لكن يوسف يأخذ الأمر إلى أبعاد أخرى في الجواب؛ فيعتقد أن المتنبي "سبق عصره بوعيه، فقد كان مثقّفًا بما تتضمّنه هذه الكلمة من دلالات"، ويشرح الناقد هذه الثقافة بأنها "تمثّلت في خروجه عن السائد والقارّ من التقاليد الفكرية والفنية، حتى إنه لشدّة اعتداده بوعيه وثقافته ادّعى النبوة ومثّل الغرور والصلف والغطرسة بكلّ ثقة واعتداد". ويستدرك يوسف مستثنيا هذا الغرور لدى المتنبي من أنه "كان يعرف كيف يوظّف إحساسه في بناء تجربته الشعرية حتى تكون معبّرا عن التجربة الإنسانية عامة، لذلك عُدّ حكيما من هذه الناحية". ويعتقد أيضا أن سرّ خلود المتنبي ربما يعود إلى "تبنّيه موقفًا واضحًا لا مراوحة فيه إزاء المثل العليا، وقد جسّد ذلك في مدائحه ومراثيه وهجائه وفخره بصورة واضحة، فجعله ذلك من هذه الناحية مرجعية صالحة لمن يبحث عن بغيته في هذه المعاني". المتنبي قيامة الشعر
لا أحد يختلف في كون المتنبي شاعرًا خالدًا لم يزل على ألسنة الناس رغم تشبهه بالأنبياء، لكن أصحاب الهمم يتغنّون بكرمه وشجاعته مع ما وصف به من بخل وجزع. وهو ما يقول عنه الشاعر الناقد الدكتور حسين القاصد "كأنه ينظر إلى الشعر المستقبلي على أنه قديم، بل كأنه واقف في نهاية الزمن ليقول لنا: أنا الصائح المحكي والآخر الصدى"، ويقول أيضا إنه الذي "صرخ في أحد الأيام: (أريد من زمني ذا أن يبلغني.. قصيده المتنبي في سيف الدوله الحمداني. ما ليس يبلغه من نفسه الزمن)".
المتنبي.. ديمومة الذكر وتوهّج المعاني لدى شاعر كل العصور | شبكة الأمة برس
نال المتنبّي عند سيف الدولة ما لم يحظى به أي شاعر قبله أو بعده ، قبل أن يُعرض عنه سيف الدولة ويجافيه، بعد أن سمع لحسّاد وخصوم المتنبي. رحلات أبو الطيّب المتنبّي
رحلة المتنبّي إلى كافور
بعد أن أوقع الحسّاد بين سيف الدولة والمتنبّي ، عزم المتنبّي أمره وغادر حلب إلى دمشق سنة 346 هجري. وهناك التقى بأحد أتباع كافور الإخشيدي حاكم مصر، والّذي أقنعهُ بالتوجّه إلى مصر ، ليمدح كافور و يظفر بالمال والهدايا. المتنبي.. ديمومة الذكر وتوهّج المعاني لدى شاعر كل العصور | شبكة الأمة برس. كان كافور الإخشيدي في انتظار المتنبّي ليتباهى به، فقصده المتنبّي ومدحه. وعده كافوران يقلّده ولاية ولكن خشي ان ينقلب عليه، ولمّا يئس المتنبّي وخاب أمله طلب المغادرة لكنه منع خشية أن يهجي كافور. فغادر سراً سنة 350 هجري ليلة عيد الأضحى ، حيث نظّم قصيدة في هجاء كافور ،واتّجه إلى بغداد. رحلة أبو الطيّب المتنبّي إلى بغداد
بعد مغادرته مصر ، قصد بغداد ثمّ تركها إلى أرجان ، حيث التقى أبا الفضل ابن العميد ،ومدحهُ بمجموعة من القصائد تدعى العميديّات. بعد ذلك اتّجه إلى شيراز قاصداً عضُدَ الدولة ، نظّم فيه القصائد ورجع من عنده بالمال عائداً إلى الكوفة مسقط رأسه. من فرائد أبو الطيّب المتنبّي وحكمه
قوله:
كأنّك مستقيمٌ في مَحالِ
فإن تفُقِ الأنام َ وأنت مِنهُم
فإن المسكً بعضُ دمِ الغزالِ
وقوله:
كلّ يومٍ لكَ ارتحالٌ جديدٌ
ومسيرٌ للمجد فيه مقامُ
ومن حكمه قوله:
لم أرَ في عيوب الناسِ عيباً
كنقصِ القادرين على التمامِ
مقتل الشاعر أبو الطيّب المتنبّي
قتل المتنبّي بسبب إحدى قصائده ، على يد فاتك الأسدي بعد أن اهان فيها ابن أخته ضبة.
…….. جزاك الله كل الخير