حق ولا يستخفنك. حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) قال: قال رجل من الخوارج خلف علي في صلاة الغداة: ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) فأنصت له علي رضي الله عنه حتى فهم ما قال ؛ فأجابه وهو في الصلاة: ( فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون).
وقال الطاهر ابن عاشور:
والخِفَّةُ مُسْتَعارَةٌ لِحالَةِ الجَزَعِ وظُهُورِ آثارِ الغَضَبِ. وهي مِثْلُ القَلَقِ المُسْتَعارِ مِنِ اضْطِرابِ الشَّيْءِ لِأنَّ آثارَ الجَزَعِ والغَضَبِ تُشْبِهُ تَقَلْقُلَ الشَّيْءِ الخَفِيفِ، فالشَّيْءُ الخَفِيفُ يَتَقَلْقَلُ بِأدْنى تَحْرِيكٍ، وفي ضِدِّهِ يُسْتَعارُ الرُّسُوخُ والتَّثاقُلُ. وشاعَتْ هَذِهِ الِاسْتِعاراتُ حَتّى ساوَتِ الحَقِيقَةَ في الِاسْتِعْمالِ. ونَهْيُ الرَّسُولِ عَنْ أنْ يَسْتَخِفَّهُ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ نَهْيٌ عَنِ الخِفَّةِ الَّتِي مِن شَأْنِها أنْ تَحْدُثَ لِلْعاقِلِ إذا رَأى عِنادَ مَن هو يُرْشِدُهُ إلى الصَّلاحِ، وذَلِكَ مِمّا يَسْتَفِزُّ غَضَبَ الحَلِيمِ، فالِاسْتِخْفافُ هُنا هو أنْ يُؤَثِّرُوا في نَفْسِهِ ضِدَّ الصَّبْرِ. والَّذِينَ لا يُوقِنُونَ: هُمُ المُشْرِكُونَ الَّذِينَ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِمُ الصِّفاتُ المُتَقَدِّمَةُ مِنَ الإجْرامِ، والظُّلْمِ، والكُفْرِ، وعَدَمِ العِلْمِ
ومَعْنى لا يُوقِنُونَ أنَّهم لا يُوقِنُونَ بِالأُمُورِ اليَقِينِيَّةِ، أيِ التي دَلَّتْ عَلَيْها الدَّلائِلُ القَطْعِيَّةُ فَهم مُكابِرُونَ. وقال العلامة ابن القيم:
في قوله تعالى:
{فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّۖ ولا یَسۡتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِینَ لَا یُوقِنُونَ} [الروم: ٦٠]
إنَّ المُتَمَكِّنَ لا يُبالِي بِكَثْرَةِ الشَّواغِلِ، ولا بِمُخالَطَةِ أصْحابِ الغَفَلاتِ، ولا بِمُعاشَرَةِ أهْلِ البَطالاتِ، بَلْ قَدْ تَمَكَّنَ بِصَبْرِهِ ويَقِينِهِ عَنِ اسْتِفْزازِهِمْ إيّاهُ، واسْتِخْفافِهِمْ لَهُ.