في بيروت، امرأة تمدّ يدها وهي تضم طفلها طالبة من الناس قليلاً من المال بدعاء يقطع القلب. وفي بيروت، يصدح صوت وديع الصافي من سيارة تمر ببطء في شارع الحمرا المزدحم بأغنية «على الله تعود»، وفِي بيروت، امرأة بلهجتها الشامية تتمنى العودة لبلدها، وصوتها الأنثوي لو ردد مع وديع لكان صوتاً لامرأة تبدو مدربة على الغناء، وللحظة سمعت «على الله تعود»، وللحظة أيضاً فكرت هل هي «على الله» تعود سوريا، أم «على الله» يعود لبنان؟ أم «على الله» يعود شارع الحمرا ذاته الذي كان نافورة للثقافة العالية من شعر ورواية وقصة، من محمد الماغوط وأدونيس ومحمود درويش وبلند الحيدري وغادة السمان وغسان كنفاني، أو الشارع الذي غنّت له الشحرورة ثم أضحى كياناً للتجارة والتسول؟ على الله تعود. وزوجتي ذات المرتب الشهري المتواضع تكاد تُخرج كلّ ما لديها لتعطيه لكل من استوقفنا في الشارع وهم كثر، وأمامنا لوحة تملأ الشارع لصورة مرشح مبتسم عرفته في واشنطن أخذ كل عقود البنتاغون في العراق، وهي بالمليارات، يبتسم في صورته للمتسولين ولا يدفع. وابنتي ذات الخمسة أعوام تسأل وتلح على أمها: من هؤلاء النساء والأطفال وماذا يطلبون؟ وليست لدينا إجابة عن أسئلتها البريئة المخجلة.
علي الله تعود وديع
أغنية على الله تعود للفنان الكبير الراحل المطرب وديع الصافي با اداء الفنان علي امهال - YouTube
اغنيه علي الله تعود لوديع الصافي
كنت في أول عشق لي "لرنا"، التي اصبحت فيما بعد زوجتي، كان صوته يطالبني بالعودة خلافا لما اعتدته من حب الرحيل الطويل، وديع فقيد لنا كفقدنا للزعيم الخالد جمال عبدالناصر، وللثائر الراحل غيفارا، ولكل مبدع في حقله، فالمغنون المبدعون، أصوات نادرة من الصعب أن تتكرر، و"وديع الصافي"، من هذه الأصوات التي تتردد أصداؤها على كل موجة، وتذكّر بأن الخلود، قصة أغفلتها "أسطورة جلجامش". قبل أن تنزع ذوقنا أغنيات التحريض والتقسيم، التي نسمعها عبر الإذاعات المحلية، كان لنا في الأردن مكان تحت السماء في هذا الذوق الرفيع واللحن الجميل والصوت الندي، قبل مدة وجيزة في ذكرى عيد ميلاد موسيقار الاردن الراحل توفيق النمري جاء جبل صنين بكل كبريائه وديع الصافي، وغنى أغنية توفيق النمري "ويلي محلاها"، ولكن هذه المرة بعد مرور اربعة عقود من غنائه لها في أول مرة، ونقول على الله تعود بهجتنا والأفراح على الله وتغمر دارنا الأفراح على الله! وديع في صوته سحر كسحر الشرق، ونداء بوح يبقى شامخا لا تفنيه عاديات الأيام، يذكّرنا بأن المنغمسين في ثقافة الظلام لا مكان لهم، وأن من لم يسمع في صباحه فيروز ووديع ونصري، ولم يقرأ رواية أو ديوان شعر فهو مشروع قاتل!
اغنية على الله تعود
لبنان على الأرض شيء وفي الفضاء شيء آخر، وتجسير الهوة بين الاثنين أمر يحتاج إلى سنين، ومع ذلك يبقى في أذني صوت وديع الصافي «على الله تعود». «شي مثل الكذب» كما يقول اللبنانيون عن الأمور المبهرة، أي شيء خيالي، غير عادي، جميل جداً، مثل الكذب. ولبنان أيضاً جميل، مع ذلك اختيار عبارة «مثل الكذب» للحديث عن الإبهار والجمال هو أقرب إلى الكذب. وكما في مسرحية الرحابنة «بياع الخواتم» الكذبة كبرت وصارت الكذبة «زلمة»، أي تجسدت حقيقة كما رجل يمشي على الأرض. وكثير مما يحدث في لبنان وحوله كذبة كبيرة، ومع ذلك في عالم البؤس لا مخرج سوى الخيال والابتكار في صناعة الكذب. رأيت لبنان بلداً بسيطاً مثل قفص مصنوع من سعف النخيل، مشدوداً إلى بعضه بحبال من الطائفية والعشائرية ملونة بألوان للحداثة والعصرنة. ورغم هذه الرقة، إلا أن البشر فيه من طراز فريد قادرون على التعامل مع كل الضغوط الإقليمية. شيء مثل الكذب. طبيعة لبنان، البحر والجبل، فعلاً شيء مثل الكذب، ولكنه يحتاج إلى دخل دولة مثل النرويج لكي يصبح شيئاً جميلاً، فالتنمية بسيطة في كل هذه الطبيعة الجميلة، وخيال الساسة يجعل من تلك الطبيعة الجميلة معلماً من معالم خيال القبح.
على الله تعود نوتة Pdf
على الله تعود: سمر كمّوج مع العملاق وديع الصافي - YouTube
وديع الصافي على الله تعود
#MBCTheVoice - حسام الشامي - على الله تعود - مرحلة الصوت وبس - YouTube
وبتنويع على بيت شعر لعمرو بن الأهتم نقول بشيء من التضمين:... ما ضاقت بلاد بأهلها... ولكنْ خيال الناس فيها يضيق. إنه الخيال الضيق والخيال القبيح الذي حول بلداً مثل لبنان إلى كارثة إنسانية، ومع ذلك «على الله تعود».