ثم قال [ تعالى] ( والعافين عن الناس) أي: مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم ، فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحد ، وهذا أكمل الأحوال ، ولهذا قال: ( والله يحب المحسنين) فهذا من مقامات الإحسان. وفي الحديث: " ثلاث أقسم عليهن: ما نقص مال من صدقة ، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، ومن تواضع لله رفعه الله ". ليس الشديد بالصرعة اسلام ويب. وروى الحاكم في مستدركه من حديث موسى بن عقبة ، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة القرشي ، عن عبادة بن الصامت ، عن أبي بن كعب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من سره أن يشرف له البنيان ، وترفع له الدرجات فليعف عمن ظلمه ، ويعط من حرمه ، ويصل من قطعه ". ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه وقد أورده ابن مردويه من حديث علي ، وكعب بن عجرة ، وأبي هريرة ، وأم سلمة ، بنحو ذلك. وروي عن طريق الضحاك ، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد يقول: أين العافون عن الناس ؟ هلموا إلى ربكم ، وخذوا أجوركم ، وحق على كل امرئ مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة ".
- ليس الشديد بِالصُّرَعَةِ - موقع مقالات إسلام ويب
- إسلام ويب - فتح الباري شرح صحيح البخاري - كتاب الأدب - باب الحذر من الغضب- الجزء رقم4
ليس الشديد بِالصُّرَعَةِ - موقع مقالات إسلام ويب
فالمقصود أن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- لك أن تجمع بين الصلاة والسلام، ولك أن تقتصر على أحدهما، وأما النبي ﷺ فتجمع له بين هذا وهذا. وهكذا في الملائكة لك أن تقتصر على الصلاة، ولك أن تقتصر على السلام، ولك أن تجمع فتقول: جبريل ﷺ، أما غير الأنبياء وغير الملائكة فلو قيل ذلك لأحدٍ من الناس: فلان ﷺ فليس ذلك بمحرم، لكن لا يكون ذلك على سبيل المداومة، ولا يُخص به أحد بعينه، كالذي يقول مثلاً: فاطمة -عليها السلام، علي - ، أو نحو هذا، فإن ذلك من شعار بعض أهل البدع كالرافضة، ولكن لو قال أحياناً: صلى الله عليك، لو قلت لصاحبك: صلى الله عليك، اللهم صلِّ على فلان، اللهم صلِّ عليه وسلم، لا إشكال في هذا، ليس ذلك بممتنع، ليس بمحرم. ليس الشديد بِالصُّرَعَةِ - موقع مقالات إسلام ويب. الله يقول: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103]، وقد قال النبي ﷺ: اللهم صلِّ على آل أبي أوفى [3]. لما قالت امرأته: يا رسول الله، صل عليَّ، وعلى زوجي، فقال: اللهم صلِّ على آل أبي أوفى. لكن لا يتخذ ذلك عادة، فالأصل أن يصلَّى على الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- والملائكة، وبالنسبة للصحابة يترضى عنهم، ومن بعدهم يترحم عليهم، وأما على سبيل التبع فالأمر في ذلك أوسع تقول: صلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.
إسلام ويب - فتح الباري شرح صحيح البخاري - كتاب الأدب - باب الحذر من الغضب- الجزء رقم4
والأخلاق من تزكية النفوس، فحقيقة الأخلاق في داخل النفس، وإنما السلوك العملي تعبير مباشر عن ذلك، ونتيجة له، ولذلك إذا كان القلب فاسداً لا يستطيع الإنسان أن يستمر في التظاهر والمجادلة بالأخلاق السطحية، فبعض الناس قد يتكلفون الأخلاق، لكن ذلك لن يدوم إن لم يكن ذلك نابعاً من اعتراف داخلي بقيمة هذه الأخلاق وحب لها، ومثل ذلك الخلق المؤقت، يعني أن في النفس ضعفاً أخلاقياً تنكشف النفس فيه لأدنى امتحان، يقول الحسن البصري: "ما أخفى رجل شيئا إلا ظهر على فلتات لسانه وقسمات وجهه". والشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى يقرر هذا المعنى، فيقول:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم
فالأخلاق القوية الحقيقية وعاء يستوعب حياة الإنسان كلها، فتتبين الأخلاق القوية بالدأب والصبر والمداومة وإتمام الخلق، يقول أبو حامد الغزالي: "إن أخلاق الإنسان الحقيقية هي أخلاقه بالمنـزل". أي: لمداومته على حسن الخلق والتلطف حتى في بيته. وعند الإنجليز مثل يقول:" إن الملِكَ لن يكون ملكاً في كل وقت". إسلام ويب - فتح الباري شرح صحيح البخاري - كتاب الأدب - باب الحذر من الغضب- الجزء رقم4. أي أنه في بيته ومكانه الخاص سيبدو بسيطاً ضعيفاً، ربما يستفزه أي شيء، وربما يتشاجر لأجل أتفه قضية. وقوة الأخلاق تبدو حين نختلف، وهناك من يستخدم أخلاق القوة للضرب تحت الحزام كما يقولون، واستخدام نقاط الضعف والفجور في الخصومة، فيطيح بكل القيم الأخلاقية لأدنى اختلاف، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من آية المنافق أنه " إذا خاصم فجر "، لكن قوة الأخلاق في العفو والعفة عن نقاط الضعف، وقول الحق حتى على النفس { يَا اَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى اَنْفُسِكُمْ}.
وإذا غضب قال بما لا يعلم، وعمل بما يندم... ". - ومن آفات الغضب أنه يُلجئ صاحبه إلى الاعتذار، قال بعض الحكماء: إياك وعزة الغضب، فإنها تفضي إلى ذل الاعتذار. وقال الشاعر: وإذا ما اعتراك في الغضب العزَّ ةُ فاذكر تذلُّلَ الاعتذارِ
ولو نظر الغضبان إلى صورة نفسه حال غضبه لأحس ببشاعة الغضب. - ثم إن استحكام الغضب باب من أعظم الأبواب التي يلجُ الناسُ منها النار. قال بعض الحكماء: من أطاع شهوته وغضبه قاداه إلى النار. وقال ابن القيم رحمه الله: دخل الناس النار من ثلاثة أبواب: باب شبهة أورثت شكًّا في دين الله، وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته، وباب غضب أورث العدوان على خلقه. ولقد رأينا كيف دلَّ رسول الله صَلى الله عليه وسلم أمته على كلِّ خير وحذَّرها من كلِّ شرٍّ، ومن أعظم الشرور التي حذَّر منها صَلى الله عليه وسلم: الغضب. ليس الشديد بالصرعة اسلام یت. وهنا يثور سؤال: هل كل الغضب مذموم؟
والجواب: أن الغضب منه ما هو مذموم، ومنه ما هو محمود. فالمذموم ما كان في غير الحق، والمحمود ما كان لله وفي جانب الدين والحق. فالناس يتفاوتون في قوة الغضب على درجات:
الأولى: درجة التفريط بحيث يكون لا حميَّة له، فهذا مذموم؛ لأنه يثمر ثمرات مُرَّة من الذل وصغر النفس وضعف الغيرة.