قال الإمام الرازي ما ملخصه: واعلم أن مجامع الطاعات محصورة في قسمين: التوبة عما لا ينبغي، والاشتغال بما ينبغي، والأول مقدم على الثاني بحسب الرتبة الذاتية. فوجب أن يكون مقدما عليه في الذكر.. أما التوبة عما لا ينبغي، فنراها في قوله- تعالى-: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ. وأما الاشتغال بما ينبغي، فنراه في قوله- تعالى- وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ. فاصبر ان وعد الله حق واستغفر لذنبك. والتسبيح عبارة عن تنزيه الله- تعالى- عن كل ما لا يليق به، والعشى والإبكار، قيل صلاة العصر وصلاة الفجر. وقيل: الإبكار عبارة عن أول النهار إلى النصف. والعشى عبارة عن النصف إلى آخر النهار، فيدخل فيه كل الأوقات، وبالجملة فالمراد منه المواظبة على ذكر الله. وأن لا يفتر اللسان عنه... ثم تعود السورة الكريمة مرة أخرى إلى توبيخ الذين يجادلون في آيات الله بغير حجة أو برهان، وتبين الأسباب التي حملتهم على ذلك، وترشد إلى العلاج من شرورهم، وتنفى المساواة بين الكافر والمؤمن، وتدعو المؤمنين إلى الإكثار من التضرع إلى الله- تعالى- فتقول:
﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله: ( فاصبر) أي: يا محمد ، ( إن وعد الله) أي: وعدناك أنا سنعلي كلمتك ، ونجعل العاقبة لك ولمن اتبعك ، والله لا يخلف الميعاد.
فاصبر إن وعد الله حق - طريق الإسلام
ولِهَذا قالَ تَعالى: {فاصْبِرْ إنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الروم: ٦٠]
فَمَن وفّى الصَّبْرَ حَقَّهُ، وتَيَقَّنَ أنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ لَمْ يَسْتَفِزَّهُ المُبْطِلُونَ، ولَمْ يَسْتَخِفَّهُ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ومَتى ضَعُفَ صَبْرُهُ ويَقِينُهُ أوْ كِلاهُما اسْتَفَزَّهُ هَؤُلاءِ واسْتَخَفَّهُ هَؤُلاءِ، فَجَذَبُوهُ إلَيْهِمْ بِحَسَبِ ضَعْفِ قُوَّةِ صَبْرِهِ ويَقِينِهِ، فَكُلَّما ضَعُفَ ذَلِكَ مِنهُ قَوِيَ جَذْبُهم لَهُ، وكُلَّما قَوِيَ صَبْرُهُ ويَقِينُهُ قَوِيَ انْجِذابُهُ مِنهم وجَذْبُهُ لَهم. §§§§§§§§§§§§§§
تفسير قوله تعالى: فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك
وليست له حجة يجادل بها، ولا برهان يصدع به. إنما هو الكبر وحده، ثم يختم المقطع بتوجيه النبي - صلّى الله عليه وسلّم- إلى الصبر فيقول سبحانه «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ. فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ».. [سورة غافر: الآية: 77] يقوله سيد رحمه الله في تفسيرها: يوصي الله عز وجل نبيه بالصبر على ما يجده من كبر ومن جدال، والثقة بوعد الله الحق على كل حال. سواء أراه الله بعض الذي يعدهم في حياته، أو قبضه إليه وتولى الأمر عنه. فالقضية كلها راجعة إلى الله، وليس على الرسول إلا البلاغ، وهم إليه راجعون، وهنا نقف أمام لفتة تستحق التدبر العميق. إن هذا الرسول الذي يلاقي ما يلاقي من الأذى والتكذيب والكبر والكنود، يقال له ما مفهومه: أد واجبك وقف عنده. فأما النتائج فليست من أمرك. حتى شفاء صدره بأن يشهد تحقق بعض وعيد الله للمتكبرين المكذبين ليس له أن يعلق به قلبه! تفسير قوله تعالى: فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك. إنه يعمل وكفى. يؤدي واجبه ويمضي. فالأمر ليس أمره. والقضية ليست قضيته. إن الأمر كله لله. والله يفعل به ما يريد. ربما كان أشق من الصبر على الإيذاء والكبر والتكذيب؟! إن احتجاز النفس البشرية عن الرغبة في أن ترى كيف يأخذ الله أعداءه وأعداء دعوته، بينما يقع عليها العداء والخصومة من أولئك الأعداء، أمر شديد على النفس صعيب.
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ - وَمَضات مِن الظلال - طريق الإسلام
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ
فإذا عرَفتَ - أيُّها النبيُّ - أنَّ حالَهمْ هكذا، وأنَّهمْ جاهِلونَ إلى هذا الحَدّ، فاصبِرْ على مُخالَفَتِهمْ وعِنادِهم، إنَّ اللهَ ناصِرُكَ ومُنجِزُ ما وعدَكَ به، ولا يَحمِلنَّكَ على القلَقِ والتسَرُّعِ باطِلُ المُبطِلين، الذينَ لا يُؤمِنونَ بما تؤمِنُ بهِ مِنَ التَّوحيدِ والبَعثِ والحِساب. { فاصبر إن وعد الله} في نصرك وتمكينك { حق ولا يستخفنك} لا يستفزنك عن دينك { الذين لا يوقنون} أي: الضلال الشاكون. فاصبر -أيها الرسول- على ما ينالك مِن أذى قومك وتكذيبهم لك، إن ما وعدك الله به من نصر وتمكين وثواب حق لا شك فيه، ولا يستفزَّنَّك عن دينك الذين لا يوقنون بالميعاد، ولا يصدِّقون بالبعث والجزاء.
تفسير و معنى الآية 55 من سورة غافر عدة تفاسير - سورة غافر: عدد الآيات 85 - - الصفحة 473 - الجزء 24. ﴿ التفسير الميسر ﴾
فاصبر -أيها الرسول- على أذى المشركين، فقد وعدناك بإعلاء كلمتك، ووعْدُنا حق لا يتخلف، واستغفر لذنبك، ودُمْ على تنزيه ربك عمَّا لا يليق به، في آخر النهار وأوله. ﴿ تفسير الجلالين ﴾
«فاصبر» يا محمد «إن وعد الله» بنصر أوليائه «حق» وأنت ومن تبعك منهم «واستغفر لذنبك» ليستن بك «وسبِّح» صل متلبساً «بحمد ربك بالعشي» وهو من بعد الزوال «والإبكار» الصلوات الخمس. ﴿ تفسير السعدي ﴾
فَاصْبِرْ يا أيها الرسول كما صبر من قبلك من أولي العزم المرسلين. فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ - وَمَضات مِن الظلال - طريق الإسلام. إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أي: ليس مشكوكًا فيه، أو فيه ريب أو كذب، حتى يعسر عليك الصبر، وإنما هو الحق المحض، والهدى الصرف، الذي يصبر عليه الصابرون، ويجتهد في التمسك به أهل البصائر. فقوله: إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ من الأسباب التي تحث على الصبر على طاعة الله وعن ما يكره الله. وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ المانع لك من تحصيل فوزك وسعادتك، فأمره بالصبر الذي فيه يحصل المحبوب، وبالاستغفار الذي فيه دفع المحذور، وبالتسبيح بحمد الله تعالى خصوصًا بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ اللذين هما أفضل الأوقات، وفيهما من الأوراد والوظائف الواجبة والمستحبة ما فيهما، لأن في ذلك عونًا على جميع الأمور.
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60) القول في تأويل قوله تعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (60) يقول تعالى ذكره: فاصبر يا محمد لما ينالك من أذاهم، وبلِّغهم رسالة ربك، فإن وعد الله الذي وعدك من النصر عليهم، والظفر بهم، وتمكينك وتمكين أصحابك وتُبَّاعك في الأرض حقّ (وَلا يسْتَخِفَّنَّك الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) يقول: ولا يستخفنّ حلمك ورأيك هؤلاء المشركون بالله الذين لا يوقنون بالمعاد ولا يصدّقون بالبعث بعد الممات، فيثبطوك عن أمر الله والنفوذ لما كلَّفك من تبليغهم رسالته. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سعيد بن جُبَير، عن عليّ بن ربيعة، أن رجلا من الخوارج، قرأ خلف عليّ رضي الله عنه: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ فقال عليّ: ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ). قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عثمان بن أبي زرعة عن عليّ بن ربيعة قال: نادى رجل من الخوارج عليا رضي الله عنه، وهو في صلاة الفجر، فقال: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ فأجابه عليّ رضي الله عنه وهو في الصلاة: ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ).
يفضح الله الظالم المعتدي يوم القيامة على رؤوس الخالق؛ قال عليه الصلاة والسلام ( والله لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شيئا بِغَيْرِ حَقِّهِ إلا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يوم الْقِيَامَةِ فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا له رُغَاءٌ أو بَقَرَةً لها خُوَارٌ أو شَاةً تَيْعَرُ). متوعدون بدخول النار وبئس المصير، قال صلى الله عليه وسلم ( إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة)
عباد الله.. للظلم صور كثيرة، وأنواع متعددة، فاعرفوها واحذروها. يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي - حواء الامارتية. احذروا الشرك بالله تعالى؛ فإنه أظلم الظلم وغاية الخسران. واحذروا ظلم النفس بالذنوب والعصيان؛ بتضييع العبادات، والإغراق في المحرمات. واجتنبوا ظلم العباد بالغيبة والقذف والسباب؛ أو السخرية والتنابز بالألقاب، فإنه موصل إلى أليم العذاب. ومن الظلم المبين: تتبع عورات المسلمين، وإشاعة الفاحشة بين المؤمنين،
والاعتداء على حقوق الآخرين؛ فمن اقتطع ولو شيئا يسيرا منها فإنه يحمله على عاتقه يوم الدين، ويُطوَّق به عنقُه خزيا له بين العالمين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ"
ومن الظلم: الغش في المعاملات، والمماطلة في رد الدّين، قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَطْل الغنيِّ ظلم "
ومن عظيم الظلم والاعتداء: أكل مال الأيتام والضعفاء.
يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي - حواء الامارتية
• أن اللهَ لا يظلم العباد، قال عز وجل: ﴿ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [ق: 29]، وقال: ﴿ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 108]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا ﴾ [يونس: 44]. • أن الله حرَّم الظلم على عباده ونهاهم عن الظلم، والظلم نوعان:
ظلم العبدِ لنفسِه بترك التوحيد والطاعات أو بالشرك والبدع والجهل والكسل والمعاصي والمنكرات. ياعبادي اني حرمت الظلم على نفسي. ظلم العبد لنفسه ولغيره من خلال إغواء الناس وإضلالهم وإفسادهم وتحكيم غير شرع الله فيهم، أو تولية الظالمين الفاسدين الفاسقين عليهم، أو نصرة أعدائهم، أو أخذ حقوقهم أو غشهم أو خذلانهم أو تجهيلهم أو إضعافهم، ومن ذلك ظلم الإنسان للمخلوقات الأخرى. • أن نطلب العون والهداية من الله؛ ولذلك يقول الله: (يا عبادي: كلكم ضالٌّ إلا من هديتُه، فاستهدوني أهدكم)، وهذا يعني أن نسعى للهداية ونطلب من الله الهداية وسيهدينا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: 17]. • أن نسأل الله سبحان وتعالى جميع احتياجاتنا، فها هو جل شأنه يطلب منا ويقول: ( يا عبادي، كلكم جائعٌ إلا من أطعمتُه، فاستطعموني أُطعمكم.
وذلك فقط لما له من عواقب وخيمة على الأمم ، وآثاره المدمرة على المجتمعات ، ولم يظهر الظلم بين الناس إلا أنه كان سببا في هلاكهم ، والتعجيل بالعقاب عليهم ، كما قال تعالى في. كتابه العظيم: {وكذا ربك يسيطر على القرى وهم ظالمون. هود: 102) ، ثم كان دعاء المظلوم عظيم الأهمية عند الله ، فتفتح له أبواب السماء ، ويرفعها الله فوق السحاب يوم القيامة. ثم انتقل الحديث إلى بيان مظاهر قلة الخلق لربهم وحاجتهم إليه ، في قوله: (يا عبادي أنتم ضللون إلا عن هديته ، فاسترشدوا مني فأرشدكم.. ) ، فأوضح أن الخليقة كلها ليس لها شيء في سيطرتها ، ولا تملك قوة لنفسها أو لغيرها ، سواء كان ذلك في أمور معيشتها أو مستقبلها. له فإن من تدعو دون الله لن يخلق ذبابة حتى لو اجتمعوا لها ، وإذا سلبهم الذبابة شيئًا ، فلن ينقذوه منه ضعف الساعي والمطلوب "(سورة الرحمن). الحج: 73). لم يكونوا قادرين أبدًا ، وإذا كان الناس ضعفاء ومحتاجين ، فعليهم أن يتوكلوا على الله في أمور الدنيا والآخرة ، وأن يكونوا محتاجين إليه في رزقهم ومستقبلهم.