وقال الفرّاء: (إنما قضيت على أوّلها بالضمّ، لأن النعوت للمؤنث تأتي إما بفتح وإما بضمّ فالمفتوح: سكْرَى وعطشى; والمضموم: الأنثى والحُبلى; فإذا كان اسما ليس بنعت كسر أوّله كقوله وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ كسر أوّلها، لأنها اسم ليس بنعت، وكذلك الشِّعْرَى كسر أوّلها، لأنها اسم ليس بنعت). – تفسير السعدي: فسر السعدي قوله تعالى " تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ"، أن هذه القسمة التي يقسمونها لقسمة ظالمة، حيث فضل العبد الذي خلقه الله على الخالق. – تفسير الوسيط لطنطاوي: تم تفسير قوله تعالى "تلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ"، أن الآية هي عبارة عن تعليل للإنكار والتوبيخ، بعد اسلوب الاستفهام في قوله تعالى: "أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى"، وقد قدم سبحانه وتعالى الجار والمجرور في الآية السابقة حتى يفيد التخصيص، ثم بدأ الآية بتلك وهي تعود إلى تلك القسمة التي تم ذكرها في الآية السابقة، و إِذاً هي حرف جواب فإذا كان القسمة كما يزعمون فإن هذه القسمة لقسمة ظالمة وغير عادلة. تلك إذا قِسْمَة ضِّيزَى. – تفسير القرطبي: فسر القرطبي قوله تعالى "تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ" أن قوله تعالى (تلك إذا) يعني القسمة التي قسمت، و" ضيزى" أي القسمة جائرة عن العدل أو القسمة الغير صحيحة والظالمة، والمائلة عن الحق، ويقال ضاز في الحكم أي جار وظلم وتعني نقص وبخس، وقال القرطبي (وقد يهمز فيقال ضأزه يضأزه ضأزا) وقال:
فإن تنأ عنا ننتقصك وإن تقم فقسمك مضئوز وأنفك راغم
وقال الكسائي: (ضاز يضيز ضيزا، وضاز يضوز، وضأز يضأز ضأزا إذا ظلم وتعدى وبخس وانتقص، قال الشاعر: ضازت بنو أسد بحكمهم إذ يجعلون الرأس كالذنب).
- تلك إذا قِسْمَة ضِّيزَى
تلك إذا قِسْمَة ضِّيزَى
قوله تعالى: " أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى " لما سجل في الآيات السابقة صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنه وحي يوحى إليه وترتب عليه حقية النبوة المبنية على التوحيد ونفي الشركاء، فرع عليه الكلام في الأوثان: اللات والعزى ومناة وهي عند المشركين تماثيل للملائكة بدعوى أنهم إناث أو بعضها للملائكة وبعضها للانسان كما قاله بعضهم ونفي ربوبيتها وألوهيتها واستقلال الملائكة الذين هم أرباب الأصنام في الشفاعة وأنوثيتهم وأشار إلى حقائق أخرى تنتج المعاد وجزاء الأعمال. واللات والعزى ومناة أصنام ثلاث كانت معبودة لعرب الجاهلية ، وقد اختلفوا في وصف صورها، وفي موضعها الذي كانت منصوبة عليه، وفي من يعبدها من العرب، وفي الأسباب التي أوجبت عبادتهم لها، وهي أقوال متدافعة لا سبيل إلى الاعتماد على شئ منها، والمتيقن منها ما أوردناه. والمعنى: إذا كان الامر على ما ذكرناه من حقية الدعوة وصدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعوى الوحي والرسالة من عند الله سبحانه فأخبروني عن اللات والعزى ومناة التي هي ثالثة الصنمين وغيرهما - وهي التي تدعون أنها أصنام الملائكة الذين هم بنات الله زعمكم -. تلك إذا قسمة ضيزى. قوله تعالى: " ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى " استفهام إنكاري مشوب بالاستهزاء، وقسمة ضيزى أي جائرة غير عادلة.
حدثنا أحمد بن هشام قال: ثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي صالح في قوله: " اللات " قال: اللات: الذي كان يقوم على آلهتهم ، يلت لهم السويق ، وكان بالطائف. حدثني أحمد بن يوسف قال: ثنا أبو عبيد قال: ثنا عبد الرحمن ، عن أبي الأشهب ، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: كان يلت السويق للحاج. [ ص: 524]
وأولى القراءتين بالصواب عندنا في ذلك قراءة من قرأه بتخفيف التاء على المعنى الذي وصفت لقارئه كذلك لإجماع الحجة من قراء الأمصار عليه. وأما العزى فإن أهل التأويل اختلفوا فيها ، فقال بعضهم: كانت شجرات يعبدونها. ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار قال: ثنا مؤمل قال: ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( والعزى) قال: العزى: شجيرات. وقال آخرون: كانت العزى حجرا أبيض. حدثنا ابن حميد قال: ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير قال ( العزى): حجرا أبيض. وقال آخرون: كان بيتا بالطائف تعبده ثقيف. حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله ( والعزى) قال: العزى: بيت بالطائف تعبده ثقيف. وقال آخرون: بل كانت ببطن نخلة. حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ( ومناة الثالثة الأخرى) قال: أما مناة فكانت بقديد ، آلهة كانوا يعبدونها ، يعني اللات والعزى ومناة.
لقد ترتبَ عن فترات انحطاطِ المغرب وتخلفه التي مهدتْ لاحتلاله المباشر، وعن تركةِ الفترة الاستعمارية التي تلتها، وعن نصفِ قرنٍ وعقدٍ من الزمن من الترقيعِ والتمييزٍ والتبعية بعد الجلاءِ شبه الظاهري للاستعمار، وإلى الآن… ترتبَ عن هذا كله نظامٌ اجتماعي وسياسي، طبقي تمييزي، تتمركزُ فيه الثرواتُ الوطنيةُ وفوائضُ قيمتها بأيدي الأقلية، كما السلطة والنفوذ والجاه تماماً. لذلك، ولضمانِ استمرارِ هذ الأوضاع يٌلجاُ إلى سياسةِ الترقيع، أعني ترقيع الوضع القائم، سواء بواسطةِ ذر الرماد في العيون أو من خلال الإلهاءِ والقمعِ والتضليل. إن "القسمةَ ضِيزَى" قولاً وفعلاً… وهي أصلُ المشكلِ، وفي إعادةِ القسمةِ عدلاً وإنصافاً، يوجدُ الحل الصحيحُ المستدام والمستديم. يظهرُ اليوم، نجاح المستغِلين والاستغلاليين، عندنا وفي باقي البلدان الخاضعةِ شعوبها للاستغلال على طولِ الأرضِ وعرضها… يظهرُ أنهم نجحواْ حتى الآن، في "تقنيع الحقيقة" الوطنية المائلةِ في تناقضاتِ الواقعِ الاجتماعي، الملموسةِ والقابلةِ للإدراكِ والمعرفةِ بواسطةِ العقلِ والحواسِ والحساب… أقصدُ أنهم نجحواْ في وضعِ القناعِ فوق حدةِ هذه التناقضات، عبر توظيفِ الموروث الديني وبعض الهويات والعرقيات والأيديولوجيات، وبواسطةِ التكنولوجياتِ والدعايةِ والإعلام، بهدف إخفائها والإلهاءِ عنها، تضليلاً للمستغَلين.