إن سعادتي الدنيا والآخرة منوطتان بالشكر لنعم الله -تعالى-: ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [النحل:120-121]. تأمل شكر إبراهيم -عليه السلام- لنعم ربه -تعالى- وهو يخاطب قومه: ( قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) [الشعراء:75-82]. ( وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)! ان ابراهيم كان ام اس. خطيئتي! أي خطيئة لك يا إبراهيم وأنت الذي حطمت الأصنام بيديك ووقفت أمام أمة الشرك وأخزيتها؟ أي خطيئة لك وأنت هممت بأن تذبح ابنك بيدك، ابنك الذي رُزقتَه على كبر، وترعرع أمام ناظريك، ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات:102]، لم يقل: هذه أضغاث أحلام!
- (13) صفة إبراهيم عليه السلام وبعض فضائله - إن إبراهيم كان أمة - طريق الإسلام
(13) صفة إبراهيم عليه السلام وبعض فضائله - إن إبراهيم كان أمة - طريق الإسلام
وأول مَن ذهب إليه إبراهيمُ ليبشِّره بما أتاه وأُنزل إليه مِن علمٍ إلهي جديد كان أباه، وكم كان إبراهيم يكنُّ لوالده من حب وتقدير، وقد خاف عليه خوفًا شديدًا، لما عَلِم عِلْم اليقين مصيرَ مَن يتبع الشيطان ويَكفر بالله، وكم كرَّرها إبراهيم تلك الكلمة الرقيقة الحنونة الشجية: ﴿ يَا أَبَتِ ﴾؛ ليستعطِفَ بها أباه؛ عساه يلين له ويفوز به معه عند ربه! ولكن قدَر الله سابق لكلِّ شيء: ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴾ [مريم: 43]. ووهب الله له مِن ذرِّيَّته أنبياءَ وصالحين: (إسحاق ويعقوب ويوسف، وموسى وهارون، وداود وسليمان، وزكريا ويحيى، وعيسى وإلياس، وإسماعيل واليسع ويونس... (13) صفة إبراهيم عليه السلام وبعض فضائله - إن إبراهيم كان أمة - طريق الإسلام. )، وقال عنهم ربُّ العزة: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ﴾ [الأنعام: 89]. ثالثًا: (إبراهيم اليقين الراسخ والإيمان كله):
واحتدمت المشادَّة بين الرسوخ في علم الله والإيمان به، وبين الرسوخ في الكفر، ويخبرنا ربُّ العزَّة وقائعَ تلك المشادة وما آلت إليه، قال تعالى: ﴿ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ﴾ [مريم: 46].
وبنحو الذي قلنا في معنى ( أمة قانتا) قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني زكريا بن يحيى ، قال: ثنا ابن إدريس ، عن الأعمش ، عن الحكم ، عن يحيى بن الجزار ، عن أبي العبيدين ، أنه جاء إلى عبد الله فقال: من نسأل إذا لم نسألك؟ فكأن ابن مسعود رق له ، فقال: أخبرني عن الأمة ، قال: الذي يعلم الناس الخير. حدثنا محمد بن بشار ، قال: ثنا أبو أحمد ، قال: ثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن مسلم البطين ، عن أبي العبيدين أنه سأل عبد الله بن مسعود ، عن [ ص: 317] الأمة القانت ، قال: الأمة: معلم الخير ، والقانت: المطيع لله ورسوله. ان ابراهيم كان امة قانتا. حدثني يعقوب ، قال: ثنا ابن علية ، عن منصور ، يعني ابن عبد الرحمن ، عن الشعبي ، قال: ثني فروة بن نوفل الأشجعي ، قال: قال ابن مسعود: إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا ، فقلت في نفسي: غلط أبو عبد الرحمن ، إنما قال الله تعالى ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله) فقال: تدري ما الأمة ، وما القانت؟ قلت: الله أعلم ، قال: الأمة: الذي يعلم الخير ، والقانت: المطيع لله ولرسوله ، وكذلك كان معاذ بن جبل يعلم الخير ، وكان مطيعا لله ولرسوله. حدثنا محمد بن المثنى ، قال: ثنا محمد بن جعفر ، قال: ثنا شعبة ، قال: سمعت فراسا يحدث ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عبد الله بن مسعود ، أنه قال: إن معاذا كان أمة قانتا لله ، قال: فقال رجل من أشجع يقال له فروة بن نوفل: نسي إنما ذاك إبراهيم ، قال: فقال عبد الله: من نسي إنما كنا نشبهه بإبراهيم ، قال: وسئل عبد الله عن الأمة ، فقال: معلم الخير ، والقانت: المطيع لله ورسوله.