الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: [يا عائشة، الأم أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض]. "" خرجه الترمذي. عن ابن عباس"": أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يحشرون حفاة عراة غرلا] فقالت امرأة: أينظر بعضنا، أو يرى بعضنا عورة بعض؟ قال: [يا فلانة] {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه}. قال: حديث حسن صحيح. وقراءة العامة بالغين المعجمة؛ أي حال يشغله عن الأقرباء. وقرأ ابن محيصن وحميد {يعنيه} بفتح الياء، وعين غير معجمة؛ أي يعنيه أمره. وقال القتبي: يعنيه: يصرفه ويصده عن قرابته، ومنه يقال: أعن عني وجهك: أي أصرفه واعن عن السفيه؛ قال خفاف: سيعنيك حرب بني مالك ** عن الفحش والجهل في المحفل قوله تعالى {وجوه يومئذ مسفرة} أي مشرقة مضيئة، قد علمت مالها من الفوز والنعيم، وهي وجوه المؤمنين. يوم يفر المرء من ابيه. {ضاحكة} أي مسرورة فرحة. {مستبشرة}: أي بما آتاها الله من الكرامة. وقال عطاء الخراساني {مسفرة} من طول ما اغبرت في سبيل الله جل ثناؤه. ذكره أبو نعيم. الضحاك: من آثار الوضوء. ابن عباس: من قيام الليل؛ لما روي في الحديث: [من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار] يقال: أسفر الصبح إذا أضاء. {ووجوه يومئذ عليها غبرة} أي غبار ودخان {ترهقها} أي تغشاها {قترة} أي كسوف وسواد.
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة عبس - الآية 35
أما السياق في سورة (المعارج) ، فهو مختلف عما في (عبس) ذلك أنه مشهد من مشاهد العذاب الذي لا يطاق ، فقد جيء بالمجرم ، ليقذف به في هذا الجحيم المستعر ، وهذا المجرم يودّ النجاة بكل سبيل ولو أدى ذلك إلى أن يبدأ بابنه ، فيضعه في دركات لظى. فرتب المذكورين ترتيباً آخر يقتضيه السياق ، وهو البدء بالأقرب إلى القلب والأعلق بالنفس فيفتدي به فضلاً عن الآخرين. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة عبس - الآية 35. وإن البدء بأقرب الناس وأحبهم إلى هذا المجرم وألصقهم بقلبه ليفتدي به ، يدلّ على أن العذاب فوق التصوّر ، وهوله أبعد من الخيال ، بحيث جعله يبدأ باقرب الناس إليه ، وأن يتخلّى عن كل مساومة ، فيبدأ يفدي نفسه بالأقرب إلى قلبه ثم الأبعد لذا بدأ ببنيه أعز ما عنده ثم صاحبته وأخيه ثم فصيلته ثم من في الأرض جميعاً والملاحظ أنه في حالة الفداء هذه لم يذكر الأم والأب وهذا لأن الله تعالى أمر بإكرام الأب والأم ويمنع الإفتداء بالأم أو الأب من العذاب إكراماً لهما. المصدر: لمسات بيانية في نصوص من التنزل ، الدكتور فاضل السامرائي ، ص193-196
[/align]
فقد تمرّ شهور بل ربما أعوام ونحن لا نرى إخواننا في حين نأوي كل يوم إلى أزواجنا وأبنائنا. والإنسان قد يترك أمه وأباه ليعيش مع زوجه وأبنائه وهو ألصق بأبنائه من زوجه ، فقد يفارق زوجه ويسرحها ولكن لا يترك ابنه. فالأبناء آخر من يفرّ منهم المرء ويهرب. وهكذا رتّب المذكورين في الفرار بحسب العلائق ، فأقواهم به علاقة هو آخر من يفرّ منه ، فبدأ بالأخ ثم الأم ثم الأب. وقدّم الأم على الأب ، ذلك أن الأب أقدر على النصر والمعاونة من الأم ، وهو أقدر منها على الإعانة في الرأي والمشورة ، وأقدر منها على النفع والدفع. فالأم في الغالب ضعيفة تحتاج غلى الإعانة بخلاف الأب. والإنسان هنا في موقف خوف وفرار وهرب. فهو أكثر التصاقاً في مثل هذه الظروف بالأب لحاجته إليه ، ولذا قدم الفرار من الأم على الفرار من الأب ، وقدم الفرار من الأب على الفرار من الزوجة ، لمكانة الزوجة من قلب الرجل وشدّة علاقته بها ، فهي حافظة سرّه وشريكته في حياته ، ثم ذكر الفرار من الأبناء في آخر المطاف ، ذلك لأنه ألصق بهم وهم مرجوون لنصرته ودفع السوء عنه أكثر من كل المذكورين. هذا هو السياق في (عبس) سياق الفرار من المعارف وأصحاب العلائق أجمعين للخلو إلى النفس ، فإن لكل امريء شأناً يشغله وهمّاً يغنيه.