فكان غفران الله لموسى نعمة عليه، وحافزًا لرحمته، وداعيًا لسلامه، فاستعاذ بالله أن يكون معينًا ومساعدًا للمجرمين. ولكن خاف مما فعل، ومع ذلك إذا بالذي استنصره بالأمس يستصرخه ويطلب منه النصرة، فرماه موسى بالغواية والضلال، ولكنه اندفع إلى مظاهرته، فظن الذي من قوم فرعون يقصد قتله، فتقدم إليه مسترحمًا قائلاً: ( يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) [القصص:19]. فلم يكد الذي من قوم فرعون يسمع هذا الاتهام الصريح -وقد كان قومه في حيرة في أمر قتيل الأمس لا يعرفون قاتله- حتى وافاهم وأخبرهم بخبر موسى، وأنه هو القاتل، فتأهب القوم يبحثون عن موسى ليقتلوه، ولكن رحمة الله قريب؛ إذ جاء من أقصى المدينة رجل يسعى: ( يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) [القصص:20]. قصة موسى عليه السلام و فرعون | حواديت اطفال. فخرج موسى من مصر خائفًا يترقب، ليصرف الله عنه كيد الظالمين، سار ثماني ليال قاصدًا بلاد مدين، وهو موضع بين الشام والحجاز، ولا معين له إلا عناية الله سبحانه، ولا رفيق يؤنسه إلا نور الله، ولا زاد يحمله إلا زاد التقوى، مشى حافيًا حتى تساقطت جلود قدميه، جائعًا تتراءى خضرة البقل من بطنه هزالاً وضعفًا.
قصة رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه - موضوع
[1]خطيب جامع الجهيمي بالرياض. [2] رواه البخاري (1900)، ومسلم (1130) واللفظ له.
قصة موسى عليه السلام (2) المواجهة مع فرعون
وطلبت من زوجها فرعون اتخاذه ولدا لهما، وبالفعل أدخلته القصر، وأسموه "موسى" ومعناه المنتشل من المياه. طلبت أم "موسى" من ابنتها أن تتقفى أثر أخيها، وتتيقن من مكانه. وبالفعل استطاعت أخته أن تعرف مكانه بقصر فرعون. ولما فطنت أنهم يأتون إليه بالكثير من المرضعات، ولكنه يأبى الرضاعة منهن جميعا، على الرغم من شدة جوعه وبكائه الدائم. رد موسى لحضن أمه:
اقترحت أخته أن تأتي إليهم بمرضعة، وبالفعل جاءت بأمه ودخلت قصر فرعون. قصة موسى عليه السلام (2) المواجهة مع فرعون. وأول ما أرضعته، رضع الصغير وخلال ذلك هدأ واستقر في حضنها وغط في سبات عميق. عاد الطفل الغائب لأمه الملهوفة للقائه، وقد كان معافى في جسده، مرموقا أيضا في مكانته. بل إن فرعون بنفسه من يقوم على خدمته وراحته، وهو في عين امرأة فرعون. الاقتباس من القرآن الكريم:
قال تعالى في كتابه العزيز: "وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُواْ يَحۡذَرُونَ. وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَرۡضِعِيهِۖ فَإِذَا خِفۡتِ عَلَيۡهِ فَأَلۡقِيهِ فِي ٱلۡيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحۡزَنِيٓۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيۡكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ.
قصة موسى عليه السلام و فرعون | حواديت اطفال
مهما ذكرنا من أوجه الإفادة العائدة علينا من قراءة قصص الأنبياء التي ذكرت في القرآن الكريم فإننا لن نحصيها على الإطلاق، ولن نتمكن أيضا من ذكرها كاملة وإن حاولنا مئات المرات، ولكن يكفينا من القول قول خالقنا سبحانه وتعالى بكتابه العزيز (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِۦ لَمِنَ ٱلْغَٰفِلِينَ). إن لقصص الأنبياء والأمم السابقة في القرآن الكريم الكثير والكثير من الفوائد والعبر، كما أن لها دوراً فعالا وعظيما في بناء الفرد وتربيته على خلق دين الإسلام. ومن قصص الأنبياء موسى عليه السلام ودعوته لفرعون وقومه، وما بها من الكثير من الفوائد والعبر لنا. قصة رسالة موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه - موضوع. قصـــــة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون
من أجمل القصص المؤثرة بنفوسنا بقصص الأنبياء موسى عليه السلام…
عندما حملت أم موسى، أخفت حملها عن الجميع خوفا على صغيرها حيث أن فرعون كان يأمر رجاله بذبح أبنائهم. ولما وضعته، خشيت عليه وازداد خوفها وتحسر قلبها من بطش فرعون ورجاله. فأوحى إليها الله سبحانه وتعالى، وأن إذا خفتِ عليه فألقيه في التابوت، وألقيه باليم. النجاة من موت محتوم، ودخول قصر فرعون:
قامت أم موسى بما جاءها بالوحي، وطاف التابوت باليم حتى التقطته زوجة فرعون، وأحبته.
والتثنية هنا كما قرر أهل العلم؛ لأن هارون -عليه السلام- كان يُؤمِّن على دعاء أخيه، فأصبح المؤمُن بمنزلة الداعي.