ثم إن سياق آيات سورة النجم يأبى إلا إرادة العموم؛ فهو في معرض بيان مصير الإنسان مؤمنًا كان أو كافرًا يوم القيامة، وأنه سيحاسَب على أعماله بالخير إن كانت خيرًا، وبالشر إن كانت شرًّا. ثالثها: أن هذه الآية منسوخة [6]. فصل: إعراب الآية (3):|نداء الإيمان. قلت: إن دعوى النسخ لا تثبُت من عدة وجوه:
1- ذهب جمهور أهل التأويل إلى أن هذه الآية محْكمة [7] ، وعليه؛ فلا يدخُلها النَّسخُ؛ فالمحْكَمُ لا يُنسخ. 2- أن الآية تتضمن الخبر، والنسخ لا يدخل الأخبار [8] إذا أريد به الخبر لا الإنشاء. 3- أن الحُكم المتضمَّن في الآية، ورَد في آيات أخرى مؤكَّدًا - كما سبق - ولم يقل أحد بنسخ بقية الآيات. والذي يبدو لي أن الذي دفع بعض العلماء للقول بنسخ الآية، هو ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "إنها - آية ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾ [النجم: 39] - منسوخة بقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الطور: 21]، فيحصل الولد الطفلُ يوم القيامة في ميزان أبيه، ويُشفِّعُ الله تعالى الآباءَ في الأبناء، والأبناءَ في الآباء" [9].
- وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى | تفسير القرطبي | النجم 39
- وأن ليس للإنسان إلا ما سعى .. - طريق الإسلام
- فصل: إعراب الآية (3):|نداء الإيمان
- إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة الأنعام - قوله تعالى وربك الغني ذو الرحمة - الجزء رقم5
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى | تفسير القرطبي | النجم 39
محاضرة رمضانية 1437ه / 2016 م
نُشرت على الموقع في 23-6-2016
[1] مفردات الراغب ص 411
[2] نهج البلاغة ج 2 ص 12. [3] روضة الواعظين ص 11.
وأن ليس للإنسان إلا ما سعى .. - طريق الإسلام
وقد ثبت بالنصوص المتواترة، وإجماع سلف الأمة، أن المؤمن ينتفع بما ليس من سعيه في بعض الأعمال والطاعاتº كالدعاء له والاستغفار، كما في قوله تعالى: { الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا} (غافر:7) وأيضًا دعاء النبيين والمؤمنين واستغفارهم، كما في قوله تعالى: { وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم}(التوبة:) وقوله سبحانه: { واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} (محمد:19). وأيضًا فقد ثبت بصريح الآحاديث أن ما يُعمل للميت من أعمال البر، كالصدقة ونحوها، فإن هذا ينتفع بهº ففي \"الصحيحين\" أنه صلى الله عليه وسلم، قال: ( من مات وعليه صيام، صام عنه وليه) وثبت مثل ذلك في صوم النذر، والحج. وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى | تفسير القرطبي | النجم 39. وفي هذا المعنى يأتي قوله صلى الله عليه والسلام: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) رواه النسائي و الترمذي º فالحديث صريح في ثبوت ما ذكرنا. والأدلة في هذا المعنى كثيرة.
فصل: إعراب الآية (3):|نداء الإيمان
ويدل على هذا المعنى، ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في معنى الآية، قال: إن الله تبارك وتعالى يرفع للمؤمن ذريته، وإن كانوا دونه في العملº ليقر الله بهم عينهº وفي رواية أخرى عنه: قال: إن الله تبارك وتعالى ليرفع ذرية المؤمن في درجته، وإن كانوا دونه في العملº ليقر بهم عينه. فمعنى آية الطور إذن، أن الذين آمنوا بالله، تتبعهم ذريتهم المؤمنة، وتكون معهم في الجنة إتمامًا لسعادتهم، وإكرامًا لمكانتهم، إذ من تمام سرور المؤمن وكمال سعادته، أن يكون قريبًا من أقربائه، وأقرباؤه قريبين منه. وليس للانسان الا ما سعى. أما آية النجم { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} فيفيد ظاهرها، أنه ليس للإنسان إلا أجر سعيه وجهده، وجزاء عمله وتحصيله، ولا ينفع أحداً عملُ أحدº فالآية بيان لعدم إثابة الإنسان بعمل غيره، مهما كان هذا الغير. وقد جاءت هذه الآية إثر آية بينت عدم مؤاخذة الإنسان بذنب غيره، وهي قوله تعالى: { ألا تزر وازرة وزر أخرى} (النجم:38) أي: لا يفيد الإنسان إلا سعيه وعمله، ولا يحاسب الإنسان بعمل غيره. فهذا المعنى الإجمالي للآيتين الكريمتين. والآية التي معنا قد وردت أدلة توضح المقصود منها، وتبين أن الإنسان قد يستفيد وينتفع بأعمال غيره، من ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} قال: أنزل الله بعد هذا: { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} قال: فأدخل الأبناء بصلاح الآباء الجنة.
2- ولا بدّ أن يكون سعيه عن تخطيط وليس عن انفعال، فليس مهماً أن تسعى بقدر ما عليك أن تتقن السعي وتخطط له. وأن ليس للإنسان إلا ما سعى .. - طريق الإسلام. 3- أن يكون سعيه متلائماً مع مسعاه ومقصده، فمن يزرع القمح لن يحصد الشوك بل سيحصد القمح والعكس بالعكس، وانظر إلى قوله تعالى بشأن الآخرة: { وسعى لها سعيها} فإنّه ينبئك أنّ لكل عمل سعيه الخاص. وإنّ أمّة أغفلت هذه القاعدة الذهبية بخواتها المتقدمة، فلم تسع ولم تخطط وأرادت حل مشكلاتها والوصول إلى كل أهدافها من خلال الدعاء والأحراز هي أمّة تنحرف عن المسار الطبيعي الذي أرساه الله تعالى في هذا الكون. الوقفة الرابعة: إن الترابط المذكور ينسحب على عالم الآخرة أيضاً، فمن يريد رضوان الله تعالى ويتطلع إلى دخول جنته فلا مفر له من العمل الملائم لذلك، ولا يكفيه مجرد الأمنيات ولا الاكتفاء بالنوايا الحسنة، فالجنة لها ثمن ولا يدخلها الإنسان بالمجان وثمنها يقوم على ركيزة ثنائية وهي ركيزة
الإيمان والعمل، قال تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون} [ النحل 97]، وأما إذا كانت صحيفة أعمال المرء سوداء ومليئة بالعصيان فليس لهذا الإنسان أن يطمع في الجنة،.
تاريخ الإضافة: 12/7/2017 ميلادي - 18/10/1438 هجري
الزيارات: 12958
تفسير: (وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء)
♦ الآية: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ﴾. ♦ السورة ورقم الآية: الأنعام (133). ♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ وربك الغني ﴾ عن عبادة خلقه ﴿ ذو الرحمة ﴾ بخلقه فلا يعجل عليهم بالعقوبة ﴿ إن يشأ يذهبكم ﴾ يعني: أهل مكَّة ﴿ ويستخلف من بعدكم ﴾ وينشئ من بعدكم خلقاَ آخر ﴿ كما أنشأكم ﴾ خلقكم ابتداءً ﴿ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ﴾؛ يعني: آباءهم الماضين. إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة الأنعام - قوله تعالى وربك الغني ذو الرحمة - الجزء رقم5. ♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ﴾، عَنْ خَلْقِهِ، ﴿ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾، قَالَ ابن عباس: بِأَوْلِيَائِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بِخَلْقِهِ ذُو التَّجَاوُزِ، ﴿ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ﴾، يُهْلِكْكُمْ، وَعِيدٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ، ﴿ وَيَسْتَخْلِفْ ﴾، ويخلف وينشئ، ﴿ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشاءُ ﴾، خَلْقًا غَيْرَكُمْ أَمْثَلَ وَأَطْوَعَ، ﴿ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ﴾، أَيْ: من نسل آبَائِهِمُ الْمَاضِينَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ.
إسلام ويب - التفسير الكبير - سورة الأنعام - قوله تعالى وربك الغني ذو الرحمة - الجزء رقم5
(وَكَذلِكَ) جار ومجرور متعلقان بمحذوف نعت لمفعول مطلق محذوف زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم تزيينا كائنا مثل ذلك التزيين في شركهم يزين لما مضى. (لِكَثِيرٍ) متعلقان بالفعل قبلهما ومن المشركين متعلقان بمحذوف صفة لكثير. (قَتْلَ) مفعول به مقدم. (أَوْلادِهِمْ) مضاف إليه. (شُرَكاؤُهُمْ) فاعل مؤخر والجملة استئنافية لا محل لها. (لِيُرْدُوهُمْ) فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعل. والمصدر المؤول من أن المضمرة والفعل في محل جر باللام، والجار والمجرور متعلقان بزيّن. (وَلِيَلْبِسُوا) مثل يردوا، فعل مضارع تعلق به الجار والمجرور بعده (عَلَيْهِمْ) والواو فاعله و(دِينَهُمْ) مفعوله، والجملة معطوفة. (وَلَوْ شاءَ اللَّهُ) فعل ماض ولفظ الجلالة فاعله ولو حرف شرط غير جازم والجملة مستأنفة. (ما فَعَلُوهُ) فعل ماض وفاعل ومفعول به وما نافية والجملة لا محل لها جواب شرط غير جازم. (فَذَرْهُمْ) الفاء الفصيحة. وأمر ومفعوله وفاعله مستتر (وَما) الواو عاطفة أو للمعية. ما اسم موصول أو مصدرية أي ذرهم وافتراءهم. (يَفْتَرُونَ) الجملة صلة الموصول.. إعراب الآية (138): {وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاَّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ (138)}.
(وَغَرَّتْهُمُ) فعل ماض ومفعوله والواو اعتراضية. (الْحَياةُ) فاعله. (الدُّنْيا) صفة والجملة اعتراضية لا محل لها. (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) فعل ماض مبني على الضم تعلق به الجار والمجرور والواو فاعله، والجملة معطوفة على شهدنا. (أَنَّهُمْ) أن واسمها. (كانُوا) كان واسمها. (كافِرِينَ) خبر كان منصوب بالياء والمصدر المؤول من أن واسمها وخبرها في محل جر بحرف الجر المحذوف والتقدير شهدوا بكونهم كافرين. وجملة كان واسمها وخبرها في محل رفع خبر أن.. إعراب الآية (131): {ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (131)}. (ذلِكَ) اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ وخبره، ما بعده أي ذلك مؤكد. أو خبر لمبتدأ محذوف أي الأمر ذلك. (أَنْ) مخففة من الثقيلة واسمها محذوف والتقدير أنه. (لَمْ يَكُنْ) فعل مضارع ناقص مجزوم بالسكون. (رَبُّكَ مُهْلِكَ) اسمها وخبرها. (الْقُرى) مضاف إليه. (بِظُلْمٍ) متعلقان بمهلك أو بالضمير المستتر فيه. وأن المخففة وما بعدها في تأويل مصدر في محل جر بحرف الجر المحذوف، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ ذلك. والجملة الاسمية (وَأَهْلُها غافِلُونَ) في محل نصب حال بعد واو الحال.. إعراب الآية (132): {وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)}.