قال الفراء: في هذا ما يقوي أن أصحاب اليمين الولدان؛ لأنهم لا يعرفون الذنوب. {قالوا} يعني أهل النار {لم نك من المصلين} أي المؤمنين الذين يصلون. {ولم نك نطعم المسكين} أي لم نك نتصدق. {وكنا نخوض مع الخائضين} أي كنا نخالط أهل الباطل في باطلهم. وقال ابن زيد: نخوض مع الخائضين في أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وهو قولهم - لعنهم الله - كاهن، مجنون، شاعر، ساحر. وقال السدي: أي وكنا نكذب مع المكذبين. وقال قتادة: كلما غوى غاو غوينا معه. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ - منتديات سكون القمر. وقيل معناه: وكنا أتباعا ولم نكن متبوعين. {وكنا نكذب بيوم الدين} أي لم نك نصدق بيوم القيامة، يوم الجزاء والحكم. {حتى أتانا اليقين} أي جاءنا ونزل بنا الموت؛ ومنه قوله تعالى {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}[الحجر: 99]. قوله تعالى {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} هذا دليل على صحة الشفاعة للمذنبين؛ وذلك أن قوما من أهل التوحيد عذبوا بذنوبهم، ثم شفع فيهم، فرحمهم الله بتوحيدهم والشفاعة، فأخرجوا من النار، وليس للكفار شفيع يشفع فيهم. وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: يشفع نبيكم صلى الله عليه وسلم رابع أربعة: جبريل، ثم إبراهيم، ثم موسى أو عيسى، ثم نبيكم صلى الله عليه وسلم، ثم الملائكة، ثم النبيون، ثم الصديقون، ثم الشهداء، ويبقى قوم في جهنم، فيقال لهم {ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين.
- القرآن الكريم - في ظلال القرآن لسيد قطب - تفسير سورة المدثر - الآية 45
- مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ - خالد سعد النجار - طريق الإسلام
- وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ - منتديات سكون القمر
القرآن الكريم - في ظلال القرآن لسيد قطب - تفسير سورة المدثر - الآية 45
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ
لمَّا لم يسكن قلوبَنا من العلم والإيمان ما يُمتنع به من دعاة الباطل والغَواية، فكُنَّا نَنعق خلف كل ناعق دون فحص ولا بحث ولا تحقيق ولا تمحيص في دعواه أحق أم باطل؟! وكُنَّا كلما سَخِر ساخر أو اغتاب أو نمَّ سخرنا معه واغتبنا ونممْنا؛ هرَبًا من ظلمة الكآبة والشقاوة والحزن إلى وهم السعادة والانشراح والمسرَّة، وإنَّها لسَكرة! مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ - خالد سعد النجار - طريق الإسلام. وكُنا كلما غَوى غاوٍ غوَينا معه رسمًا بالقلم للأراجيف والفواحش، وبثًّا باللسان للفضائح والشوائع؛ هربًا من الخمول إلى الشهرة، وحُبًّا في مجاراة القوم واكتساب ثنائهم. وكُنَّا نَخوض في دين الله بغير علم، ونتقول على الله الأقاويل؛ استكبارًا عن طلب الحق وسؤال أهله، وغرورًا بما لدينا من فتات علم مخلوط بظلمة البدع والشبهات، لو نفعنا لألجَمَ ألسنتَنا، ثم ماذا؟
لوثات قبيحة، ولطخات واضحة موحشة، وانتشار للأباطيل والأراجيف والفواحش، وهدم الروابط والصلات الاجتماعية، وصَدٌّ عن سبيل الله، وعواقِبُ مُخزية. فحطب كل فتنة: الخائضون بغير نور وبرهان من الحق، بهم تُوقد ويشبُّ ضرامها؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظنُّ أن تبلُغ ما بلغَت؛ فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة)).
مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ - خالد سعد النجار - طريق الإسلام
وقوله ـ سبحانه ـ: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكُمْ إذًا مِّثْلُهُمْ إنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْـمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا** [النساء: 140]. قال ابن جرير ـ رحمه الله ـ: «وفي هذه الآية، الدلالة الواضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع، من المبتدعة والفسقة، عند خوضهم في باطلهم» (1) ، وحديث: «مثل الجليس الصالح وجليس السوء» لا يخفى على أحد. القرآن الكريم - في ظلال القرآن لسيد قطب - تفسير سورة المدثر - الآية 45. والذي يُقحم نفسه في هذه المجالس وما يكتبه أهلها؛ فلا شك أنه قد غامر بنفسه وعقيدته، والسلامة بعيدة. قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: «لا تجالس أهل الأهواء: فإن مجالستهم ممرضة للقلب» (2). وقال أبو الجوزاء: «لأن أجالس الخنازير أحب إليَّ من أن أجالس أحداً من أهل الأهواء» (3). وقال أبو قلابة: «لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تحادثوهم، فإني لا آمن أن يغمروكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون» (4). وقال شعيب بن الحبحاب: «قلت لابن سيرين: ما ترى في السماع من أهل الأهواء؟ قال: لا نسمع منهم ولا كرامة» (5).
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ - منتديات سكون القمر
عن أنَس بن مالك رضي اللّه عنه قال: قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الآية {هو أهل التقوى وأهل المغفرة} وقال: (قال ربكم أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله، فمن اتقى أن يجعل معي إلهاً كان أهلاً أن اغفر له) ""رواه الترمذي وابن ماجه من حديث زيد بن الحباب"". اكسب ثواب بنشر هذا التفسير
وقرأ العامة لإحدى وهو اسم بني ابتداء للتأنيث، وليس مبنيا على المذكر؛ نحو عقبى وأخرى، وألفه ألف قطع، لا تذهب في الوصل. وروى جرير بن حازم عن ابن كثير {إنها لحدى الكبر} بحذف الهمزة. {نذيرا للبشر} يريد النار؛ أي أن هذه النار الموصوفة {نذيرا للبشر} فهو نصب على الحال من المضمر في {إنها} قال الزجاج. وذكر؛ لأن معناه معنى العذاب، أو أراد ذات إنذار على معنى النسب؛ كقولهم: امرأة طالق وطاهر. وقال الخليل: النذير: مصدر كالنكير، ولذلك يوصف به المؤنث. وقال الحسن: والله ما أنذر الخلائق بشيء أدهى منها. وقيل: المراد بالنذير محمد صلى الله عليه وسلم؛ أي قم نذيرا للبشر، أي مخوفا لهم {فنذيرا} حال من {قم} في أول السورة حين قال {قم فأنذر}[المدثر: 2] قال أبو علي الفارسي وابن زيد، وروي عن ابن عباس وأنكره الفراء. ابن الأنباري: وقال بعض المفسرين معناه {يا أيها المدثر قم نذيرا للبشر}. وهذا قبيح؛ لأن الكلام قد طال فيما بينهما. وقيل. هو من صفة الله تعالى. روى أبو معاوية الضرير: حدثنا إسماعيل بن سميع عن أبي رزين {نذيرا للبشر} قال: يقول الله عز وجل: أنا لكم منها نذير فاتقوها. و(نذيرا) على هذا نصب على الحال؛ أي {وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة} منذرا بذلك البشر.