كانت البداية في عهد مسلمة بن مخلد الأنصاري، والي مصر من قبل معاوية بن أبي سفيان، حين أضاف إليه أربع مآذن. ثم جاءت تعديلات أخرى في عهد قرة بن شريك، والي مصر أثناء خلافة الوليد بن عبد الملك الأموي، بين عامَي 709 و715، حين زاد في مساحته وأنشأ فيه محراباً مجوّفاً، ومنبراً خشبياً ومقصورة. وفي الدولة العباسية إبان حكم المأمون، أمر الوالي عبد الله بن طاهر بتوسعة المسجد حتى وصل إلى 112 متراً؛ أما في عهد الدولة الطولونية، فأعاد خمارويه ابن طولون بناء الأجزاء التي تمّ هدمها. في عهد الدولة الإخشيدية، زادت أعمال الزخرفة من طلاء بالذهب والفضة ونقوش الفسيفساء. ولاقى الجامع عناية خاصة من الخلفاء الفاطميين، فزوّده الحاكم بأمر الله بمصابيح وربعات وبتنورٍ فضّي ضخم. حكام الدولة الأيوبية وأسباب سقوطها - موقع مُحيط. وفي سنة 438هـ، أمر الخليفة المستنصر بالله ببناء منطقة من الفضّة في صدر المحراب الكبير، وجعل لعموده المحراب أطواقاً من الفضّة؛ كما زود بعد ذلك بأربع سنوات بمقصورة خشبية، وبمحراب متنقل من خشب الساج المنقوش بعمودين من الصندل. انتهى الازدهار الذي عرفه الجامع في العصر الفاطمي، بكارثة الفسطاط الشهيرة، عندما أُحرقت المدينة في سنة 564هـ خلال النزاع بين الوزيرين شاور وضرغام.
حكام الدولة الأيوبية وأسباب سقوطها - موقع مُحيط
السياسية:
غالباً ما يُشار إلى جامع عمرو بن العاص على أنه أقدم الآثار الإسلامية في مصر وإفريقيا، لكن التاريخ يقول غير ذلك. فقد ذكرنا في تقريرٍ سابق، أن مسجد سادات قريش، الذي بَناه عمرو بن العاص أيضاً في مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، هو أول المساجد التي أنشئت بعد الفتح الإسلامي لمصر في العام 18هـ. أنشئ جامع عمرو بن العاص سنة 21هـ/641م، حين لم تكن فنون العمارة الإسلامية نضجت بعد، وكان الهدف الأساسي بناء مسجدٍ صغير يصلّي فيه الجنود المتمركزون في الفسطاط، بعدما نجحوا -تحت قيادة عمرو بن العاص- في فتح العريش، ثم بلبيس، إلى أن وصلوا إلى الفسطاط وجعلوها عاصمة البلاد. في ذلك الوقت، كانت الفسطاط تقع داخل حدود مدينة القاهرة الحديثة، وكان جامع عمرو بن العاص أوّل ما بُني داخل هذه العاصمة. ولعلّ هذا ما يبرّر واقع أنه لم يتبقَّ من أثر الجامع القديم الذي بناه عمرو بن العاص، سوى موقعه واسمه ورمزيته التاريخية. فقد عاصر الجامع نحو 13 قرناً من التغيّرات، فقد نشأ متواضعاً وبسيطاً قبل أن يزدهر ويُذاع صيته، وتبلغ مساحته 13 ألفاً و200 متر مربّع. اختار القائد ابن العاص، مكاناً مميزاً لإنشاء مسجد في وسط مدينة الفسطاط يطل على النيل، وكان عبارة عن حديقة مملوكة لقيسبة بن كلثوم، تبرّع بها.
ويذكر الجبرتي أن بعض اليهود أوعز إليه أنه سيجد كنزاً ضخماً عند تجديده للجامع، وهو ما دفعه إلى تجشم أعباء هذه العمارة. فقد تمّ الترميم على صورة غير علمية، من دون أي تخطيطٍ هندسي، ما ألحق ضرراً بهيئة المسجد وبعض أجزائه. كما شهد الجامع توسعات في عهد محمد علي باشا، الذي قام بإصلاحه وأعاد إليه صلاة الجمعة من جديد؛ وفي العام 1899 قام ديوان الأوقاف بتجديد سقف الإيوان القبلي وبعض من الإيوان الغربي، إضافة إلى ترميم جدرانه وفرش أرضه بالبلاط. وفي 1940 قامت لجنة حفظ الآثار العربية بإصلاحٍ شامل بالجامع. يتألف تخطيط الجامع الآن من صحن أوسط مكشوف تحدق به أربع ظلات للصلاة، أكبرها وأعمقها ظلة القبلة التي تتكوّن من 7 أروقة، حُملت عقودها على أعمدة رخامية تمّ نقلها من عمائر قديمة. أما الظلتان الجانبيتان فتتكوّن كلّ واحدة منهما من 5 أروقة، في حين يبلغ عدد أروقة الظلة الخلفية 7. كان للمسجد دور علمي رائد أيضاً، وعلى مدى قرون. فقد ألقى فيه الإمام الشافعي دروسه،
والليث بن سعد أيضاً، كما خطب فيه العز بن عبد السلام. إضافة إلى وظيفته كمسجدٍ يؤدي فيه المسلمون الصلوات، عرف جامع عمرو بن العاص وظائف أخرى. فقد كانت به أول محكمة لفضّ المنازعات الدينية والمدنية، وكانت تعقد جلساتها في الجانب الغربي منه.