ولعلَّك تسجد لله شكرًا على ما نبَّه وأنذر، فهذا الإله الحكيم العليم لا يستحقُّ منك إلا صادق العبادة والمَحبَّة. العمر بوصفه فرصةً لك أو عليك
سبق أنْ رأينا الآية تحتج بالعمر قرينةً ضدّ الإنسان، وبهذا ترسم فلسفة العمر في الإسلام. حيث هو حُجَّة على مالكه، وفي الوقت نفسه فرصة عُظمى؛ لأنَّه السياق الزمانيّ الذي يقع فيه اختبار كلّ إنسان. وقد يكون قرينة له أو عليه على حسب عمله فيه. إنَّ هذه الآية ترسم رؤية واضحة لعُمر الإنسان في نظر الإسلام. كما تنكر أشدَّ الإنكار هذا التعامُل الذي نراه بكثرة مع العمر والوقت؛ حيث يَمضي الإنسان في بعثرته كأنَّه نقود وجدها في بنطاله لا يدري لها مصدرًا فاستمرأ أنْ ينفقها كيف يشاء دون حساب! والحديث الذي جاء به الإمام النووي يدلُّ على هذا المعنى بدقَّة، يقول فيه الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-:
أعذَرَ الله إلى امرئ أخَّر أجله حتى بلغ ستين سنةً. ثم يضيف بعدها: "قال العلماء: معناه لمْ يترك له عُذرًا إذْ أمهله هذه المدَّة. عن عمره فيما أفناه.! | hanandarwish. يُقال: أعذَرَ الرجلَ إذا بلغ الغاية من العُذر". ومعنى الكلام أنَّ الله يُعطيك عُذرًا بعد عُذر حتى إذا بلغ الواحد مِنَّا الستين فقد بلغ منتهى الأعذار.
- عن عمره فيما أفناه.! | hanandarwish
- خطبة محفلية عن حقوق الجار - مقال
- خطبة الجمعة عن الجار
عن عمره فيما أفناه.! | Hanandarwish
وان استغلال الانسان لوقته استغلالا صحيحا يعني انه ما عاش سدا, وان هو أساء استغلاله فأضاع جزءا منه بما لا يضر ولا ينفع وملء جزءا آخر بصغائر الأمور فقد خرج من امتحان العمر صفر اليدين وأضاع نعيما خالدا لأجل دقائق من الراحة واللهو و المتعة الزائلة.
ولا يرى مَن هو أقلُّ من الستين في هذا الحديث فُسحةً من الوقت، بل إنَّ الذي دون الستين هو مقصود ثانٍ للحديث -حيث المقصود الأوَّل تابع للنصّ على الستين- فالحديث يُبلغك أنَّك تنفق من رصيد أعذارك يا عبد الله عامًا بعد عام. فبادِر ولا تنتظر إلى أنْ تردَّ إلى آخر العمر كما في الآية (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) -النحل 70-. عن عمره فيما افناه وعن شبابه فيما ابلاه. العمر بوصفه سِجلًّا
وتخبرنا الآيات أنَّ أعمارنا مُقدَّرة عند الله مكتوبة في قوله -تعالى- (وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ) -فاطر 11-. وتخبرنا آيات أخرى عن هذا الكتاب الذي يُسجَّل فيه كلُّ صغيرة وكبيرة تفعلها، تقول الآيتان (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) -الإسراء 14،13-. ومن هُنا نرى أنَّ مجموع النصوص تنظر إلى العمر لا بوصفه فرصةً وحسب، بل بوصفه سِجلًّا يُكتب.
أيها المؤمنون إن حقوق الجار كثيرة عديدة وهي في الجملة دائرة على ثلاثة حقوق كبرى: الإحسان إليهم، وكف الأذى عنهم، واحتمال الأذى منهم. أما الحق الأول فإنه الإحسان إلى الجيران فقد أمر الله سبحانه وتعالى بذلك في كتابه فقال سبحانه: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾.
خطبة محفلية عن حقوق الجار - مقال
الإحسان إلى الجيران علامة طهارة القلب وكمال المروءة وطيب المعدن، وخير الجيران الذي يبدأ بالسلام، ويُلينُ الكلام، لطيف صادق ناصح حافظ للعورات، مؤنس في الأفراح مواس في الأحزان والأتراح، ولقد قيل: سمي الجارُ جارًا لأنه يُجيرُ صاحبَه ويدفع عنه السوء والأذى، ويجلبُ له الخيرَ والنفع، والجيران أنواع فيهم القريب والبعيد والصالح والطالح، والكريم والبخيل والخلوق والبذيء، والمحب والمبغض، بل قد يكون في بعض الجيران المسلم والكافر، وكلهم له حق الجوار وإن كان الحق يتفاوت بقدر ما في الجار من تلك الصفات. الإحسان إلى الجيران بتعاهدهم بالهدية وبذل المعروف ولو بالشيء اليسير من الطعام، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ)) رواه مسلم. وفي الصحيحين «يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة»، قال أهل العلم: في الحديث الحض على التهادي والمتاحفة ولو باليسير؛ لما فيه من استجلاب المودة، وإذهاب الشحناء، واصطفاء الجيرة، ولما فيه من التعاون على أمر المعيشة، وأيضا فإن الهدية إذا كانت يسيرة فهي أدل على المودة، وأسقط للمئونة، وأسهل على المهدي لإطراح التكليف.
خطبة الجمعة عن الجار
الخطبة الثانية:
إن من أسباب سعادة الإنسان في الدنيا وجود الجار الصالح، وعكسه من أسباب شقائه، في الحديث الذي صححه بعض أهل العلم (أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربع من الشقاء: الجار السوء، والمرأة السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيق). اطلب لنفسك جيراناً تجاورهم لا تصلح الدار حتى يصلح الجار
وقد قيل اختيار الجار يكون قبل شراء الدار، وعلى قدر الجار يكون ثمن الدار
يلومونني أن بعت بالرخص منزلي ولم يعرفوا جاراً هناك ينغص
فقلت لهـم كفـوا المـلام فإنها بجيرانها تغلوا الديار وترخص
وكان رسول اللهصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يتعوذ من جار السوء فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار البادية يتحول). خطبة محفلية عن حقوق الجار - مقال. وفي مجتمعنا ولله الحمد نماذج رائعة في بعض الأحياء، جيران قرب يتعاونون ويتزاورون في دوريات منتظمة ولقاءات تتآلف فيها القلوب ويكمل فيها الود والأنس والمحبة، ذلكم فضلاً عن التواصل الاجتماعي بمجموعات التواصل في الأجهزة الذكية التي يتبادلون فيها كل نافع ومفيد. وأخيراً أيها المسلمون: فالحذرَ الحذرَ أن تكون وفرةُ النعم علينا سبباً في تقصيرنا في حق جيراننا أو تطاولنا عليهم أو الاستكبار عن أداء حقوقهم، فإن الله قال بعد بيانه حق الجار﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾.
أقول قولي هذا وأستغفر الله..
الخطبة الثانية
الحمد لله..
فيا عباد الله.. اتقوا الله..
كما أنّ ديننا الحنيف ينهى عن أذية الجار فكذلك يُرغب في الصبر على أذاه، وتحمل ما يصدر منه من قول أو فعل فيه أذى، ولا يقابل أذية جاره له بالمثل، فمن فعل ذلك نال محبة الله تعالى؛ كما جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللهُ.... وذكر منهم: وَرَجُلٌ لَهُ جَارٌ يُؤْذِيهِ، فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ وَيَحْتَسِبُهُ حَتَّى يَكْفِيَهُ اللهُ إِيَّاهُ بِمَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ... " [7] رواه أحمد بإسناد على شرط مسلم. ويجب تربية أهل البيت من زوجة وولد على تعظيم حق الجار، وكف الأذى عنه، ويخبرهم بما في إكرام الجار من عظيم الأجر، وما في أذيته من الوعيد الشديد؛ فإن الأذية قد لا تصدر من الرجل لجاره، ولكن من زوجه أو ولده، ولو وقع ذلك منهم فلا يتساهل به، بل يظهر غضبه عليهم مما وقع منهم من أذية جيرانهم؛ ليعلموا أن هذا الأمر شديد فلا يتهاونون به، والرجل سلطان أهله وولده، والله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن [8]...
اللهم اجعلنا من المحسنين إلى جيرانهم. خطبة محفلية عن حقوق الجار. عباد الله:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].