اليوم بمشيئة الله تعالى نستكمل معكم مسلسل الأخيار الأطهار الأبرار مع رجل هرب من الرق والعبودية لملاقات رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم ، رجل لقب بالرومى وهو ليس برومى وكان من أفضل الناس رميا للسهام ، مع رجل لما رآه رسول الله قال له ( ربح البيع يا أبا يحيى ، ربح البيع) مع الصحابى الجليل صهيب الرومى رضى الله عنه. قصة صهيب الرومى
صهيب الرومى ، ومن منا معشر المسلمين لا يعرف صهيباً الرومي ولا يلم بطرف من أخباره ونُتف من سيرته ، ولكن الذي لا يعرفه الكثير منا هو أن صهيباً لم يكن روميّاً وإنما كان عربيّاً خالصاً نميري (أى من بنى نمير) الأب وتميمي (بنى تميم) الأم ، ولانتساب صهيب إلى الروم قصة ماتزال تعيها ذاكرة التاريخ وترويها أسفاره. فقبل البعثة بحوالي عقدين من الزمان كان يتولى الأبُلَّة (وهي مدينة قديمة دخلت في البصرة) سنان بن مالك النميري من قبل كسرى ملك الفرس وكان أحب أولاده إليه طفل لم يتجاوز الخامسة من عمره دعاه صهيباً ، وكان صهيب أزهر الوجه أحمر الشعر متدفق النشاط ذا عينين تتَّقدان فطنة ونجابة ، وكان إلى ذلك ممراحاً عذب الروح يُدخل السرور إلى قلب أبيه وينتزع منه هموم الملك انتزاعاً.
أرشيف الإسلام - ربح البيع أبا يحيىٰ | كانوا رجالا | ح 28 | الدكتور محمد إبراهيم من قناة الندى الفضائية
حقاً لقد ربح البيع، وصدَّق ذلك وحي السماء وشهد عليه جبريل ، حيث نزل في صهيب قول الله عز وجل: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّه ُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) ، فطوبى لصهيب بن سنان الرومي وحسن مآب.
الصحابي صهيب بن سنان , ربح البيع يا أبا يحيى
وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم في بثٍّ مُباشرٍ مع الحدث، جبريلُ ينقلُ إليه الواقعة، وينزلُ عليه بقول الله تعالى: «ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد»! ولما وصل صهيبٌ إلى المدينة، تلقَّاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بوجهٍ باسمٍ كأنه فلقة قمر، وقال له: ربح البيع أبا يحيى، ربحَ البيعُ أبا يحيى! ربحَ البيعُ لأنه التَركُ لله! كل معصيةٍ تزينتْ لكَ، ولا يحول بينك وبينها إلا أنكَ ستتركها للهِ فاستشعر معها ربِحَ البيعُ، يُصبحُ التَّركُ وقتها لذةً أجمل من لذة الأخذ! كل انتقام كان بإمكانك أن تنتقمه ولا يحول بينك وبينه إلا أنك ستتركه لله، استشعر معه ربحَ البيعُ، يُصبحُ العفو لذةً أجمل من لذة الانتقام! كل مديون عجزَ أن يُسدد لكَ ما تبقى لكَ عنده، فآثرتَ أن تُسامح وتتصدَّق وتستر، بدل أن تفضحَ وتشكو، استشعرْ عندها ربِحَ البيعُ، ستُصبح لذة الصَّدقة أجمل من لذة استرداد المال! كل مالٍ وضعته في يد فقير، وأنت تعلمُ أنك تضعه في يدِ الله أولاً، استشعرْ معه ربِحَ البيعُ، ستفوق لذة العطاء لذة الأخذ! كل موقفٍ امتلأتَ فيه غضباً على زوجةٍ أو ولد، ثم استعذتَ باللهِ، وكتمتَ غيظكَ لوجه الله، استشعر معه ربِحَ البيع، ستصبح لذة العفو نصراً أجمل ألف مرةٍ من لذة أن تأخذ حقك بيدك!
عالم قديم بكل ما يمثله من دين وخلق، ونظام وحياة..
وتخطي عتبة دار الأرقم، التي لم يكن عرضها ليزيد عن قدم واحدة كان يعني في حقيقة الأمر وواقعه عبور خضمّ من الأهوال، واسع، وعريض..
واقتحام تلك العتبة، كان ايذانا بعهد زاخر بالمسؤليات الجسام..! وبالنسبة للفقراء، والغرباء، والرقيق، كان اقتحام عقبة دار الأرقم يعني تضحية تفوق كل مألوف من طاقات البشر. وان صاحبنا صهيبا لرجل غريب.. وصديقه الذي لقيه على باب الدار، عمّار بن ياسر رجل فقير.. فما بالهما يستقبلان الهول ويشمّران سواعدهما لملاقاته.. ؟؟
انه نداء الايمان الذي لا يقاوم..
وانها شمائل محمد عليه الصلاة والسلام، الذي يملؤ عبيرها أفئدة الأبرار هدى وحبا..
وانها روعة الجديد المشرق. تبهر عقولا سئمت عفونة القديم، وضلاله وافلاسه..
وانها قبل هذا كله رحمة الله يصيب بها من يشاء.. وهداه يهدي اليه من ينيب...
أخذ صهيب مكانه في قافلة المؤمنين..
وأخذ مكانا فسيحا وعاليا بين صفوف المضطهدين والمعذبين..!! ومكانا عاليا كذلك بين صفوف الباذلين والمفتدين..
وانه ليتحدث صادقا عن ولائه العظيم لمسؤولياته كمسلم بايع الرسول، وسار تحت راية الاسلام فيقول:
" لم يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا قط الا كنت حاضره..
ولم يبايع بيعة قط الا كنت حاضرها..
ولا يسر سرية قط.