ومن عادة القرآن الكريم حين يحدثنا عن فضل الله المادّيّ علينا ينتقل بنا إلى فضله المعنوي من هداية وإيمان. يتلطف بنا إذ ينقلنا إلى كرمه ، حين هدانا إلى الصراط المستقيم. ألا ندعو دائماً ( اهدنا الصراط المستقيم) نكررها عشرات المرات كل يوم في صلاتنا، وحين نقرأ الفاتحة دون صلاة أيضاً. والصراطُ هو الطريق الصحيح إلى مرضاة الله تعالى ورضوانه. وعلى الله قصد السبيل. مثال ذلك الانتقال قولُه تعالى( يا بني آدم ؛ قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ، ولباس التقوى ذلك خير.. ) الأعراف ،الآية 26، فمن اللباس المادي الذي يستر عوراتنا إلى لباس الإيمان والتقوى الذي يستر أخطاءنا وذنوبنا ويمحوها. فالله تعالى يكرمنا في الدنيا يالثياب التي تخفي العورات التي دَأَبَ الفسقَةُ والفجرةُ في إظهارها كما تظهرعياناً في الحيوانات والدوابّ، ومن العجب أن هؤلاء يودون أن يهبطوا إلى درك البهيمية الحيوانية ليعيشوا متفلّتين من الأخلاق والآداب ، ويرون الستر مذَمّة ورجعية ، ولا يدرون أنهم سقطوا في حمأة الرذيلة ومستنقع الفساد. إن الله سبحانه وتعالى حين أرسل أنبياءه أوضح للبشر الطريق الذي ينبغي أن يسلكوه،فقال: ( وعلى الله قصد السبيل) ومن معاني قصد: التوجّه باعتدال ، والسير استواءً،وكذلك: بيان الطريق الموصل إلى الحقِّ، والقصدُ: استقامة الطريق.
- نثرات – أعظم سر .. إنا لله
نثرات – أعظم سر .. إنا لله
تفسير السعدي لآية " وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر"
يقول الشيخ العلامة أبو عبد الله عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر السعدي في تفسير قول الله: " وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيل" أي: الصراط المستقيم، الذي هو أقرب الطرق و أقصرها موصل إلى الله، و أما الطريق الجائر في عقائده و أعماله، و كل ما خالف الصراط المستقيم فهو قاطع عن الله، موصل إلى دار الشقاء، فسلك المهتدون الصراط المستقيم بإذن ربهم، و ضل الغاوون عنه، و سلكوا الطرق الجائرة، و يقول الله عز و جل: "وَ لَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِين"، و لكنه هدى بعضا كرما و فضلا، و لم يهد آخرين، حكمة منه و عدلا. تفسير البغوي للآية الكريمة
يقول الامام أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي في تفسير قول الله عز و جل: " و على الله قصد السبيل" أن المقصود هو بيان طريق الهدى من الضلالة، و يقال ايضا بيان الحق بالآيات و البراهين ، و المقصود من كلمة "القصد" أي الصراط المستقيم، و في معنى كلمة " و منها جائر" أي و من السبيل ماهو جائر عن الاستقامة معوج، فالقصد من السبيل هو دين الإسلام، و الجائر منها هو اليهودية و النصرانية، و سائر ملل الكفر.
6- حيث نجد الكثير من البشر اختاروا الضلالة على الهدى، فلعلّ البعض يتصوّر أنّ الله تعالى مغلوب في تدبيره وربوبيته حيث جعل قصد السبيل، ولم يسلكه الأكثرون، لذا ختمت الآية الكريمة بقوله عزّ وجلّ (وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ). إذن هذا الاختلاف والانحراف ليس مغلوبية لله سبحانه في تدبيره، ولكن الله أراد أن يكون الإنسان مختارًا ممتحنًا، وهو نظير قوله تعالى (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا) يونس: 99. والحمد لله ربّ العالمين
17- ربيع الآخر- 1441 هـ
الشيخ مرتضى الباشا