أتوقف أحيانا كلما مررت بهاتين الآيتين العجيبتين اللتين ختمت بهما سورة التوبة، أو براءة، أو الفاضحة… «لقد جاءكم رسول من أنفسكم…» إلى آخر السورة الكريمة. فمع قوة آيات السورة الكريمة من أولها إلى آخرها وشنها الحرب دون هوادة على المنافقين والمشركين وغيرهم.. تفضحهم وتكشف خبيئة نفوسهم المريضة، وتظهر أمراض قلوبهم وتعري حقيقتهم. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة التوبة - الآية 129. أقول رغم ذلك… شاء الله جلت قدرته أن يختم هذه السورة رغم ما فيها من إعلان الحرب على المشركين وكشف المنافقين أمام أنفسهم… ورغم أنها السورة الوحيدة التي لم تبدأ بالبسملة؛ إذ لا رحمة بأولئك في الدنيا أو الآخرة… رغم ذلك… ختمت بهاتين الآيتين الكريمتين، لتضع بين أيدينا صفات ذلك الرسول الكريم، وتبين ما حباه الله من خلق قويم. فيؤكد ربي جل وعلا مجيء هذا الرسول الكريم الذي هو:
– من خيار الناس نسبا وأنه منهم يعرفونه ويقرون بفضله وكرم محتده وعلو نسبه صلى الله عليه وسلم. – يعز عليه صلى الله عليه وسلم ويحزنه أي عنت أو شدة أو مشقة تصيبنا. – حريص على هدايتنا والأخذ بأيدينا لدين ربنا وقبولنا له لننجوا. – رؤوف رحيم بالمؤمنين، يرق قلبه عليهم ويتألم لهم ويفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم. سبحان الله… ثم تجيئ الآية الكريمة الأخيرة في السورة لتقفل هذا القوس المفتوح من أول السورة تجاه أولئك المعرضين الذين تولوا ولم يقبلوا ذلك النور وتلك الهداية التي جاءهم بها…
وترسم له طريقا واضحا وعلاجا ناجعا معهم، من غير لف ولا دوران… ولا زيادة ولا نقصان…
فسياق الآية الكريمة قبلها التي وضحت موقفه صلى الله عليه وسلم من المؤمنين… فما الموقف ممن استكبر ولم يؤمن ولم يقبل الحق الذي جاءهم به ولم ينافق ولم يحارب ولم يتآمر؟… تصرح الآية الكريمة… ما عليك يا نبي الله إلا أن:
– تحتسب…
– وتتوكل على ربك…
فتعلنها صريحة: (فقل: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم).
لقد جاءكم رسول من انفسكم فوائد
* * * وقال آخرون: بل معنى ذلك: عزيز عليه عَنت مؤمنكم. * ذكر من قال ذلك: 17509- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (عزيز عليه ما عنتم) ، عزيزٌ عليه عَنَت مؤمنهم. * * * قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قولُ ابن عباس. وذلك أن الله عمَّ بالخبر عن نبيّ الله أنه عزيز عليه ما عنتَ قومَه, ولم يخصص أهل الإيمان به. فكان صلى الله عليه وسلم [كما جاء الخبرُ من] الله به، عزيزٌ عليه عَنَتُ جمعهم. تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ..}. (20) * * * فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يوصف صلى الله عليه وسلم بأنه كان عزيزًا عليه عنتُ جميعهم، وهو يقتل كفارَهم، ويسبي ذراريَّهم، ويسلبهم أموالهم؟ قيل: إن إسلامهم، لو كانوا أسلموا، كان أحبَّ إليه من إقامتهم على كفرهم وتكذيبهم إياه، حتى يستحقوا ذلك من الله. وإنما وصفه الله جل ثناؤه بأنه عزيزٌ عليه عنتهم, لأنه كان عزيزًا عليه أن يأتوا ما يُعنتهم، وذلك أن يضلُّوا فيستوجبوا العنت من الله بالقتل والسبي. * * * وأما " ما " التي في قوله: (ما عنتم) ، فإنه رفع بقوله: (عزيز عليه) ، لأن معنى الكلام ما ذكرت: عزيز عليه عنتكم. * * * وأما قوله: (حريص عليكم) ، فإن معناه: ما قد بيَّنت, وهو قول أهل التأويل.
قال تعالى لقد جاءكم رسول من أنفسكم
وكان عمر يحضرهم وهم يكتبون ذلك. وفي الصحيح أن زيدا قال: فوجدت آخر سورة " براءة " مع خزيمة بن ثابت - أو: أبي خزيمة وقدمنا أن جماعة من الصحابة تذكروا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال خزيمة بن ثابت حين ابتدأهم بها ، والله أعلم. وقد روى أبو داود ، عن يزيد بن محمد ، عن عبد الرزاق بن عمر - وقال: كان من ثقات المسلمين من المتعبدين ، عن مدرك بن سعد - قال يزيد: شيخ ثقة - عن يونس بن ميسرة ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال: من قال إذا أصبح وإذا أمسى: حسبي الله لا إله إلا هو ، عليه توكلت ، وهو رب العرش العظيم ، سبع مرات ، إلا كفاه الله ما أهمه. وقد رواه ابن عساكر في ترجمة " عبد الرزاق بن عمر " هذا ، من رواية أبى زرعة الدمشقي ، عنه ، عن أبي سعد مدرك بن أبي سعد الفزاري ، عن يونس بن ميسرة بن حليس ، عن أم الدرداء ، سمعت أبا الدرداء يقول: ما من عبد يقول: حسبي الله ، لا إله إلا هو ، عليه توكلت ، وهو رب العرش العظيم ، سبع مرات ، صادقا كان بها أو كاذبا ، إلا كفاه الله ما همه. وهذه زيادة غريبة. لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم. ثم رواه في ترجمة عبد الرزاق أبي محمد ، عن أحمد بن عبد الله بن عبد الرزاق ، عن جده عبد الرزاق بن عمر ، بسنده فرفعه فذكر مثله بالزيادة.
لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم
الشيخ: عبدالرزاق بن عمر. س: ما صحّة سند الحديث؟
ج: فيه نظر.....
وقد رواه ابنُ عساكر في ترجمة عبدالرزاق بن عمر، هذا من رواية أبي زرعة الدّمشقي عنه، عن أبي سعدٍ مدرك ابن أبي سعد الفزاري، عن يونس بن ميسرة بن حلبس، عن أم الدَّرداء: سمعت أبا الدَّرداء يقول: ما من عبدٍ يقول: "حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلتُ وهو ربّ العرش العظيم" سبع مرات، صادقًا كان بها، أو كاذبًا، إلا كفاه الله ما أهمّه. وهذه زيادة غريبة. ثم رواه في ترجمة عبدالرزاق أبي محمد، عن أحمد بن عبدالله بن عبدالرزاق، عن جدِّه عبدالرزاق بن عمر بسنده، فرفعه، فذكر مثله بالزيادة، وهذا مُنكر، والله أعلم. آخر سورة براءة، ولله الحمد والمنَّة. س: أحسن الله إليك، أما جاء هذا الأثر مرفوعًا إلى النبي ﷺ دون زيادة: "سبع مرات"، "حسبي الله" من أذكار المساء؟
ج: ما أعلم. س: سند هذا الذكر؟
ج: فيه عبدالرزاق هذا، وهو مجهول..... ، يُروى عن أبي الدَّرداء موقوفًا. قال تعالى لقد جاءكم رسول من أنفسكم. س: هذا ما يكون فيه نكارة؟ يقول: صادقًا أو كاذبًا؟
ج: لا، هذه الزيادة غلط. مُداخلة: في "سنن أبي داود": عبدالرزاق بن مسلم الدّمشقي، وليس عبدالرزاق بن عمر، في أصل السنن. الشيخ: إيه. الطالب: هو واحدٌ، بارك الله فيكم، هو عبدالرزاق بن عمر بن مسلم، الدمشقي، العابد، عن مبشر بن إسماعيل، وعنه أبو حاتم، وقال: كان فاضلًا، مُتعبدًا، صدوقًا.
فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ إلى منزله ، دعا الأعرابي إلى البيت ، فقال له: " إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك ، فقلت ما قلت " فزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، وقال: " أحسنت إليك ؟ " فقال الأعرابي: نعم ، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنك جئتنا تسألنا فأعطيناك ، فقلت ما قلت ، وفي أنفس أصحابي عليك من ذلك شيء ، فإذا جئت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي ، حتى يذهب عن صدورهم ". قال: نعم. فلما جاء الأعرابي. قال إن صاحبكم كان جاءنا فسألنا فأعطيناه ، فقال ما قال ، وإنا قد دعوناه فأعطيناه فزعم أنه قد رضي ، [ كذلك يا أعرابي ؟] قال الأعرابي: نعم ، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة ، فشردت عليه ، فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورا. فقال لهم صاحب الناقة: خلوا بيني وبين ناقتي ، فأنا أرفق بها ، وأعلم بها. فتوجه إليها وأخذ لها من قتام الأرض ، ودعاها حتى جاءت واستجابت ، وشد عليها رحلها وإنه لو أطعتكم حيث قال ما قال لدخل النار ". ثم قال البزار: لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه. تفسير آية لقد جاءكم رسول من أنفسكم وصورها مزخرفة - شبابيك. قلت: وهو ضعيف بحال إبراهيم بن الحكم بن أبان ، والله أعلم.
فتنقله الآية الكريمة من تكذيب الكافرين ونفاق المنافقين وما في السورة من صور مختلفة لتلك الأمراض ومن هذا العالم السفلي برمته… إلى ذلك الملكوت العلوي… عند عرش ربه العظيم…
إنها – بحق – نقلة كبيرة وصورة عظيمة ووصف لشيء عظيم وهو العرش، تختم به السورة الكريمة وتحط عندها رحالنا… وتدلنا وتأخذ بألبابنا إلى ذي عرش عظيم… رب هذا الكون ورب أولئك المكذبين والمنافقين. وجدير بالذكر لفت النظر إلى ما تستشعره النفس من لطف وجمال تصويري وبلاغي في لفظي (عزيز) و (حريص) ثم تقديم لفظ (بالمؤمنين) على (رؤوف رحيم) ولو شاء سبحانه لجعل السياق واحدا كما في عزيز وحريص فقدم رؤوف ورحيم… لكنه جلت قدرته جعلها بالمؤمنين رؤوف رحيم… لاختصاص المؤمنين برأفته ورحمته صلى الله عليه وسلم. فلا يمكن لبليغ أبدا مهما أوتي من صنعة وآلة وفصاحة ولباقة… أن يختم كلمات شديدة فاضحة كاشفة تعلن غارة الحرب وتكشف خبث نفوس المنافقين و…. لقد جاءكم رسول من انفسكم فوائد. بمثل هاتين الآيتين الكريمتين اللتين تكشفان عن نفس عظيمة وتنبآن عن معدن غير عادي آتاه الله تعالى من فضله لذلك النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم.