وقيل: إن خالداً لما أسره ومن كان معه -وكان ذلك في ليلة شديدة البرد- فنادى مناديه، أن ادفئوا أسراكم فظن القوم أنه أراد القتل فقتلوهم، وقتل ضرار بن الأزور مالك بن نويرة، فلما سمع الداعية خرج وقد فرغوا منهم، فقال: إذا أراد الله أمراً أصابه. (1)... وعلى كل حال فقتل خالد لمالك بن نويرة: إما أن يكون لواحد من هذه الأسباب المذكورة، وإما أن يكون لسبب آخر لم نعلمه، وإما أن خالداً لم يرد قتله أصلاً، وإنما قتل خطأً، فإن كل ذلك محتمل. وحينئذ فخالد معذور على كل حال، سواء أكان قتله بحق لسبب يوجب قتله، أو بخطأ ناشئ عن تأويل يعذر به، أو بغير قصد لالوم عليه فيه. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)... انظر: تاريخ الطبري 3/278، وما بعدها. والبداية والنهاية لابن كثير... 6/326.... وأما غضب عمر على خالد وقوله له ما قال، فهذا إن ثبت فلكونه يرى أن خالداً كان مخطئاً في قتل مالك، ومع هذا فما كان يتهمه في دينه، بل كان يقول: إن في سيفه رهقاً.... وقد تقدم أن أمر مالك بن نويرة كان مشتبهاً، ولهذا اختلف الصحابة في قتلة، فمنهم من كان على رأي خالد، ومنهم من كان على رأي عمر في تخطئه خالد بقتله، وقد كان الصديق يرى أن خالداً في ذلك كان مجتهداً معذوراً ولذا قال لعمر: (هبه ياعمر تأول فأخطأ).
- مالك بن نويرة عند الشيعة
- مالك ابن نويرة
مالك بن نويرة عند الشيعة
قال المؤلف ص183 «وأما الحالة الثالثة التي وقعت لأبي بكر في أول خلافته، وخالفه فيها عمر بن الخطاب، وقد تأول فيها النصوص القرآنية والنبوية، فهي قصة خالد بن الوليد، الذي قتل مالك ابن نويرة صبراً، ونزا على زوجته فدخل بها في نفس الليلة.... وكان عمر يقول لخالد: يا عدو الله قتلت امرءاً مسلماً ثم نزوت على امرأته والله لأرجمنك بالحجار.... ولكن أبا بكر دافع عنه وقال: (هبه ياعمر، تأول فأخطأ، فارفع لسانك عن خالد) وهذا فضيحة أخرى سجلها التاريخ لصحابي من الأكابر!!
مالك ابن نويرة
وهذا لأنّ "أخْلَدَ" هنا ليس بلازم بل هو متعدٍّ ومفعوله محذوف أي أخلده ويدلّ عليه قوله تعالى﴿ لَرَفَعۡنَٰهُ بِهَا ﴾ وهو أيضًا متعدٍّ والرفع يكون إلى الجهة العالية كما يكون الإلقاء أو الإسقاط أو الجرّ إلى الأسفل كما قال تعالى بمثل هذه المناسبة: ﴿ وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ وَأَحۡسِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴾ (سورة البقرة). وقال الفرزدق:
وقال لهم: حلّوا الرحال، فإنكم
هرَبتم، فألقُوها إلى غير مهرب [10]
ومنه الإلقاء تفويض شيء إلى أحد كما قال الكميت الأسدي:
وألقيتم إليّ دلاءَ قومٍ
بما رفعتْ دلاؤكم عمينا [11]
أنت الأمين الذي من بعد صاحبه
ألقت إليك مقاليدَ النهى البشرُ [12]
وقال ذو الرمة:
إلى أنْ بلغتَ الأربعين فألقيتْ
إليك جماهيرُ الأمور الكبائرُ
فأحكمتَها لا أنتَ في الحكم عاجزٌ
ولا أنت فيها عن هدى الحقّ جائرُ [13]
وقد جاء في جمهرة خطب العرب: "---- وسقط الحسن إلى الأرض بعد أن ضرب الذي طعنه بسيف كان بيده واعتنقه فخرّا جميعًا إلى الأرض". [14]
وقال زُمَيل بن أمِّ دينار:
أغرّ هِجانًا خرّ من بطنِ حُرّةٍ
إلى كفِّ أخرى حرّةٍ بهبير [15]
فمعنى الآية أنّ الله يحبّ أن يرفعه إلى العلى ولكن لا يحاول الارتفاع بل يسقط نفسه إلى الدناءة ويدوم.
11- ديوان عمرو بن قَمِيْئَة، تحقيق وشرح وتعليق: حسن كامل الصيرفي، معهد المخطوطات العربية، جامعة الدول العربية، 1965م. 12- كتاب الوحشيات لأبي تمام الطائي، تحقيق: عبد العزيز الميمني الراجكوتي، وزيادة: محمود محمد شاكر، دار المعارف، القاهرة، مصر، ط3، 1968م. [1] مدير تحرير "مجلة الهند" وأستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، نيو دلهي..
[2] تفسير الطبري، 10 /585. [3] الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، 5 /516. [4] ديوانه، ص 45. [5] الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، 5 /516. [6] ديوانه، ص 41. [7] ديوانه، ص 190. [8] شرح ديوانه، ص 327. [9] ديوانه، ص 134، الشف: الفضل والربح. [10] ديوانه، ص 21. [11] ديوانه، ص 462. [12] ديوانه، ص 108. [13] ديوانه، ص 119. [15] كتاب الوحشيات، ص 248.