تاريخ النشر: ٠٧ / جمادى الآخرة / ١٤٣٧
مرات
الإستماع: 1220
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. لما ذكر الله -تبارك وتعالى- عدة المتوفى عنها زوجها، ذكر بعد ذلك بعض ما يتصل بها من الأحكام، مما له تعلق بخطبتها، أو مواعدتها، أو التزوج منها، فقال الله تعالى: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [سورة البقرة:235]. وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ يعني: لا إثم عليكم، ولا حرج، فيما تُلمحون به من غير تصريح، من طلب التزوج بالنساء المتوفى عنهن أزواجهن، فهذا دلَّ عليه هذا السياق؛ لأن الحديث عن المتوفى عنها زوجها، ولكن المرأة المُطلقة ثلاثًا، تكون بائنة، فتبقى العدة، لكن بعيدًا عن زوجها؛ لأنها لا تحل له إلا من بعد زوج، فهي في عدتها أيضًا لا يجوز أن تواعد بالنكاح، ولا يجوز أن تُخطب، ولكن لا بأس أن يُعرَّض بذلك، وهكذا لا حرج على الرجل فيما أضمر في نفسه من نية التزوج بأولئك النسوة بعد انقضاء العدة، وقد لا يصبر، فيبدر منه شيء مما وقر في قلبه، فيتحدث؛ وذلك لضعف الإنسان، فأُبيح له التلميح دون المواعدة والتصريح.
تفسير: (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء....)
ومذهب الحنفية والشافعية: أنه يفرق بينهما، ولا يتأبد التحريم، بل يفسخ بينهما، ثم تعتد منه، ثم يكون خاطباً من الخطاب. واحتجوا بإجماع العلماء على أنه لو زنى بها، لم يحرم عليه تزويجها، فكذلك وطؤه إياها في العدة. قال الجصاص: "ولا خلاف بين الفقهاء أن من عقد على امرأة نكاحها، وهي في عدة من غيره، أن النكاح فاسد". المسألة التاسعة: اختلفوا فيما لو عقد عليها في عدتها، ثم فرق الحاكم بينهما، هل تتم عدتها من الأول، ثم تسـتأنف عدة جديدة للثاني، أم يُكتفى بعدتها من الثاني؟ وهذه المسألة تسمى مسألة العدتين. فمذهب الشافعي و أحمد ورواية عن مالك أنها تتم بقية عدتها من الأول، وتستأنف عدة أخرى من الآخر. ومذهب الحنفية ورواية ثانية عن مالك أن عدتها من الثاني تكفيها من يوم فُرِّقَ بينهما، سواء كانت العدة بالحمل، أو بالأقراء، أو بالشهور. المسألة العاشرة: العقد والدخول في العدة لا يوجب الحد على المعتدة ولا على العاقد، قال الجصاص: "وفي اتفاق عمر و علي على أن لاحد عليهما دلالة على أن النكاح في العدة لا يوجب الحد مع العلم بالتحريم؛ لأن المرأة كانت عالمة بكونها في العدة؛ ولذلك جلدها عمر ، وجعل مهرها في بيت المال، وما خالفهما في ذلك أحد من الصحابة، فصار ذلك أصلاً في أن كل وطء عن عقد فاسد أنه لا يوجب الحد، سواء كانا عالمين بالتحريم، أو غير عالمين به".
وفي قوله: فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ أخر ما يُكنه الإنسان في نفسه بالذكر للتنبيه على أنه أفضل وأبقى على ما للعدة من حرمة، مع التنبيه على أنه نادر الوقوع وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ فذلك يحصل به أيضًا الإخبار عن علم الله -تبارك وتعالى- بالظواهر والبواطن، يعني: ما يُكنه الإنسان، وما يُعرض به، أو ما يتكلم به. ثم أيضًا في قوله -تبارك وتعالى: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ هذا نهي عن العزم، وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ هذا لكون المواعدة والاتفاق يسبقها العزم، فيكون ذلك من قبيل المُبالغة في النهي عن الفعل، فلا تناقض ولا تعارض، وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ هناك عازم أن يتزوج، لكن هنا هو منهي عن إيقاع هذا العقد، أو المواعدة، فقال: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ يعني: العدة، أن تبلغ المدة التي قرّرها الله -تبارك وتعالى.
حَنَذَ الجَدْيَ وغيره يَحْنِذُه حَنْذاً: شواه فقط، وقيل:
سَمَطَهُ. ولحمٌ حَنْذٌ: مشويّ، على هذه الصفة وصف بالمصدر، وكذلك مَحْنُوذٌ
وحَنِيذٌ. وفي التنزيل العزيز: فجاء بعجل حنيذ. قال: محنوذ مشوي. وروى في قوله
عز وجل: فجاء بعجل حنيذ، قال: هو الذي يقطرُ ماؤه وقد شوي. قال: وهذا
أَحسن ما قيل فيه. الفراء: الحَنْيذُ ما حَفَرْتَ له في الأَرض ثم غممته،
قال: وهو من فعل أَهل البادية معروف؛ وهو محنوذ في الأَصل وقد حُنِذَ، فهو
مَحْنُوذٌ، كما قيل: طبيخ ومطبوخ. وقال شمر: الحنيذ الماء السُّخْنُ؛
وأَنشد لابن مَيَّادَةَ:
إِذا باكَرَتْهُ بالحَنِيذَ غَواسلُهْ
وقال أَبو زيد: الحنيذ من الشِّواءِ النَّضِيجُ، وهو أَنْ تَدُسَّه في
النار. وقال ابن عرفة: بعجل حنيذ أَي مشوي بالرِّضافِ حتى يقطر عرقاً. هود الآية ٦٩Hud:69 | 11:69 - Quran O. وحنذته الشمس والنار إِذا شوتاه. والشِّواءُ المحنوذُ: الذي قد أُلقيت
فوقه الحجارة المرضوفة بالنار حتى ينشوي انشواءً شديداً فيهتري تحتها. شمر: الحنيذ من الشِّواء الحار الذي يقطر ماؤه وقد شوي. وقيل: الحنيذ من
اللحم الذي يؤخذ فيقطع أَعضاء وينصف له صَفيحُ الحجارة فَيقُابَلُ، يكون
ارتفاعه ذراعاً وعَرْضُه أكثر من ذراعين في مثلهما، ويجعل له بابان ثم
يوقد في الصفائح بالحطب (هكذا بياض بالأصل ولعل الساقط منه فاذا حميت. )
هود الآية ٦٩Hud:69 | 11:69 - Quran O
ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبـشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ
﴿ وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾
سورة: هود الاية: (69)
ترتيب السورة في المصحف: (11) عدد الايات:(123) صفحتها بالمصحف:(221)
مكية
معنى الآية: قوله تعالى: ( ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى) أراد بالرسل الملائكة. واختلفوا في عددهم ، فقال ابن عباس وعطاء: كانوا ثلاثة جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل. وقال الضحاك: كانوا تسعة. وقال مقاتل: كانوا اثني عشر ملكا. وقال محمد بن كعب: كان جبريل ومعه سبعة. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة هود - الآية 69. وقال السدي: كانوا أحد عشر ملكا على صورة الغلمان الوضاء وجوههم. ( بالبشرى) بالبشارة بإسحاق ويعقوب. وقيل: بإهلاك قوم لوط. ( قالوا سلاما) أي: سلموا سلاما ، ( قال) إبراهيم ( سلام) أي: عليكم سلام: وقيل: هو رفع على الحكاية ، كقوله تعالى: " وقولوا حطة " [ البقرة 85 والأعراف 161] ، وقرأ حمزة والكسائي " سلم " هاهنا وفي سورة الذاريات بكسر السين بلا ألف. قيل: هو بمعنى السلام. كما يقال: حل وحلال ، وحرم وحرام. وقيل: هو بمعنى الصلح ، أي: نحن سلم أي صلح لكم غير حرب.
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة هود - الآية 69
مَرَرْنَا فَقُلْنَا إِيهِ سِلْمٌ فَسَلَّمَتْ... كَمَا اكْتَلَّ بِالَبْرقِ الغَمَامُ الَّلوَائِحُ [[اللسان (كلل) ، يقال: " انكل السحاب عن البرق، واكتل "، أي: لمع به، و" اللوائح " التي لاح برقها، أي لمع وظهر. ]] بمعنى سلام. وقد روي "كما انكلّ". وقد زعم بعضهم أن معناه إذا قرئ كذلك: نحن سِلْمٌ لكم = من "المسالمة" التي هي خلاف المحاربة. وهذه قراءة عامَّة قراء الكوفيين. وقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والبصرة، ﴿قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ﴾ ، على أن الجواب من إبراهيم ﷺ لهم، بنحو تسليمهم: عليكم السلام. والصواب من القول في ذلك عندي: أنهما قراءتان متقاربتا المعنى، لأن "السلم " قد يكون بمعنى "السلام " على ما وصفت، و"السلام " بمعنى "السلم"، لأن التسليم لا يكاد يكون إلا بين أهل السّلم دون الأعداء، فإذا ذكر تسليم من قوم على قوم، ورَدُّ الآخرين عليهم، دلّ ذلك على مسالمة بعضهم بعضًا. وهما مع ذلك قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما أهل قدوة في القراءة، فبأيَّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ. وقوله: ﴿فما لبث أن جاء بعجل حنيذ﴾. = وأصله "محنوذ"، صرف من "مفعول" إلى "فعيل". وقد اختلف أهل العربية في معناه، فقال بعض أهل البصرة منهم [[هو أبو عبيدة في مجاز القرآن. ]]
ثم أنّ هنا أمرًا آخر وهو أنَّ المتلقِّي للخطاب إذا علم من طريقة المتكلِّم أنَّه حين يُكرِّر الإخبار عن واقعةٍ واحدة فإنَّه يذكر في كلِّ مرَّة خصوصيات للخبر لا يذكره في المرَّة التي سبقتها، فإنَّه -أي المتلقي- يستجمع حواسه في كلِّ مرَّة ولا يدفعه التكرار للتغافل خشية أن يفوته الوقوف على الخصوصيات التي لم يتم الذكر لها في المرَّة التي سبقتها، فتعمُّد الذكر لبعض الخصوصيات وتأجيل الذكر لخصوصياتٍ أخرى لموضع آخر يعدُّ من فنون الكلام الذي يمنع من ملالة المتلقي ويبعث فيه النشاط والحرص على التنبُّه واستحضار الحواس. ولذلك تجد القرآن وإنْ كان يُكرِّر الواقعة في أكثر من موضعٍ إلا أنَّه يُضفي عليها في كلِّ مرَّة خصوصيَّاتٍ تختلفُ عن الخصوصيَّات التي نبَّه عليها في الموضع الآخر. والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
3 / شعبان المعظّم / 1442هـ
17 / مارس / 2021م
[1] - سورة هود / 69. [2] - سورة الذاريات / 26. [3] - تفسير العياشي- ج2 / ص154.